ماذا تريد إسرائيل من الدول العربية؟ – الحائط العربي
ماذا تريد إسرائيل من الدول العربية؟

ماذا تريد إسرائيل من الدول العربية؟



أحاول بين الحين والآخر أن أوجه سؤالاً إلى نفسى يبدو للكثيرين أنه سؤال ساذج نظرا لأن إجاباته تكاد تكون بديهية وهو ماذا تريد إسرائيل من العرب؟ وفى رأيى أن هذا السؤال تتزايد أهميته بمرور الوقت نظرا لأن إسرائيل لديها حاليا علاقات رسمية مع العديد من الدول العربية شرقا وغربا، بالإضافة إلى علاقات أخرى لم ترق إلى مرتبة العلاقات الدبلوماسية، وهنا يثار سؤال آخر مفاده هل ستكتفى إسرائيل بالعلاقات الرسمية، أم أن طموحاتها تتعدى ذلك ؟

والواقع يؤكد أن إسرائيل بدأت بالفعل مرحلة الاندماج التدريجى فى منطقة الشرق الأوسط، بل نجحت فى أن تصل إلى حالة من التوافق مع بعض الدول العربية لمواجهة المهددات الإقليمية المتمثلة طبقا لرؤيتها فى الخطر الإيرانى.

وحتى أكون منصفا لابد أن أؤكد أنه من حق كل دولة عربية أن تقيم علاقات مع إسرائيل من منطلق أن كل دولة ذات سيادة لديها رؤيتها لكيفية تحقيق مصالحها وهذا حقها تماماً مادامت هذه العلاقات لا تجور على مصالح الدول الأخرى، إلا أننى أرى أهمية أن تتم هذه العلاقات فى إطار دراسة متعمقة ومتأنية تأخذ فى اعتبارها كافة المعطيات والمتغيرات السابقة والحالية والمستقبلية.

وفى رأيى أن العلاقات العربية – الإسرائيلية سوف تظل قاصرة ومعرضة للمشكلات مادامت القضية العربية المحورية وهى القضية الفلسطينية لم تجد طريقها إلى الحل، وهو الأمر الذى يفرض على الدول العربية أن تكون هذه القضية جزءا لا يتجزأ من المنظومة الكاملة للعلاقات مع إسرائيل.

وفى هذا المجال لابد أن أشير إلى النموذج الأمثل فى العلاقات العربية ـ الإسرائيلية ارتباطا بالقضية الفلسطينية وهو نموذج العلاقات المصرية الإسرائيلية، حيث إن مصر وهى أول دولة أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل منذ ثلاثة وأربعين عاما حرصت على أن تكون لهذه القضية أولوية حيث وقع الرئيس السادات وجيمى كارتر ومناحيم بيجين فى سبتمبر 1978 على مايسمى بإطار السلام الشامل فى الشرق الأوسط الذى حدد أسس السلام الشامل والعادل طبقاً لمقررات الشرعية الدولية أى أن هذا الاتفاق تم التوصل إليه أولاً وقبل توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل بستة أشهر.

وإذا انتقلنا إلى الوضع الراهن فسوف نجد أن إسرائيل نجحت خلال السنوات الأخيرة فى توقيع اتفاقات سلام مع كل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، بل إن بعض هذه العلاقات وصل إلى مرحلة متقدمة فى المجالات الاقتصادية والأمنية .

ومن الواضح أن هذا التطبيع قد وجد دعما غير مسبوق من الولايات المتحدة التى حاولت منذ طرح صفقة القرن فى يناير ٢٠١٨ أن تعلن صراحة أن هدفها يتمثل فى أن تصبح إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الإقليمية فى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية .

وإذا كانت صفقة القرن قد سقطت مع نهاية إدارة ترامب إلا أن مسألة دمج إسرائيل فى المنطقة لاتزال أحد الأهداف التى تسعى إدارة بايدن إلى تحقيقها، وسوف يكون هذا الموضوع بندا رئيسيا على أجندة الرئيس الأمريكى خلال زيارته للمنطقة والتى سوف يبدؤها بزيارة إسرائيل يوم 13 يوليو الحالى، حيث سيحاول تمهيد المجال أمام تطبيع العلاقات الإسرائيلية مع السعودية التى ستكون المحطة الثالثة فى زيارته بعد إسرائيل والضفة الغربية .

وبالرغم من الأزمة الداخلية غير المسبوقة فى إسرائيل وتحديد الأول من نوفمبر 2022 ليكون موعد الانتخابات البرلمانية الخامسة فى ثلاث سنوات إلا أن الواقع يشير إلى أن القيادة الإسرائيلية على مختلف توجهاتها قد اتفقت على هدف رئيسى واحد يرتبط بالمصالح العليا للدولة، وهو مزيد من التطبيع العربى بغض النظر عن توجهات الائتلاف الحاكم، والدليل على ذلك أنه خلال فترة نيتانياهو تم توقيع أهم اتفاقات التطبيع، ثم حرص بينيت بعد توليه الحكم على دعمها وتطويرها .

وفى رأيى أن إسرائيل سوف تحاول خلال المرحلة المقبلة إنجاز أربعة أهداف رئيسية :-

الهدف الأول: تحقيق مزيد من التطبيع النوعى مع الدول العربية مع التركيز على السعودية التى تعتبر بالنسبة لها أهم دولة عربية متبقية فى هذا الشأن.

الهدف الثانى: استثمار الدعم الأمريكى نحو مزيد من إدماج إسرائيل فى المنطقة خاصة فى المنظومة الأمنية أو العسكرية لمواجهة المخاطر التى يمكن أن تواجهها المنطقة وتحديدا ضد إيران.

الهدف الثالث: سعى رئيس الوزراء الجديد يائير لابيد لدعم العلاقات مع الدول العربية وبما يمكن أن يصب فى مصلحته خلال الانتخابات المقبلة فى مواجهة نيتانياهو .

الهدف الرابع: الفصل التام بين القضية الفلسطينية وبين تطور العلاقات مع الدول العربية، مع العمل على تفويت الفرصة على بايدن الذى سوف يؤكد خلال زيارته للمنطقة مبدأ حل الدولتين. وفى ضوء ما سبق أرى أن التحركات العربية الأخيرة واللقاءات التى عقدتها القيادة السياسية المصرية مع قيادات كل من (الأردن – السعودية – الإمارات – البحرين – سلطنة عمان – قطر) تعد خطوة إيجابية للغاية لبلورة رؤية موحدة لكل المخاطر التى تهدد المنطقة، وكيفية مواجهتها عربيا بالأساس ودون تدخل خارجى، إلا أن كل ما أرجوه ألا تغيب القضية الفلسطينية عن التحركات العربية خاصة بالنسبة للدول التى تقيم علاقات مع إسرائيل، وأن يتم اتخاذ خطوات عملية لتحريك القضية أهمها استئناف المفاوضات، وضرورة التصدى للمحاولات الإسرائيلية الحثيثة لإنهاء القضية، وفى النهاية فإن على إسرائيل أن تدرك تماماً أن أمنها وإدماجها فى المنطقة بالشكل الذى تريده لن يتحقق إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

نقلا عن الأهرام