أزمة التنظيم:
ماذا بعد أربع سنوات من الانتصار على “داعش” في العراق؟

أزمة التنظيم:

ماذا بعد أربع سنوات من الانتصار على “داعش” في العراق؟



مع حلول الذكرى الرابعة لإعلان العراق الانتصار على تنظيم “داعش” الإرهابي وتحرير الموصل والعديد من المدن العراقية، في 10 ديسمبر 2017، بدأ الأخير في محاولة تعزيز نشاطه من جديد عبر الاستناد إلى تكتيكات مختلفة على الساحة الداخلية العراقية، بهدف العودة إلى ما قبل ديسمبر 2017، عندما كان يسيطر على ما يقرب من ثلث مساحة المدن العراقية من الموصول إلى كركوك ونينوى بالإضافة إلى أغلب الشريط الحدودي بين العراق وسوريا، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول الوضع الحالي للتنظيم في العراق، وأبعاد استراتيجيته القتالية في الأخيرة، ولاسيما مع إعلان العراق، في 9 ديسمبر الجاري، انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي ضد “داعش”، كدلالة على تراجع خطورة التنظيم، ونجاح مؤسسات وأجهزة الدولة في الحد من سيطرته ونفوذه.

مؤشرات مختلفة

شهدت السنوات الأربع التالية لهزيمة تنظيم “داعش” في الموصل وتحرير أغلب المدن العراقية من سيطرته في ديسمبر 2017، العديد من التحولات التي أثرت على وضع التنظيم سواء من حيث قدراته التنظيمية وانتشاره الجغرافي في الداخل العراقي، أو من حيث تكتيكات العمليات الإرهابية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- ضعف البنية التنظيمية لـ”داعش”: تمكنت قوات الجيش وأجهزة الأمن العراقية، بالتعاون مع التحالف الدولي ضد “داعش”، من إضعاف البنية التنظيمية للأخير عبر استهداف العديد من قياداته، سواء من الصف الأول أو الوسيط خلال السنوات الأربع الماضية، وكان أكثرها تأثيراً مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019 في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية بمحافظة إدلب السورية، بالإضافة إلى القبض على بعض قيادات “المقاطعات” في الداخل العراقي، وكان آخرهم الإرهابي سامي جاسم الجبوري، المسئول المالي بالتنظيم، ونائب زعيمه السابق أبو بكر البغدادي، الذي تمكنت قوات الأمن العراقية من اعتقاله، في 11 أكتوبر  الماضي، على نحو ساهم في إضعاف القدرات المركزية للتنظيم وقلص من المساحة التي كان يسيطر عليها مع بداية تأسيسه في منتصف عام 2014.

ورغم أن التنظيم حاول، بالتوازي مع حلول الذكرى الرابعة، تنفيذ عمليات إرهابية واسعة والسيطرة على قرية لهيبان بمحافظة كركوك، إلا أنه لم ينجح في النهاية في تحقيق هدفه، حيث تمكنت القوات العراقية وقوات البشمركة من استعادة السيطرة على القرية مجدداً.

2- العودة إلى العمليات الإرهابية البدائية: مع تصاعد حدة الضربات الأمنية التي وجهتها أطراف عديدة ضد تنظيم “داعش” في العراق، وتراجع أعداد العناصر التي استطاع التنظيم استقطابها خلال السنوات الأربع الماضية، بدأ “داعش” في العودة مجدداً إلى استخدام تكتيكات بدائية في العمليات الإرهابية التي ينفذها، معتمداً بشكل أساسي على عمليات القنص والعبوات الناسفة ونمط حرب العصابات، وذلك بهدف إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، بعيداً عن تكتيكات مفهوم “إدارة التوحش” التي تقضي بالسيطرة الفعلية على حيز جغرافي لإقامة المشروع الذي تبناه التنظيم داخله.

