تنويع التحالفات:
ماذا تستفيد دول الخليج من تعزيز العلاقات مع اليابان؟

تنويع التحالفات:

ماذا تستفيد دول الخليج من تعزيز العلاقات مع اليابان؟



مثّلت جولة رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا الخليجية في السعودية والإمارات وقطر، في الفترة من 16 إلى 18 يوليو 2023، مرحلة مهمة في تنويع شبكة العلاقات بين دول الخليج واليابان، والتحول من معادلة أمن الطاقة فقط إلى التعاون في المجال الدفاعي والتكنولوجيا المتقدمة ودعم عمليات توطين الصناعات وتطوير الاقتصاد غير النفطي في الخليج، واستغلال دول المنطقة لحاجة طوكيو إلى تنويع شبكة علاقاتها الإقليمية خاصة في ظل صراعها مع الصين. كذلك تسعى دول الخليج لتنويع شبكة علاقاتها الدولية وتطوير الاقتصاد غير النفطي وقطاعات التكنولوجيا، رغم وجود عوائق قد تهدد هذه الشراكة في ظل استمرار اعتماد اليابان على واردات الطاقة الخليجية بشكل كبير وتركيز استثماراتها في هذا الاتجاه، بخلاف عدم وجود رؤية خليجية موحدة بشأن العلاقات مع طوكيو.

محددات للتعاون

توجد عدة أسباب تدفع دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون والعلاقات مع اليابان بوتيرة متسارعة تتمثل في التالي:

1- تنويع شبكة التحالفات الدولية لدول الخليج: تعتبر اليابان فاعلاً إقليمياً مهماً في آسيا وفاعلاً اقتصادياً دولياً من خلال عضويتها في مجموعة الدول السبع الكبرى “G7” ومجموعة العشرين “G20” التي تضم السعودية أيضاً. وضمن توجهات دول مجلس التعاون الخليجي لتنويع شبكة التحالفات الخارجية سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، تعد اليابان فاعلاً مهماً يدعم هذا التوجه، خاصة بعد الضغوط السياسية التي تعرضت لها دول الخليج من الحليف الأمريكي بشكل خاص، مما دفعها لتنويع شبكة التحالفات والعلاقات على أسس سياسية وأمنية ودفاعية وليس فقط الاهتمام بالجانب الاقتصادي.

كذلك، تحرص دول الخليج على ضمان دعم اليابان لسياستها بشأن إنتاج النفط خاصة عقب التهديدات الغربية التي تعرضت لها بسبب رفضها زيادة الإنتاج بسبب الحرب الأوكرانية، ففي تصريحات لوزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، ضمن زيارة رئيس الوزراء الياباني للمملكة، قال إن هناك توافقاً في وجهات النظر حيال قضايا الطاقة واتفاقهما على أهمية دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية والحاجة لضمان أمن الإمدادات لجميع مصادر الطاقة في الأسواق العالمية.

2- تطوير التعاون الخليجي الياباني في ملف الطاقة: يمثل ملف الطاقة أهم محددات العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان، فهي تمثل إمداداً رئيسياً وآمناً لطوكيو من النفط والغاز الطبيعي، خاصة وأنها دولة صناعية متقدمة تعتمد على واردات الطاقة لدعم صناعتها، كذلك تحتل المركز الثالث عالمياً في تكرير النفط ولهذا تستورد كميات ضخمة من النفط الخليجي سواء للاستخدام المحلي أو التكرير وإعادة التصدير، وبجانب ذلك تعمل على تطوير استخدامات الطاقة خاصة النظيفة، إلا أنها ما زالت في حاجة للوقود الأحفوري.

وفي المقابل، تُعتبر اليابان سوقاً مضمونة بالنسبة لدول الخليج، فحجم التبادل التجاري بين السعودية واليابان في عام 2022 بلغ 47,489 مليار دولار، مسجلاً فائضاً لصالح المملكة بقيمة 34,052 مليار دولار، حيث صدرت المملكة لليابان بقيمة 40,771 مليار دولار، منها 39,779 مليار دولار صادرات نفطية. وفي المقابل استوردت سلعاً بقيمة 6,719 مليار دولار، وهو ما يوضح أن معظم صادرات المملكة لليابان تتركز في قطاع الطاقة، ولهذا تعد اليابان سوقاً مضمونة لمنتجاتها النفطية في ظل المنافسة القوية.

