ماذا ستُنتج سياسة واشنطن تجاه الحرب فى غزة؟ – الحائط العربي
ماذا ستُنتج سياسة واشنطن تجاه الحرب فى غزة؟

ماذا ستُنتج سياسة واشنطن تجاه الحرب فى غزة؟



يتساءل كثيرون فى العديد من المحافل والأوساط: هل سيكون هناك رد فعل أو نتائج للسياسات الأمريكية المنحازة لإسرائيل، والتى وصلت إلى أقصى صورها فى الحرب الجارية فى غزة؟.

وفى الحقيقة أنه رغم الإدراك التاريخى لطبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية منذ نشأة الدولة العبرية، فإنه لا يوجد نموذج مشابه فى درجة التورط الأمريكى الراهنة، ومراجعة التاريخ تكشف هذا بوضوح، فحتى فى حرب 1967 حيث كان الاتهام المصرى العربى لواشنطن بالعدوان الأنجلو أمريكى كان يعقبه وصف المستتر، ثم كان التدخل الأكبر والقوى حرب أكتوبر 1973 أول مناسبة كبرى يبدو فيها التدخل الأمريكى السافر لنجدة إسرائيل، إلى الحد الذى وصفه الرئيس الراحل محمد أنور السادات بأننا نحارب أمريكا مباشرة، ولكن حتى فى هذه المرحلة كانت واشنطن تناور وتخفى بعض وليس كل الدعم وتدعى أنها لا تعادى العرب بشكل عام.

وفى حروب العدوان السابقة على غزة والتى لم يحدث فيها درجة العنف والجرائم الحالية كانت واشنطن تترك مسافة مع تل أبيب وتحاول بذل جهود لاحتواء التصعيد فى مرحلة معينة.

ولقد سبق لنا هنا وفى مواقع متعددة مناقشة التحولات الأمريكية والإسرائيلية التى قادت إلى المشهد الحالى، وأبرزها نجاح القوى المتشددة اليهودية فى التحكم فى الساحة الأمريكية مدعومة بتيار أمريكى إنجيلى ينطلق أساسا من قراءة توراتية بالغة التشدد، وسيطرتها على الساحة السياسية والإعلامية الغربية عبر سنوات من التحضير وتطبيق أساليب الترهيب المعنوى ضد من يخالفها فى الرأى، بحيث سيطرت على هذه الساحات، وساعدها على ذلك غياب عربى ملحوظ.

ولكن مهم أيضا عدم إغفال حقيقة سبق لى فى بداية الحرب الدعوة لتأجيلها، وهى ضرورة مراجعة المشهد الفلسطينى وخاصة الانقسام والتحفظات لدى قطاعات عديدة دولية وعربية ضد القوى المسيطرة فى غزة، وحتى عدم ارتياح مما يحدث فى رام الله، وفى الحقيقة أننى مازلت أفضل تأجيل هذه المسألة لأن الأولوية هى لإنقاذ الشعب الفلسطينى وقضيته ومستقبله.

وأيضا الانطلاق من شرعية المقاومة ضد احتلال ظالم وقاس بلا حدود ومتجرد من كل القيم الإنسانية، وإذا كنت قد ذكرت هذا البعد- رغم رغبتى فى تأجيله- الآن فلكى تكون رؤيتنا دقيقة لأحد أسباب ضعف الموقف العربى، فضلا عن ظهور أجيال جديدة مرتبكة من أنماط الحياة الغربية والحديثة، وإن كان مما يدعو للارتياح أن أبناء الجيل الأصغر فى مصر قد تعمق وبرز تعاطفهم ودعمهم للقضية الفلسطينية التى تتماس بقوة مع الأمن القومى لمصر كما نؤكد دوما.

ويتساءل البعض: كيف تستقيم ادعاءات واشنطن برغبتها فى تحقيق هدنة، وفى نفس الوقت الإفراج عن حزمة ضخمة من المساعدات العسكرية والاقتصادية لإسرائيل، ويتذكرون تهديدات إدارات أمريكية سابقة بمراجعة سياستها تجاه إسرائيل للضغط عليها ولو برفق شديد عند اللزوم، واستغرب البعض التصريحات والتسريبات حول رفض واشنطن دخول إسرائيل رفح، والمشاركة فى اجتماعات القاهرة الأسبوع الماضى، وفى نفس الوقت الإفراج عن هذه المساعدات.

وفى الحقيقة أن واشنطن لم تقل إنها ضد مواصلة إسرائيل الحرب، فهى تريد القضاء على حماس والتجاوب مع أى طلبات من إسرائيل، وتريد التلويح بورقة الدولتين وتعرف رفض شريكتها وحكومة نتنياهو لهذا البديل، ولكنها لا تريد أن تكون طرفا فى جريمة الإبادة الجماعية التى بدأتها إسرائيل فى هذه الحرب، وتريد تنفيذ أخطر فصولها فى رفح.

ومن ثم تتحدث عن مواصلة الحرب دون المساس بالمدنيين، وكذلك لا تريد إغضاب العرب ومصر بطرح فكرة التهجير القسرى مرة أخرى، ومن ثم تظهر كل هذه التناقضات التى عبر عنها جوزيف بوريل بسخرية عن ما إذا كان يمكن لجوء الفلسطينيين إلى القمر.

واشنطن تدرك أيضا تعقد الاعتبارات التى تتحرك فى إطارها ما بين هذا النفوذ اليهودى الأخطبوطى، وما بين قلق انتخابى من أصوات عربية ومسلمة أمريكية قد تعود مرة أخرى لاغترابها ما بين التخوف من ترامب وكراهية بايدن والديمقراطيين، وما بين نتائج قابلة للتطور فيما يتعلق بقرار محكمة العدل الدولية والتى قد تثير مستقبليا تداعيات فى المحكمة الجنائية الدولية، وسيكمل كل هذا ما تبقى من رصيد ادعاءات واشنطن حول الديمقراطية وحقوق الإنسان.

ونعود للسؤال الرئيس: هل يمكن أن تهتز صورة واشنطن أكثر من هذا ويصبح لهذا تداعيات على نفوذها الإقليمى؟، وفى الحقيقة أن السؤال كى يطرح بدقة فإن علينا تذكر أن نفوذ واشنطن يتراجع فعليا فى المنطقة ومنذ سنوات، وهى تدير الأزمات بقوة الاعتراض وحرمان الخصوم العديدين من التمتع بالنصر سواء فى سوريا أو العراق أو اليمن أو ليبيا، ولكنها بالنهاية لم تعد تملك أدوات السيطرة على هذه الملفات.

ومع سلسلة التقاربات بين القوى الإقليمية، وهى مصر والسعودية وتركيا وإيران، أميل أكثر لاعتبار أن الولايات المتحدة لديها الآن آخر فرصة حقيقية لاستعادة بعض نفوذها الإقليمى، إذا تحولت إلى الضغط على إسرائيل وليس مسايرتها، بما يسفر عن قيام الدولة الفلسطينية، وإن لم يحدث هذا- وهو الأرجح- فلن يبقى من شىء لواشنطن سوى مواصلة التراجع والخروج التدريجى من المنطقة.

نقلا عن الأهرام