تجاوز الأزمة:
ماذا تعكس موافقة البنك وصندوق النقد الدوليين على دعم المغرب؟

تجاوز الأزمة:

ماذا تعكس موافقة البنك وصندوق النقد الدوليين على دعم المغرب؟



عانى الاقتصاد المغربي عقب الحرب الروسية الأوكرانية من تراجع في العديد من مؤشراته الكلية، مما دفعها لتكثيف إجراءات إصلاحاتها الاقتصادية للحصول على دعم مالي من البنك وصندوق النقد الدوليين، كما أن تماهي المملكة المغربية مع معايير ومتطلبات النظام المالي العالمي كان أحد عوامل الحصول على ذلك الدعم، بخلاف محاولة الدول الغربية تعميق علاقاتها مع المغرب وتجاوز أي خلاف بينهما، في مواجهة تحركات روسية وصينية توظف علاقات التعاون الاقتصادي لربط المصالح المغربية بها، الأمر الذي استطاعت الرباط توظيفه لصالحها بهدف تجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة.

فقد وافق البنك وصندوق النقد الدوليان على دعم المغرب مالياً لدعم اقتصادها وتعزيز التنمية، وذلك وفق التالي:

1- وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي، في 31 مارس الماضي، على منح المغرب تمويلاً لدعم أغراض التنمية بقيمة 450 مليون دولار، ويستهدف التمويل بالأساس تعزيز الشمول المالي والرقمي. ويُشار في هذا الصدد إلى أن ذلك التمويل هو الثالث من نوعه ضمن برنامج تمت الموافقة عليه في عام 2019 استهدف التوسع في توفير الخدمات المالية والبنية التحتية الرقمية للأفراد ومؤسسات الأعمال، وكذلك تحسين الشمول المالي وريادة الأعمال الرقمية، وشمل البرنامج حزمتين سابقتين من الدعم المالي للمغرب على النحو التالي:

أ- الحزمة الأولى في يونيو 2020: بلغت 48 مليون دولار بهدف مساعدة المغرب على احتواء آثار جائحة “كوفيد-19”.

ب- الحزمة الثانية في يونيو 2021: بلغت 450 مليون دولار لتمويل سياسات التنمية للشمول المالي والرقمي.

2- وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، في 3 أبريل 2023 على عقد اتفاق لمدة عامين مع المغرب للحصول على 5 مليارات دولار عبر “خط الائتمان المرن”، بما يخدم التحوط تجاه وقوع الأزمات، ومن شأنه تعزيز الاحتياطيات الوقائية الخارجية للمغرب ويقدم ضمانات ضد أي مخاطر محتملة على أساس مؤقت. وذكر الصندوق -في بيان له- أن السلطات المغربية تعتزم التعامل مع الخط باعتباره أداة وقائية، وقد أرجع الصندوق موافقته على منح ذلك البرنامج للمغرب لدعمها في مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الشاملة، ولتعزيز صلابة الاقتصاد المغربي في مواجهة الصدمات العالمية.

محفزات الدعم

إن حصول المغرب على تمويل مالي من البنك وصندوق النقد الدوليين في التوقيت نفسه يعكس عدة حقائق على النحو التالي:

1- السعي لتحسين الوضع المالي عقب الأزمة الروسية/ الأوكرانية: بالرغم من نجاح المغرب نسبياً في إدارة الوضع الناتج عن جائحة “كوفيد-19” وتداعياته، إلا أن صدمة الحرب الروسية على أوكرانيا أثّرت بالسلب على المغرب اقتصادياً ومالياً، وهو ما دلل عليه تراجع بعض مؤشرات المغرب الاقتصادية في عام 2022، خاصة معدل النمو الاقتصادي (انظر جدول 1)، وبالتالي تسعى الرباط إلى دعم اقتصادها خلال السنوات المقبلة في مواجهة الوضع الدقيق الذي يواجه الاقتصاد العالمي وتحديداً دول شمال أفريقيا.

جدول (1): تطور نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وتوقعات نموه خلال الفترة (2020 – 2024)

202020212022 (توقعات)2023 (توقعات)2024 (توقعات)
معدل النمو-7.2%7.9%1.2%3.5%3.7%

(Source: Global Economic Prospects, January 2023, World Bank)

ي ضوء تراجع معدل نمو الاقتصاد المغربي في 2022، يستهدف المغرب تحقيق نمو قوي ومستدام، مما يستلزم دعماً خارجياً من قبل الجهات المانحة، خاصة وأن غالبية المؤشرات الاقتصادية والمالية تشير إلى تزايد انكشاف المغرب على الصدمات الخارجية (انظر شكل 1)، بما يتطلب دعماً سريعاً ومستمراً خلال الفترة المقبلة في مواجهة ذلك الانكشاف.

