في حين تنطلق اليوم مجدداً مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، بعد انقطاعها طيلة 5 أشهر، يجدر التساؤل حول إمكانية التوصل إلى «ترتيبات» إقليمية تكون كفيلة بتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية.
بطبيعة الحال؛ سيكون التكهن سلفاً بما ستؤول إليه المفاوضات موسوماً بشيء من الغرور. بيد أن هذا الأمر لا يمنع من إبداء مجموعة من الملاحظات حول توقعات واستعدادات الأطراف المشاركة في المفاوضات.
بداية؛ يمكن الإشارة إلى أن إدارة الرئيس (الأميركي جو) بايدن راغبة في التوصل إلى اتفاق من شأنه خفض مخاطر الانتشار النووي. ولكنها، في الوقت عينه، عازمة على أخذ مشاغل ومخاوف حلفائها المشروعة في المنطقة؛ وتحديداً دول الخليج وإسرائيل، في الحسبان. ويمكن تلخيص هذه المخاوف، إضافة إلى برنامج إيران النووي، في تطوير إيران برنامجها الباليستي – الصاروخي، وتصنيعها المسيّرات التي يستخدمها حلفاء طهران ضد المملكة العربية السعودية، وتمدد النفوذ الإيراني إلى العديد من الدول العربية في المنطقة؛ أكان ذلك العراق أم سوريا ولبنان أم اليمن. وهدف واشنطن – وأيضاً الدول الأوروبية – هو المحافظة على الاتفاق النووي إذا كان ذلك ممكناً، والتوصل إلى إيجاد صيغة تعايش مع طهران من شأنها طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط.
لكن الصعوبة تكمن في أنه ليس من الواضح اليوم أن إيران مستعدة لتقديم التنازلات الضرورية من أجل التوصل إلى اتفاق. ونحن نرى ذلك فيما خص اليمن حيث الاتصالات السعودية – الإيرانية لم تفضِ حتى اليوم إلى نتائج إيجابية، كما لا يبدو أن إيران عازمة على التخلي عن ورقة الضغط التي تمسك بها من خلال دعمها متعدد الأوجه للحوثيين.
حقيقة الأمر أن الجانب الإيراني مقتنع بأن الولايات المتحدة ضعيفة، وأنها بصدد الانفكاك من الشرق الأوسط بينما الصين هي القوة الصاعدة. وبالتوازي؛ فإن روسيا آخذة في تعزيز دورها في المنطقة. لذا؛ فقد عمدت طهران إلى توقيع «اتفاقيات استراتيجية»؛ «لم تعرف تفاصيلها بالضبط»، مع هاتين الدولتين، وهي واثقة بأنها اختارت الشريك الأفضل في المنافسة الأميركية – الصينية الراهنة. ونتيجة ذلك؛ كما نرى، أن إيران لم تعد مستعدة لإبرام تسويات مع الولايات المتحدة أو الدول الغربية. لكن تتعين الإشارة إلى أن الصين وروسيا ليستا الحليفتين المثاليتين اللتين تحلم بهما طهران؛ إذ إن بكين مهتمة بالدرجة الأولى بضمان تدفق الطاقة التي تحتاجها، بينما العلاقات الروسية ــ الإيرانية، رغم أهميتها، تبقى غامضة، والدليل على ذلك ما يحدث بينهما في سوريا. لذا؛ يمكن القول إن الجانب الإيراني يتغذى من أوهام الفوائد التي يمكن أن يجنيها من شراكاته الاستراتيجية مع بكين وموسكو.
في المقابل؛ يمكن أن نلاحظ أن الدول الخليجية أخذت بعين الاعتبار رغبة واشنطن في تخفيف التزاماتها في المنطقة، وهي؛ نتيجة لذلك، تسعى لتوفير ضمانات إضافية في مكان آخر. وفي هذا السياق؛ يمكن إدراج تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين من جهة؛ وإسرائيل من جهة أخرى، والتوقيع على اتفاقية التعاون العسكري بين المملكة العربية السعودية وروسيا، إضافة إلى التعاون في القطاع النفطي بين الطرفين. وفي السياق عينه؛ تندرج رغبة الدول الخليجية في تعزيز العلاقات مع البلدان الأوروبية، كما تعكس ذلك زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الخليج هذا الأسبوع، والزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء البريطاني للمنطقة نفسها.
يبدو لنا أن نتيجة هذه التطورات كافة أنه إذا كانت الرغبة في إيجاد ترتيبات إقليمية لتهدئة النزاعات في الشرق الأوسط متوفرة في العديد من العواصم، فإن نجاح مفاوضات فيينا، بالمقابل، ليس أمراً مضموناً بسبب المواقف المتباعدة بين الإيرانيين والغربيين. والحال أن فشل المفاوضات يعني أنه لا يتعين استبعاد حدوث مواجهات… فالولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على السلاح النووي، وتريد من طهران أن تلتزم بسياسة أكثر تعاوناً في المنطقة. لذا؛ من الممكن أنه في غياب التوصل إلى اتفاق نووي؛ فسيبقى الوضع في الشرق الأوسط متوتراً وحمّالَ مخاطر. والكرة، حقيقة، موجودة اليوم في الملعب الإيراني حيث تريد مجموعة «5+1» والدول الخليجية من طهران أن تكون تصرفاتها أكثر عقلانية. لكن هذا ليس أمراً محققاً.
نقلا عن الشرق الأوسط