جلسة استماع:
ماذا تريد الدول العربية من إدارة بايدن؟

جلسة استماع:

ماذا تريد الدول العربية من إدارة بايدن؟



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 20 يوليو 2022، جلسة استماع بعنوان “ماذا تريد الدول العربية من إدارة بايدن؟”، واستضاف المركز الدكتور مصطفى الفقي، المفكر العربي (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ حسين معلوم، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ هيثم عمران، والأستاذة ميرفت زكريا.

تحولات اضطرارية

يرى “الفقي” أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، تُعد تحولاً اضطرارياً بعد أن كان يميل إلى العزلة عن الشرق الأوسط، وكانت بوادر ذلك في عهد سلفه دونالد ترامب، وهي ليست رؤية جديدة، فقد سيطر على عقل صانع القرار الأمريكي حتى قرب انتهاء الحرب العالمية الأولى فكرة العزلة، حتى بلورة فكرة تشكيل عصبة الأمم، وكانت البداية أن وجدت الولايات المتحدة نفسها منخرطة في المجتمع الدولي، وهو ما ظهر بشكل واضح خلال الحرب العالمية الثانية، إذ لم يتمكن الأمريكان من الاستمرار في سياسة العزلة.

وتطرق إلى أن الولايات المتحدة كانت لديها شهية تجاه الشرق الأوسط في ظل إدارة أيزنهاور، وبدأ في اكتشاف رحيل القوى الاستعمارية وتحديداً البريطانية والفرنسية من المنطقة، وظهور نزعات تحريرية لتصفية الاستعمار والدعوة للتحرر الوطني، من أهم مراكزها القاهرة في ظل حكم الرئيس جمال عبد الناصر، وحينها شعر أيزنهاور بضرورة ملء الفراغ، والموقف الأمريكي الحالي تجاه الشرق الأوسط أقرب إلى فكرة أن أمريكا يصعب أن تنعزل عن المنطقة، لأن الزعامة لها تكاليفها، ولذلك تتهرب الصين من لعب هذا الدور.

ويؤكد “الفقي” أن تحولات بايدن باتجاه الشرق الأوسط خلال الفترة الحالية، مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، ولو لم تقم هذه الحرب لكانت قضايا الشرق الأوسط ستكون محل تجاهل وبطء شديدين في التعاطي معها، خاصة أن الرئيس الأمريكي أطلق تصريحات غير ودية تجاه عدد من دول المنطقة، ولكن شعوره بالأزمة الضاغطة بسبب الطاقة بعد توقيع العقوبات على روسيا جعله يبادر لاستعادة -بشكل أو بآخر- الوجود الأمريكي سياسياً في الشرق الأوسط.

ويشير إلى تفكير الولايات المتحدة الدائم من منطلق المصالح، فما كان أحد يتصور قبل عدة شهور من الحرب الروسية الأوكرانية أن تحدث مثل هذه الزيارة، في ظل تراجع الاهتمام بالشرق الأوسط، وبدا أن ثمة رغبة أمريكية في نوع من الانسحاب من كثير من الأمور في الشرق الأوسط، ولكن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان مهيناً، خصوصاً بالنسبة للإدارة الحالية.

ويرى “الفقي” أنه في ظل سياسات بايدن تجاه الشرق الأوسط، بدأ يشعر كثير من العرب بخطورة السياسة الأمريكية، وتداعيات ذلك على المنطقة العربية، في ظل عدم دراسة الولايات المتحدة لطبيعة المنطقة وخصوصيتها.

سمات رئيسية

تطرق “الفقي” إلى السمات الرئيسية المميزة لزيارة بايدن إلى السعودية، ولقاء القادة العرب لدول مصر والإمارات والبحرين والكويت وسلطنة عُمان والأردن والعراق، وأبرزها كالتالي:

1- زيارة فاترة لارتباطها بالمصالح الأمريكية: كان ثمة إحساس قبل زيارة بايدن للسعودية بأنها ستكون فاترة، لأنها زيارة مرتبطة بأزمة الطاقة والرغبة في ضخ مزيد من البترول، وتحديداً من قبل السعودية، نظراً لقدراتها على ضخ المزيد من النفط، وتوهم البعض أن العلاقات ستعود إلى ما كانت عليه، وكلا الطرفين يرغب في ذلك، ولكن ربما كانت هناك مشكلة في السعودية بضغوط على المملكة في مسألة جمال خاشقجي، لكن في الوضع الحالي فإن بايدن لا يستطيع الضغط على السعودية.

