لمّ الشّمل – الحائط العربي
لمّ الشّمل

لمّ الشّمل



مباشرة بعد لقاء القاهرة الذي ضم الفرقاء الفلسطيني والمصري والأردني، جاء لقاء أبوظبي الذي دعا إليه الشيخ محمد بن زايد وجمعه مع الرئيس المصري وأمير قطر وملك البحرين وسلطان عُمان (مع حفظ الألقاب). ما يحزن أن الكثير ممن تداول التعليق على ذلك اللقاء كان يغمز من طرف أين الكويت وأين السعودية؟ ويجمح به الخيال كي يؤلف قصصاً وتفاصليها في فضاء تعود على “نظرية المؤامرة” ويطرب لسماعها، وبعض تلك القصص تبدو كأن قائلها مصاحب لذلك الاجتماع المهم أو لصيق به!

واضح أن كثيراً من التعليقات كانت تنظر إلى محط أقدام أصحابها وربما شهواتهم، في الوقت الذي نظر المجتمعون إلى ما هو أخطر، وبخاصة في الملفين السياسي والاقتصادي، الإقليميين والدوليين.

الاجتماع جاء بسبب تقدير دقيق لعمق الأزمات المحيطة بالإقليم، وهي أزمات تعصف بالاستقرار في المنطقة ككل التي تواجه مجموعة متعاظمة من التحديات، وهي تحدث متزامنة. لقد بقي حتى الآن بعض أجزاء المنطقة بعيداً نسبياً من تلك الأزمات، إلا أن البقاء بعيداً لا يعني عدم التحسب للمستقبل القريب الذي ينذر بتصدعات كبرى في العالم، ومن هذا الشعور بالمسؤولية ومن أهمية تعظيم التعاون بين الأطراف، جاء ذلك الاجتماع الذي نحن كعرب في حاجة قصوى إليه في هذا الزمن الصعب.

ليس خافياً أن دول المنطقة تمر بأزمات أصبحت مقيمة، هناك حرب في سوريا وقلق في العراق وحرب أهلية في إيران ومثلها في لبنان وليبيا واليمن، وعدم استقرار في تونس والسودان، كما أن العولمة التي عرفها العالم حتى الآن تشرف على الانتهاء، ومن يتجاهل كل تلك الأزمات وتأثيرها في المنطقة فهو مستخف بالحوادث وقصير النظر. 

الخليج مستهدف، والقوى التي ترغب في هز استقراره كثيرة، وإنتاج النفط في الخليج سيظل لعقد على الأقل هو المطلوب من العالم، من جهة، ومن جهة أخرى، هو أكبر مساهم منفرد في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، وتحتاج الخطط البديلة لغير النفط الموضوعة اليوم أو المرافقة للمرحلة النفطية المتحولة إلى عقدين من الزمان حتى تؤتي بعض أكُلها المرجوّة. وهو، النفط، يشكل اليوم في المتوسط نحو نصف الإيرادات الحكومية لدول المنطقة، وهي الرافعة للتنمية في الداخل، كما أنه حجر الزاوية في التعاون مع الخارج، وأي تهديد لتدفق النفط (وهو احتمال يجب التحسب إليه وقائم في ضوء التهديدات المعلنة) سيقود المنطقة إلى أزمة الأزمات. 

حرب روسيا وأوكرانيا لها تداعيات كبرى على العالم وعلى المنطقة، لا أحد يعرف على وجه اليقين متى وكيف تنتهي تلك الحرب التي تتصاعد بين يوم وآخر، وتترك آثاراً مدمرة على العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي. أوروبا من جهة أخرى تستنزف اقتصادياً وتضعف سياسياً بسبب تلك الحرب، ما يشكل ضغوطاً ضخمة على الداخل في المدن الأوروبية المختلفة، ويشاهد العالم تلك الإضرابات والمسيرات التي تعم معظم العواصم الأوروبية، كما تترك الحرب الكثير من النتائج السلبية على التعامل الدولي في الطاقة بين مد وجزر، وهي السلعة التي تعتمد عليها دول الخليج في استمرار التنمية والتطور.

في الجوار غير العربي الذي يغشاه الكثير من الحراك السلبي، كما يحدث في إيران في الداخل وبين إيران والغرب، كانت المشكلة مع إيران أميركية والآن تطورت إلى تكون أوروبية أيضاً، إلى درجة التهديد باندلاع نزاع سيكون الخليج – كما صرح بعض قادة إيران – ساحة خلفية له. 

في تركيا ترقّب لانتخابات لا أحد يستطيع أن يتكهن بنتائجها، وفي الصراع الداخلي التركي تذهب بعض الأطراف إلى المزايدة، إلى درجة تشكل أيضاً تهديداً بالحرب، سواء في الساحة السورية أم في الجوار الأوروبي يعاد إليه بين فترة وأخرى.

مصر، أكبر الدول العربية وركيزة استقرار الإقليم، تواجه ضغوطاً اقتصادية كبيرة يجب عدم الاستهانة بها، وتغذي هذه الضغوط وتضخمها آلة إعلامية لقوى مصرية وغير مصرية معادية، تعمل في الخارج وتستند في الكثير من نشاطها إلى التمويل والدعم من دول مجاورة، ما يقلق الداخل المصري ويشعل الكثير من المشاعر السلبية ضد النظام القائم في أجواء مجتمعية ليست مصرية فقط، ولكن عربية، مغلفة بالكثير من نقص المناعة المعرفية والقابلة لتصديق الخرافة وحتى الكذب. 

الأردن بلد مفتاحي في المنطقة، وهو أيضاً يعاني ضغوطاً اقتصادية وسياسية نابعة من جوار معاد يتاجر من دون غضاضة بمشكلات الأردنيين، إضافة إلى كل ذلك التغيير الأخير في التركيبة السياسية في إسرائيل، والتي تتبع شعوبية مغرقة في العزلة وقصر النظر، ما يهدّد الأمن في المنطقة.

الملف الاقتصادي يؤثر في الجميع، بمن فيهم دول الخليج التي تواجه متطلبات تنموية داخلية، وأيضاً تضع عينها على أهمية مساندة الآخرين للتغلب على بعض من مشكلاتهم الاقتصادية طلباً للاستقرار، في ضوء ارتفاع أسعار عالمي وركود قد يطول.

أمام تلك التحديات غير المسبوقة، وفي فضاء من التقدم التقني الهائل، وبخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تترك زاوية من زوايا المجتمع إلا وكشفتها، وصراع أفيال دولي لا يعبأ بخسارة الآخرين ولا حتى بأرواحهم، تأتي أهمية الدعوة في أبو ظبي إلى الاجتماع لتنسيق السياسات والتضييق على الاختلاف، وهي دعوة تصب في إطار محاولة توقي الأخطار الشاخصة، والنأي بالمنطقة عن الانزلاق إلى الصراعات المحتدمة، سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. 

لذلك، فإن الأهمية التي يضعها العقلاء على التنسيق اللصيق بين القادرين من العرب ضرورية لمواجهة الأزمات، وقبلها تصفير الخلافات البينية التي هي مدخل طبيعي، إن استمرت، لتسلل القوى الأخرى وزرع الفرقة التي تقود، لا محالة، إلى عدم استقرار قد يؤدي إلى خسارة الأوطان.

نقلا عن النهار العربي