شكل (1): تطور عجز الموازنة والدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي

Source: Morocco Economic Monitor, Winter 2022/2023, World Bank

على الرغم من توقع تحقيق انخفاض في عجز الموازنة بدءاً من عام 2022، في دلالة على نجاح المغرب في إجراء إصلاحات داخلية، إلا أن الدين الخارجي سيظل عند مستوى مقارب من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، بما يعني استمرار ارتفاعه، خاصة وأن معدل نمو الناتج الإجمالي الحقيقي سيحقق نمواً بالموجب، وبالتالي يستهدف البنك وصندوق النقد الدوليان تحسين مؤشرات الاقتصاد المغربي كنموذج ناجح في منطقة الشرق الأوسط يتبع سياسات وتوجيهات المؤسستين.

2- التماهي مع المعايير ومتطلبات النظام المالي العالمي: نجح المغرب في تلبية شروط المجتمع الدولي للحصول على دعم صندوق النقد الدولي، وهو ما دلل عليه خروجه من اللائحة الرمادية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب في فبراير 2023، وذلك بعد العمل بتوصيات مجموعة العمل المالي الدولية التي أدرجته في فبراير 2021 ضمن تلك اللائحة، وعزز ذلك من فرص حصول الرباط على دعم صندوق النقد الدولي الذي يضع مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب كشرط للحصول على الدعم المالي، لأن الصندوق يرى أن تنفيذ ضوابط مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بفاعلية يسهم في التخفيف من الآثار السلبية للنشاط الاقتصادي الإجرامي، ويعزز النزاهة والاستقرار في الأسواق المالية.

فيما يتعلق بالانصياع لشروط صندوق النقد بهدف إجراء إصلاحات هيكلية، فقد قام المغرب بعدة إجراءات تتوافق مع متطلبات برامج الصندوق للدول المتلقية للدعم، وتجلى ذلك في التالي:

أ. تعويم سعر الصرف: بدأ المغرب بتعويم سعر الصرف جزئياً في يناير 2018، وذلك من خلال السماح لسعر صرف الدرهم بالتحرك بهامش 2.5% صعوداً أو هبوطاً أمام سلة من عملتي اليورو والدولار الأمريكي، وذلك كمرحلة أولى للتعويم الكامل على مدى 10 سنوات، إلا أن الصدمات المتلاحقة حالت دون تحرك مغربي لرفع ذلك الهامش إلى 5%، كما أن صندوق النقد لم يُلحّ على ذلك الأمر تفهماً لدقة الوضع المغربي، وهو ما دلل عليه تأكيد “روبرتو كارداريلي” رئيس وفد الصندوق الذي زار المغرب في نوفمبر 2022، بأن الظروف الدولية الراهنة لا تساعد على تسريع تعويم سعر صرف الدرهم، ويعزز من ذلك الطرح إشادة الصندوق بإجراءات المغرب التي قام بها خلال السنوات الماضية في مجال الإصلاح الاقتصادي والمالي، وهو ما أكده بيان الصندوق في 3 أبريل 2023 بأن المغرب مؤهل للاستفادة من “خط الائتمان المرن” بفضل سياساته، وأطر سياساته المؤسسية، وأساسياته الاقتصادية القوية للغاية، والتزامه المتواصل بالحفاظ على هذه السياسات مستقبلاً.

ب. تعزيز الحرية الاقتصادية: شهد ترتيب المغرب في “مؤشر الحرية الاقتصادية” الصادر عن “مؤسسة هيرتيج” تحسناً بعد بدء تلقي برامج دعم الصندوق منذ أغسطس 2013، ولكن بعد جائحة “كوفيد-19” وكحال العديد من الدول، تراجع ترتيبها ومجموع نقاطها في المؤشر (انظر شكل 2)، وبالتالي تحتاج الرباط لدعم مالي إضافي لإعادتها على مسار تطبيق متطلبات صندوق النقد الدولي، والتي يأتي على رأسها تبني ممارسات ليبرالية لتعزيز وضع اقتصادها (وفق تصور الصندوق).