2- بروز الندية في العلاقات مع أمريكا: لأول مرةيعقد العرب لقاء فيه قدر كبير من الندية مع الولايات المتحدة، فلدينا عقدة تاريخية أرجو حلها من التعلم من إيران التي تقتحم الصعاب من أجل أهدافها، وتلعب على حبل العلاقات الدولية على نحو لا نفعله نحن في العالم العربي، وكانت سياستنا العربية قائمة على التردد في اتخاذ المواقف.

وهذا الشكل من الندية يمكن أن يؤطر لشكل العلاقات القادمة، ومن تابع جلسات القمة لا بد من الخروج بانطباع بأن هذه أول مرة فيها حالة إفاقة سياسية، تعكس الرغبة في التعاون العربي رغم كل الظروف، فالكل يسعى لتكون علاقات صحية ومقبولة وقابلة للتطور.

3- اتجاه أكثر اعتدالاً حيال إيران: لا يوجد موقف عربي موحد تجاه التعامل مع الملف الإيراني،ولكن بدا أن ثمة موقفاً أكثر اعتدالاً تجاه إيران بعد زيارة بايدن. فعلى سبيل المثال، أعلنت الإمارات أنها لن تكون جزءاً من أي تحالف، والسعودية تعتبر إيران دولة جارة وتدعوها للعيش في سلام، ومصر لا يعني مشاركتها في أي تجمع أنها ضد إيران.

وبدا أن الترتيبات التي كانت معدة حيال الزيارة لم تحدث، وكان الموقف العربي مختلفاً عما كان متصوراً قبل الزيارة من قبل أمريكا، ويتضح من خلال الأخبار التي انتشرت قبل الزيارة أن هناك رغبة في إقامة قدر من التحالف أو الجبهة في مواجهة إيران، وليس تحالفاً بالمعنى المعروف، ولكن هذا الأمر لم يكن في جعبة العرب، هذا بالإضافة إلى السبب الرئيسي وهو زيادة ضخ البترول، وأظهرت القمة إيجابية العرب في اتخاذ مواقف وفقاً لرؤيتهم.

توافق عربي

ويوضح “الفقي” عدداً من النقاط التي يمكن أن تمثل الرؤية العربية حيال الموقف من حدود الدور الأمريكي وشكل العلاقات المشتركة خلال الفترة المقبلة، وتحديداً عقب قمة جدة للأمن والتنمية، وأبرزها:

1- عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية: نرغب في كف الولايات المتحدة عن الأذى، ووقف الممارسات التي تتدخل بها في الشؤون العربية الداخلية، وهذا الموقف يبقى مرهوناً بوجود حد أدنى من الاتفاق بين الدول العربية، وهذا يمكن أن يحدث بناء على معطيات قمة جدة، وبدا أن التوافق أو التضامن العربي في بعض القضايا مؤثر، وبالتالي التعامل مع مختلف القوى بالندية المطلوبة، بما يمكن من اتخاذ مواقف حدية في العلاقات مع الغرب بشكل عام خلال الفترة المقبلة.

2- تبني موقف عادل من القضية الفلسطينية: نريد موقفاً عادلاً من الصراع العربي الإسرائيلي، فوفقاً لما تردد قبل الزيارة، يمكن القول إن بايدن كان يسعى من الزيارة الأخيرة للحصول على أكبر قدر ممكن من التطبيع بين إسرائيل ودول أخرى، وتشكيل جبهة، خاصة أن هناك مؤتمراً موازياً في إيران لرؤية روسيا وتركيا وإيران.

3- دعم جهود مكافحة الإرهاب: بايدن يدرك أن الإرهاب صناعة غربية، ولهم دور تاريخي فيه، وبالتالي عليهم أن يحاربوا الإرهاب، ولكن هذا لا يحدث، وكثير من المبادئ التي ذكرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في كلمته بقمة جدة هي بديهيات في العمل العربي المشترك.

رؤية مستقبلية

وأخيراً، يتجه “الفقي” إلى أنه جرى تضخيم الزيارة، ولكن الدول العربية لم تعطِ بايدن ما أراده، بل على العكس كانت قمة جدة للأمن والتنمية إيجابية في صالح الموقف العربي، وإذا حصل بايدن على أي مكاسب فإنها لم تحدث إلا بموافقة العرب، وهذا ينقلنا إلى ضرورة العمل العربي المشترك، بحيث نتفق على نقاط الاتفاق ونترك الأبعاد الخلافية جانباً.

ويرى أن إدارة بايدن مؤقتة، ويمكن أن نعتبره رئيس طارئ، وجاء في ظل ظروف معقدة لينهي تلك الفترة، ولكن ليس هناك مستقبل سياسي لبايدن، ولذا فإن العلاقات العربية الأمريكية أمر يستحق الاهتمام والدراسة لوضع تصورات مستقبلية لها.