ليبيا… بوادر للتوافق أم بداية الانقسام الضمني؟ – الحائط العربي
ليبيا… بوادر للتوافق أم بداية الانقسام الضمني؟

ليبيا… بوادر للتوافق أم بداية الانقسام الضمني؟



من أهم الساحات المضطربة في الجوار المصري ما نراه في ليبيا لاعتبارات عديدة، منها وجود حدود مشتركة طويلة وغير مأهولة بين البلدين، ولغياب نظام دولة ومؤسسات قوية، ولتعدد الأطراف الدولية والإقليمية والوطنية المتصارعة، مما يخلق مزيدا من التناقضات ويصعّب توفيق الأوضاع.

وبعد أن ظلت ليبيا تحت رئاسة معمر القذافي وحده ما يزيد على ثلاثة عقود، شهدت خلال العقد الماضي أكثر من حكومة ليبية تتصارع فيما بينها، بل وتعلن قيادتها للبلاد في نفس الوقت، وتفاعلت على أراضيها أطراف دولية وإقليمية، طمعا في النفوذ والخيرات والسلطة بالبلاد، وليس من المبالغة القول إن ليبيا تشهد حربا دبلوماسية باردة مصغرة بين روسيا والولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وبين تركيا وأطراف عربية من ناحية أخرى وخصوصا مصر، كما شهدنا تنافسا ايطاليا فرنسيا وإماراتيا قطريا في مراحل مختلفة، وانقسمت ليبيا بين الشرق والغرب وظل الجنوب ساحة مفتوحة للجميع.

ونتيجة لهذه التفاعلات فشلت الجهود الرامية إلى تنفيذ خطة تحرك ليبية بعد اجتماعات في ألمانيا ومصر، بهدف ترتيب انتخابات ليبية ورئاسية في ديسمبر (كانون الأول) 2021، ونتابع الآن صراعات بين الدبيبة وباشاغا حول شرعية الحكومة الليبية لبدء العملية الدستورية مرة أخرى، كل ذلك مع جهود متعددة لوضع مسارات توافقية ليبية لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة الليبية أو بالأصح لإنشائها، لأنها لم تكن قائمة أو فاعلة في الأساس.

حالة سياسية وأمنية ليبية فريدة، من مركزية شديدة إلى انفكاك كامل، ومن غياب كامل للعمل السياسي إلى تعدد التيارات، ومن سلطة أمنية واحدة ومرتبطة بالجهاز الرئاسي إلى تعدد السلطات الأمنية والميليشيات، ومن تعامل دولي وإقليمي مع ليبيا عن بعد إلى تعدد قوى متنافرة على الأرض، كرد فعل أو مستغلة التفكك الليبي.

لذا ليس من الغريب أن نجد التوترات والاضطرابات التي نشهدها، وإنما هل هناك بوادر للتغيير، للخروج من هذه المعادلة، واتخاذ خطوات نحو بدء مسار سياسي في ليبيا، يخلق مؤسسات فاعلة ويمهد لعقد الانتخابات الرئاسية والانتهاء من الترتيبات السياسية، حتى تستقر أوضاع الشعب الليبي الشقيق ونتجنب أن نجد الساحة الليبية بؤرة اضطراب وصراعات دولية وإقليمية ووطنية مستمرة.

في ضوء كل ذلك من الصعب التنويه بأن هناك أسبابا حقيقية للاطمئنان أن ليبيا شرعت في طريق الاستقرار، حتى مع ظهور بعض المؤشرات التي تعكس تدرج في تنامي الواقعية السياسية الليبية في بعض المجالات والقطاعات، والتي قد تكون مؤشرا لولادة عسيرة لعملية سياسية ليبية.

وفي هذا الصدد يلاحظ أن اللجنة العسكرية المتشكلة من خمس شخصيات من كل من الشرق والغرب تنعقد وتتشاور بانتظام لمواجهة بعض الظروف بإيجابية وكفاءة مشهود لها في ظل ظروف بالغة الصعوبة للجميع، وهذا في حد ذاته يشكل تطورا إيجابيا نحو بدء تقدير وبلورة رؤية أمنية تغلب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية لتجمعات بعينها، علما بأنه لا يزال هناك طريق طويل يجب إنجازه لتوحيد ومركزة المؤسسات الأمنية الوطنية، وهو ما يصعب تحقيقه، إلا أن بلورة مفهوم أمني ووطني واستقرار الأوضاع الأمنية مهم وضروري لتحقيق ذلك.