3- تراجع فكرة الدولة لصالح التنظيم: يعتبر تنظيم “داعش” من أوائل التنظيمات الإرهابية التي سعت إلى تطبيق فعلي لما يطلق عليه “دولة الخلافة” عبر السيطرة الفعلية على الأرض وإقامة ما يشبه مؤسسات الدولة، على غرار المؤسسات المالية والخدمية والأمنية، وهو ما تحقق خلال الفترة من عام 2015 وحتى عام 2019، إلى أن سقط آخر معاقل ما يسمى بـ”دولة الخلافة الداعشية” في الباغوز السورية في 23 مارس 2019، ومن ثم بدأ “داعش” في العودة مرة أخرى إلى مفهوم التنظيم الذي يعتمد على البناء التنظيمي، مع تراجع تكتيكات تأسيس “خلافة” عبر السيطرة الفعلية على الأرض.

فعلى الرغم من استمرار استخدام تنظيم “داعش” مصطلح “دولة الخلافة” في البيانات المعلنة التي يصدرها باستمرار، في محاولة لإظهار قوته، إلا أن الواقع يكشف أن الأمر لا يتعدى وجود بعض العناصر التابعة للتنظيم في بعض المناطق التي تقوم بتنفيذ عمليات إرهابية فيها بدون أدنى سيطرة على الأرض. ومع انحسار الدور والفاعلية، بات واضحاً أن مفهوم السيطرة والتمكين- كشرط لإقامة مشروع الخلافة- أصبح غير متوافر، وهو ما دفع في اتجاه إعادة صياغة استراتيجية التنظيم لتعتمد على “فكرة التنظيم” وليس “فكرة الدولة”.

4- الانسحاب التدريجي من المدن: مع نجاح القوات العراقية، بمساعدة التحالف الدولي، في تحرير المدن العراقية التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش”، اتجه الأخير إلى العودة إلى نطاقه السابق، وهو الصحراء، لتصبح نقطة ارتكاز رئيسية للتنظيم المركزي، وهو ما جاء تحت عنوان “العودة لأرض النشأة”، وهى الاستراتيجية التي تتطابق مع المعطيات الجديدة التي فرضها الوضع التنظيمي الحالي في العراق.  وتعتمد الاستراتيجية الجديدة على قاعدة “الظهور والتلاشي”، التي تقضي بتنفيذ عمليات إرهابية خاطفة في مناطق مختلفة ثم الارتداد سريعاً إلى الصحراء للاختباء بها.

5- تعزيز نشاط الأفرع المختلفة للتنظيم: يقترب تنظيم “داعش” من اعتماد نمط اللامركزية في إدارة حركة ونشاط أفرعه داخل بعض دول العالم، من حيث التشكيل والقيادة وتنفيذ العمليات الإرهابية، مع وضع مجموعة من الضوابط التي يأتي في مقدمتها “البيعة والالتزام بنهج التنظيم وأفكاره”، وتحديد خطوط جغرافية فاصلة بين التنظيمات الفرعية، على نحو يمكن أن يساهم في توسيع نطاق التنسيق بين تلك التنظيمات وعدم انخراطها في صراعات جانبية تقلص من قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية.

6- إعادة صياغة استراتيجية الاستهداف: فرضت الضربات الأمنية النوعية التي تعرض لها “داعش” في الفترة الماضية ضغوطاً قوية على قياداته وقلصت من قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة، على نحو دفعها إلى إجراء عملية دمج بين ما يسمى بـ”العدو الآني” و”العدو المُؤجَّل”، وهو ما يعتبر إعادة صياغة لاستراتيجية الاستهداف، من حيث اعتبار أن “العدو البعيد” يتساوى مع “العدو القريب”، خاصة بعد أن انخرطت العديد من القوى الدولية في الحرب التي شنت ضده لاستعادة المناطق التي سبق أن سيطر عليها داخل كل من العراق وسوريا.

تراجع ملحوظ

على ضوء ذلك، يمكن القول إن تنظيم “داعش” دخل، بعد أربع سنوات من إعلان هزيمته في الموصل وباقي المدن العراقية، في 10 ديسمبر 2017، في مرحلة من التراجع، التي فرضت تداعيات مباشرة على تماسكه التنظيمي، خاصة في ظل الصراع المتصاعد بين بعض التنظيمات الموالية له، وعلى مستوى العمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها ويسعى من خلالها إلى إثبات قدرته على الاستمرار واحتواء تأثيرات الضربات الأمنية التي منى بسببها بخسائر مادية وبشرية لا تبدو هينة.