شكل (2): تطور ترتيب المغرب ومجموع نقاطها في “مؤشر الحرية الاقتصادية” خلال الفترة (2011 – 2022)

3- تحسين العلاقة مع الشركاء الدوليين: لا يمكن عزل التطورات الاقتصادية للمغرب عن سياستها الخارجية المرنة، وذلك في ضوء التنافس الدولي بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، ففي حين تسعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتقليص اندفاع الرباط تجاه روسيا والصين، تمارس موسكو وبكين من جهتهما دبلوماسية مرنة للتقارب مع المغرب، وهو ما دفع الرئيس “جو بايدن” لتوجيه وزير الدفاع “لويد أوستن” بإعداد خطة طارئة لإنشاء قاعدة صناعية عسكرية أمريكية في المملكة المغربية (تم اقتراحها خلال اجتماع بينهما في ديسمبر 2022)، كما أجرى وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن”، في 31 يناير 2023، محادثة هاتفية مع وزير الخارجية المغربي “ناصر بوريطة” تم التأكيد فيها على تعزيز العلاقات بين البلدين في عدة مجالات على رأسها الأمن والدفاع. وفي هذا السياق، يأتي دعم الصندوق والبنك الدوليين كمكمل لتعزيز العلاقات الأمريكية والغربية مع المغرب.

وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فقد أشار مُفوض الاتحاد الأوروبي لسياسة الجوار “أوليفر فاريلي”، في 2 مارس 2023، إلى تقديم منح مالية إلى المغرب بقيمة 2.1 مليار يورو حتى 2027، مما سينتج عنه حشد استثمارات تفوق 6.6 مليارات يورو خلال تلك الفترة، وبالتالي يدخل دعم البنك وصندوق النقد ضمن مخطط حشد الاستثمارات المشار إليه، الأمر الذي يُعزز من التقارب مع المغرب بعد توتر العلاقات بين الجانبين على خلفية انتقاد البرلمان الأوروبي في يناير 2023 لأوضاع حقوق الانسان في المغرب.

وتتزامن التحركات الغربية مع تحركات روسية وصينية تستهدف تعزيز العلاقات مع المغرب، منها على سبيل المثال زيادة تدفقات الديزل إلى المغرب منذ بداية عام 2023 (وفق بيانات منصة “رفينتيف” في 6 فبراير 2023)، وذلك لمواجهة ارتفاع أسعاره في السوق المغربي، علماً بأن العجز التجاري المغربي ارتفع بنسبة 57% خلال عام 2022 بسبب ارتفاع أسعار واردات الطاقة والمنتجات الغذائية (وفق بيانات مكتب الصرف الحكومي المعنية بإحصاءات التجارة الخارجية)، وبالتالي أدركت الدول الغربية أن التراجع الاقتصادي الذي تعاني منه المغرب قد يدفع الأخيرة لتعزيز علاقاتها مع روسيا والصين، مما يستلزم تحركات مضادة لوقف ذلك التحرك، مع الأخذ في الاعتبار أن بكين توظف مبادرة “الحزام والطريق” لدعم ذلك التقارب، وهو ما أكده توقيع البلدين في يناير 2022 على اتفاقية “خطة التنفيذ المشترك لمبادرة الحزام والطريق”، الأمر الذي قد يهدد المصالح الأوروبية والأمريكية في منطقة شمال أفريقيا وليس المغرب فحسب.

دبلوماسية منفتحة

في الختام، يمكن القول إن منظور المغرب تجاه علاقاتها الخارجية يعتمد على زيادة انفتاحها على شركائها الاقتصاديين بغض النظر عن التنافس الدولي والإقليمي، بل إنها قد توظف ذلك التنافس كأداة لتعزيز مصالحها، ويمكن اعتبار برنامج الدعم المقدم من البنك وصندوق النقد الدوليين عنصراً مهماً في ذلك المنظور، لأنه يوفر دعماً مالياً بشروط ميسرة يدعم اقتصادها المتراجع، كما أنه يعزز من تنافسيتها مقارنة بجيرانها من الدول. في هذا الإطار، فإن تقديم الدعم المالي للمغرب من مؤسسات ذات مكانة عالمية قد يسهل حصولها على دعم مالي من عدة دول وجهات مانحة خلال الفترة المقبلة، وبما يعد دلالة واضحة على نجاح الدبلوماسية الاقتصادية المغربية في بيئة اقتصادية عالمية متأزمة.