ومن الإيجابيات الأخرى ظهور بعض السياسيين الليبيين ممن يقدرون عدم جدوى استمرار التصادمات بين الشرق والغرب وضرورة اتخاذ خطوات توافقية، ومن ضمنهم وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، وهو من أهل مصراتة بالغرب ومع هذا انتقل لمقابلة اللواء حفتر في الشرق، فضلا أنه خاطب أهله في الغرب محذرا من مغبة استمرار التنازع الليبي – الليبي، ومطالبا بضرورة اتخاذ خطوات نحو التفاعل السياسي ووقف القتال، وقد نجح باشاغا في الحصول على الثقة من مجلس النواب الليبي للحكومة التي شكلها.

مؤشرات إيجابية، ومع هذا، الوضع لا يبشر بانفراجه حتى الآن، ولا يمكن استبعاد ثغرات أخرى أو ردة في المسار مع الاستمرار في المزج بين السياسة الانتهازية والبلطجة والمؤامرات الداخلية والإقليمية والدولية، ومنها الاختطاف المؤقت لبعض الوزراء، وتضارب واضح في المواقف بين السعي لتدشين مسيرة سياسية تشمل انتخابات رئاسية وبرلمانية مباشرة، وهو ما يسعى إليه باشاغا، وموقف الدبيبة المتمسك بعقد انتخابات برلمانية فقط، على أساس أن توكل للأغلبية البرلمانية انتخاب الرئيس.

والخطوة التالية للحصول على ثقة مجلس النواب كانت إعلان باشاغا عزم الحكومة التوجه إلى العاصمة طرابلس لتسلم السلطة بقوة القانون وليس بقانون القوة، مؤكدا أنه لا إقصاء لأحد، وداعيا إلى دمج الميليشيات العسكرية الليبية في المنظومة الليبية ودون أن تستخدم سلاحها لابتزاز الدولة، مؤكدا أن حكومته ستقود البلاد نحو الانتخابات، مبديا استعداده للتعاون مع الأمم المتحدة في ذلك.

ودعت مصر إلى الاجتماع الأول للجنة المشتركة لمجلسي النواب و”الأعلى للدولة” بغية كسر الجمود السياسي والاتفاق حول الانتخابات الليبية، وهو هدف منشود وإنما ليس سهل التحقيق في ضوء الموقف المتحفظ وغير المتحمس “للأعلى للدولة”، فضلا عن انتقاد عضو مجلس الدولة عادل كرموس للمبعوثة الأممية باعتبارها تجاهلت توافقات النواب والدولة وعرضت طرحا غير مقبول، وكان رئيس البرلمان عقيلة صالح قد وجه أخيرا بتشكيل لجنة لمراجعة مشروع الدستور المعد من الهيئة التأسيسية لإجراء التعديلات اللازمة على الدستور.

ارتفاع حدة التوتر بين روسيا والمجتمع الغربي حول أحداث أوكرانيا سيصعب من تعاونهما بالساحة الليبية، كما سيدفع الدول الأوروبية المتنافسة فيها إلى إعطاء تلك القضية أولوية متأخرة، وستتأخر كافة الجهود في هذا المناخ الدولي بما في ذلك جهود الأمم المتحدة، فروسيا عارضت أي محاولة من سكرتير عام الأمم المتحدة لتعيين مبعوث لليبيا أو حتى تثبيت وضع ستيفاني ويليامز الأميركية الجنسية والقائمة بأعمال هذه الوظيفة حاليا.

ولا ينتظر أن يسعي المجتمع الدولي نحو دفع المسار الليبي في المستقبل القريب، ولن يكون أمام الليبيين غير التفاهم بين بعضهم البعض، ووضع المصلحة الوطنية في المقام الأول، إذا أرادوا تجنب المزيد من التفكك والانقسام وسفك الدماء وإهدار الخيرات، قد ينتهي إلى تقسيم ليبيا ضمنيا غربا وشرقا وجنوبا، أو في مساحات وبقع متنوعة يسيطر ويتحكم فيها قيادات محلية وميليشياتها ترتبط بها أو بجهات خارجية، مما يصعد ويصعب من أي محاولة مستقبلية للم الشمل الليبية كدولة متكاملة.

نقلا عن اندبندنت عربية