وبجانب الوقود الأحفوري، تسعى دول الخليج للاستفادة من التقنيات اليابانية في تطوير قطاع الطاقة النظيفة، وقد عبر عن هذا رئيس الوزراء الياباني خلال جولته، مؤكداً العمل مع دول الخليج على تعزيز التعاون على صعيد الأمونيا والهيدروجين لتحقيق الرؤية بشأن الطاقة النظيفة، وقد أكدت له السعودية والإمارات العمل معاً لجعل الشرق الأوسط مركزاً للطاقة النظيفة والمعادن النادرة.

كما أعلنت السعودية واليابان تأسيس مبادرة “منار” للتعاون في مجال الطاقة النظيفة، ضمن مساعي تطوير استراتيجياتها وخططها لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى الحياد الصفري، وستعمل المبادرة على تطوير عدد من المشروعات التي ستقود التوجه نحو التحول إلى الطاقة النظيفة.

3- الاستفادة من التكنولوجيا اليابانية وتطوير الاقتصاد غير النفطي: تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على تطوير قدراتها التكنولوجية، وإدخال التقنيات الجديدة سواء في التصنيع أو الإدارة وتطوير الاقتصاد غير النفطي، وتُعد اليابان فاعلاً مهماً في هذا المجال، ويمكن الاستفادة منها خاصة في ظل رغبتها في تعزيز التعاون مع دول المنطقة لضمان إمدادات الطاقة.

ويوم 16 يوليو 2023 أعلن مجلس التعاون الخليجي واليابان استئنافهما مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، على هامش لقاء رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، وأمين عام مجلس التعاون جاسم محمد البديوي، كما وقعا بياناً مشتركاً لاستئناف المفاوضات بينهما والتي بدأت منذ عام 2006، فقد احتلت اليابان المركز الرابع بالنسبة لصادرات الدول الخليجية بقيمة 76.7 مليار دولار، واحتلت المرتبة الرابعة بالنسبة لواردات الدول الخليجية بقيمة 22 مليار دولار.

وخلال زيارته للسعودية أكد رئيس وزراء اليابان، فوميو كيشيدا، أن بلاده ستتعاون مع السعودية في مجال أشباه الموصلات، فيما قال وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح إنهم اتفقوا مع اليابان على إضافة عناصر جديدة لرؤية السعودية واليابان 2030 تتمحور حول تحول الطاقة وأشباه الموصّلات، داعياً قطاع الأعمال للاستثمار في هذه الشراكات التي تعتمد على تقنيات ابتكارية جديدة.

كذلك تحظى اليابان بحجم تبادل تجاري قوي مع الإمارات، فبحسب وزير الدولة للتجارة الخارجية الإماراتي ثاني الزيودي، قال إن التجارة غير النفطية بين البلدين سجلت 14.7 مليار دولار عام 2022، فيما بلغت الواردات الإماراتية من اليابان 12 مليار دولار في عام 2022، بينما بلغت الصادرات الإماراتية غير النفطية إلى اليابان 1.78 مليار دولار خلال العام نفسه، حيث تعد اليابان من بين أهم 10 شركاء تجاريين للإمارات حول العالم، وتركز الإمارات بشكل خاص على تطوير القطاع غير النفطي مع اليابان، فمثلا وقعا خلال زيارة كيشيدا مذكرة بشأن الأنشطة الفضائية للأغراض السلمية وإعلان نوايا مشتركة بشأن إنشاء برنامج مسرعات لأمن الطاقة والصناعة.

آليات التعاون

توجد عدة آليات لجأت إليها دول مجلس التعاون الخليجي لتعزيز التعاون مع اليابان لتحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية تتمثل في التالي:

1- التنسيق والتشاور السياسي ورفع مستويات الشراكة: اتجهت دول الخليج لتعزيز مستويات التفاهم والتنسيق مع اليابان من خلال الزيارات رفيعة المستوى على مستوى القادة بين الجانبين، واستغلال التطورات الدولية الحالية لحصد المزيد من المكاسب، ​فخلال لقاء الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي مع رئيس الوزراء الياباني في جدة ضمن جولته الخليجية اتفقا على عقد اجتماع وزاري مشترك خليجي ياباني بين وزراء خارجية الجانبين خلال الفترة القادمة، بهدف تعزيز الحوار الإستراتيجي وتكثيف أوجه التعاون المتعددة.

