ما الخطأ الذى جرى فى أفغانستان وهل كانت هناك مسارات أخرى؟ – الحائط العربي
ما الخطأ الذى جرى فى أفغانستان وهل كانت هناك مسارات أخرى؟

ما الخطأ الذى جرى فى أفغانستان وهل كانت هناك مسارات أخرى؟



خرج الرئيس بايدن منذ عدة أيام ليبرر قراراته والانسحاب من أفغانستان، ولكن فى الحقيقة أن معضلة أفغانستان وتقييم السياسات التى اتبعت معها أقدم من ذلك بكثير، لتبدأ المسؤولية الأمريكية والدولية منذ النهج الذى اتبع مع هذا البلد لمقاومة الاتحاد السوفيتى، ومع ذلك سأقف عند الفصل الأحدث بدءا من 11 سبتمبر، ليكون السؤال: هل كانت هناك مسارات أو سبل علاج أخرى لهذه المعضلة التى تفجرت آنذاك؟.

مقالات متعلقة

قد يرى البعض أنه لم تكن هناك بدائل أمام الرئيس بوش الابن، الذى أهينت بلاده إهانة جسيمة وهى فى قمة هيمنتها وسيطرتها على العالم، بصرف النظرعن نظريات المؤامرة التى لا دليل عليها، فمن الإنصاف القول إن الولايات المتحدة كانت بحاجة لرد فعل عنيف وقوى يعيد لها الهيبة ويعاقب هذه البؤرة الإرهابية التى كانت قادرة على تهديد العالم كله، ولكن بوش اختار الحماقة والغزو الكامل واستعراض القوة والبطش بدلا من الاكتفاء بعمليات جوية مهما كانت كثافتها، وظن أنه قادر على ما لم تتمكن منه أى إمبراطورية أخرى وهو الغزو واحتلال هذا البلد المنيع بجغرافيته وشعبه الصعب، وأضعف طالبان والقاعدة دون أن يقضى عليهما، وأنفق المليارات فى قصف الجبال دون أن يتمكن من القضاء على هذه الميليشيات بشكل شامل، وأطلق الأوهام حول قدرته على إعادة صياغة هذا المجتمع، وحشد العالم حوله فى المهام العسكرية وحتى فى بعض أوهام إعادة صياغة المجتمع الأفغانى، ومع ذلك الخطأ الاستراتيجى فى الحسابات كان يمكن إدارة الأمور بشكل أفضل وهو ما لم يحدث.

الفصل الثانى من الإخفاق فصل تقليدى عنوانه حماقة الاحتلال وضيق الأفق الأمريكى، نموذجه البسيط أن تكلف واشنطن إيطاليا ببناء نظام قانونى ودستورى على النسق الغربى، متجاهلة فى ذلك خصوصية أفغانستان واختلاف مراحل التطور حتى عن أغلب المجتمعات الإسلامية الأخرى، ويكتمل الترقيع بطلب إيطاليا مساعدة دول إسلامية وغربية فى هذه المهمة وعلى رأسها مصر دون تفويض هذه الدول بالمهمة كاملة لأنها الأدرى والأقرب، وذلك بحكم توهم أنه لا تنمية ولا تحديث إلا باستعارة النماذج الغربية، وقد تابعت هذا الملف منذ بدايته وحتى مغادرتى له فى الربع الأخير من عام 2003، والعنوان الرئيسى كان التخبط الأمريكى والدولى والأممى، والجزر المنعزلة فى محاولات تحريك المياه الراكدة فى هذا المجتمع، ما بين محاولات إصلاح شكلية وفوقية لا تهتم بتفاصيل تركيبة هذا المجتمع، وما بين جهود بعضها مخلص لمؤسسات دولية وحتى أمريكية لمساعدة فئات من هذا المجتمع للتغيير، جزء منه تم تدريجيا لمراعاة ظروف هذا المجتمع، وجزء آخر تم متسرعا ليس له جذور حقيقية. وفوق كل ذلك، وهذا هو الأهم، بناء نخبة سياسية جديدة من الذين قبلوا التعاون عن اقتناع أو انتهازية، ليزيد الطين بلة أن آليات عمل الاحتلال الأمريكى أنه يخلق أنماطا من الفساد والمتعاونين فى مصالح اقتصادية واسعة، ففى الحقيقة أن الأموال الهائلة التى أنفقها الجيش الأمريكى وتجاوزت تريليونين من الدولارات لم تكن كلها على الإنفاق العسكرى، بل كانت هناك أيضا أنشطة اقتصادية واسعة لصالح القوات الأمريكية، وأخرى لمساعدة بناء دولة أفغانية، ولتدخل مفاهيم العمولات والمصالح الخاصة التى تجعل جزءا من هذه النخبة الجديدة فاسدا بالضرورة، ولعل هرب الرئيس أشرف غنى وما يقال من إنه صحب معه كميات من الأموال هو ما يفسر هذه النقطة الأخيرة.

المرحلة الثالثة من الإخفاق، فى قرار الانسحاب وبعد اكتشاف عبثية الاستمرار، قرار كان ترامب أول من اتخذه، وبحسابات بسيطة جزء منها رشيد وهو ضرورة وقف هذا الاستنزاف الاقتصادى، وتركيز القدرات الأمريكية على منع تدهور القوة النسبية لصالح الصين، وبدأت المفاوضات التى استضافتها الدوحة بين واشنطن وطالبان، وأذكر هنا أننى كتبت مبكرا، ومنها مقال فى جريدة الحياة الدولية قبيل توقفها فى بدايات 2019، عن أن واشنطن تكرر أخطاء تفاوضية من تجربتها فى فيتنام، وأنها تحاول أن تحافظ على ماء وجهها لإخفاء هذه الهزيمة على حساب الشعب الأفغانى، والطريف أن هذه الجولة الأولى قد منيت بالفشل بسبب عدم صبر طالبان وقيامها بتفجير فى العاصمة قبيل توقيع الاتفاق، وعموما وقعته حكومة ترامب فى النهاية ودون أى مراعاة لحلفائها الأفغان، وبدأ التنفيذ بقدر من التباطؤ فى البداية ليأتى الفصل الأخير من الإخفاق فى طريقة انسحاب إدارة بايدن، وتعجلها بدون استراتيجية متكاملة وبالشكل الذى تهاوى معه حلفاؤها، وعندما يبرر بايدن أنه لا يمكن أن يحارب فى وقت لا تريد فيه الحكومة الأفغانية أن تحارب، فالقضية هنا هى استعادة كل مراحل الإخفاق السابقة هذه، وبعدها توجيه اتهامات التقصير والمسؤولية عن هذا المستقبل الصعب الذى ينتظر الشعب الأفغانى. وثمة أمر أخير، فالبعض يربط قرار الانسحاب بالاستراتيجية الأمريكية ضد الصين وروسيا من منطلق إدمان تصور رشادة وتدبر قرارات واشنطن، ومع أن لهذا حديثا آخر، فلعل أفضل رد هو: هل كانت كل الأخطاء سابقة الذكر مبنية على تدبر رشيد؟.

نقلا عن المصري اليوم