كذلك، وقع رئيس الوزراء الياباني خلال زيارته لأبو ظبي ولقائه رئيس الدولة سمو الشيخ محمد بن زايد 23 مذكرة واتفاقية شملت مذكرات تفاهم واتفاقيات تهدف إلى تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وتنويع مجالاتها، كما تضمنت قطاعات الاستدامة والطاقة المتجددة والصحة وعلوم الفضاء والتكنولوجيا والبيئة، إلى جانب النقل والبنية التحتية والصناعة وغيرها من المجالات الحيوية. وأيضاً خلال لقاء أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، مع رئيس وزراء اليابان فوميو كيشيدا، اتفقا على الارتقاء بمستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية مع توسيع قطاعات التعاون.

وقد حرصت السعودية بشكل خاص على تعميق هذا التنسيق خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الياباني. وخلال لقائه ولي العهد محمد بن سلمان اتفقا على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين. وفي 24 مايو 2023، اتفقت الكويت واليابان على إقامة شراكة استراتيجية شاملة في كافة المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والصحية والثقافية والعلمية والفنية والأكاديمية والطاقة المتجددة والنفط والبتروكيماويات، خلال أعمال الجولة الثالثة من المشاورات السياسية بين البلدين في طوكيو.

3- بلورة آليات جديدة للتعاون الاقتصادي: يعتبر الجانب الاقتصادي أساس العلاقات الخليجية اليابانية ضمن معادلة الطاقة مقابل الواردات الصناعية والتكنولوجية، لكن تعمل دول مجلس التعاون الخليجي الآن على تطوير آليات هذا التعاون وتحسين هذه المعادلة لصالحها من خلال الاستفادة من الخبرات والتكنولوجيا اليابانية في دعم عمليات توطين الصناعات وتطوير القطاع غير النفطي بجانب التعاون في المجال التكنولوجي، والتحول من سياسة الاستيراد إلى سياسة نقل الخبرات والتصنيع المشترك، بجانب استمرار صادرات الطاقة لليابان مع تطوير آليات مشتركة بشأن الطاقة النظيفة والمستدامة، ومع هذا ركزت جولة رئيس الوزراء الياباني على مشروعات الطاقة النظيفة باعتبارها مجالاً واعداً جديداً للتعاون بين الجانبين، خاصة وأن طوكيو تعتمد بشكل أساسي على الخليج في واردات الطاقة.

وبالفعل أعلن وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، إطلاق حقبة جديدة في الشراكة مع اليابان، في مجالات عدة، حيث وقع البلدان على هامش زيارة كيشيدا 26 اتفاقية في مجالات متنوعة، منها: الصحة، والتقنية المالية، والتمويل، والصادرات، والخدمات اللوجيستية، والسياحة والترفيه، وتقنية المعلومات.

3- دعم التعاون العسكري والدفاعي: رغم أن اليابان ليست قوة عسكرية فاعلة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، نتيجة لعوامل تاريخية وسياسية بعد الحرب العالمية الثانية؛ إلا أنها تمتلك بنية صناعية قوية لتطوير وإنتاج الأسلحة وهو ما قد تستفيد منه دول الخليج في توطين الصناعات الحربية، وقد أكد هذا الأمر رئيس الوزراء الياباني خلال جولته الخليجية، مشيراً إلى أنه اتفق مع زعماء قطر والسعودية والإمارات على تكثيف التعاون في قطاعي الطاقة والدفاع، فقد كانت العلاقات في السابق تركز على الطاقة فقط بجانب التعاون الاقتصادي، لكن اليابان تسعى الآن لخلق مستويات جديدة من العلاقات، وخاصة الجانب الدفاعي والأمني، ويمكن لدول الخليج الاستفادة من هذا الأمر ولا سيما من التقنيات اليابانية المتقدمة.

وفي 18 يونيو 2023، استقبل رئيس هيئة الأركان العامة السعودي فياض الرويلي، المدير العام للشؤون الدولية في وزارة الدفاع اليابانية جون ميورا، وبحثا آفاق التعاون والتنسيق المشترك بين البلدين في المجال العسكري والدفاعي، وسبل دعمهما وتعزيزهما، حيث تعمل طوكيو على تعزيز صادراتها العسكرية للخارج وخاصة بعد تعزيز سياستها الدفاعية.

وسبق ووقّعت وزارة الدفاع الإماراتية، في 26 مايو 2023، اتفاقية تعاون مع اليابان بهدف تنفيذ مشاريع بحث وتطوير وإنتاج مشتركة، إلى جانب تعزيز التعاون المشترك، وتطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، ولا سيما في المجال الدفاعي والعسكري. وفي يناير 2023، عُقدت في طوكيو جلسة الحوار الاستراتيجي الثاني بين حكومتي قطر واليابان، وتم الاتفاق على تعزيز التعاون في المجال الدفاعي، وتبادل الخبرات في المجال التكنولوجي وكذلك الأمن السيبراني.

تحديات مقابلة

ختاماً، يمكن القول إن دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة الإمارات والسعودية وقطر، نجحت في نسج شبكة قوية من العلاقات مع اليابان وتطويرها واستغلال التطورات الإقليمية والدولية لتحقيق هذا الهدف باعتبارها دولة إقليمية وقوة اقتصادية وتكنولوجية فاعلة، لكن مستقبل هذه العلاقات يواجه عدة تحديات تتمثل في التالي:

1- تداعيات التنافس الصيني الأمريكي: قد تتعرض دول مجلس التعاون الخليجي لضغوط في علاقاتها مع اليابان خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن العلاقات والتفاهمات لم تعد قائمة فقط على التعاون الاقتصادي والتجاري ولكن برزت التهديدات الأمنية والخلافات السياسية في ظل موقف اليابان من الصين ودعمها للتحالف الغربي الأمريكي ضد الصين، ولهذا قد يؤثر هذا التوتر على علاقات اليابان مستقبلاً مع دول مجلس التعاون الخليجي والحد من تطوير العلاقات خاصة على المستوى السياسي والاستراتيجي والأمني والعسكري والاكتفاء بالجانب الاقتصادي وتحديداً صادرات النفط والغاز.

2- تباين وجهات النظر الخليجية في الملفات الخارجية: يوجد تباين في وجهات النظر الخليجية خاصة في ملفات السياسة الخارجية، وهذا الأمر يؤثر على اتباع سياسة خليجية موحدة أو متوافقة مع بعضها بعضاً نحو اليابان بما يُعزز المكاسب التي يمكن الحصول عليها بشكل جماعي أكثر من التعاون على المستوى الثنائي، فمثلاً رغم توقيع مجلس التعاون مع اليابان اتفاقاً منذ عام 2006 لإقامة منطقة تجارة حرة مشتركة، إلا أنها لم تنفذ حتى اليوم وما زالت المباحثات مستمرة بشأنها، فقد التقى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي مع رئيس وزراء اليابان خلال جولته الخليجية واتفقا على استئناف المباحثات بشأن هذا الملف.

3- استمرار اعتماد العلاقات التجارية على ملف الطاقة: يشكل النفط والغاز معظم صادرات الخليج لليابان، بينما يتم استيراد المنتجات التكنولوجية والصناعية منها، وقد يؤثر هذا الأمر على تطوير حجم الشراكة وتعظيم الاستفادة الخليجية من اليابان، وتنويع سلة الصادرات وعدم الاعتماد فقط على الطاقة، خاصة مع توجه اليابان نحو تنمية مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة بما يحد من استخدامها للوقود الأحفوري، وهو ما قد يؤثر على مستقبل العلاقات الخليجية – اليابانية، فقد أوضح رئيس الوزراء الياباني خلال وجوده في الدوحة أن بلاده ستعمل مع دول الخليج على تحويل الطلب على النفط إلى مصادر طاقة بديلة واستخدام الطاقات المتجددة.