تأمين المصالح:
لماذا يُصعّد “التحالف الدولي” عملياته ضد “داعش” بسوريا؟

تأمين المصالح:

لماذا يُصعّد “التحالف الدولي” عملياته ضد “داعش” بسوريا؟



تأتي العمليات الأمنية للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، بمساعدة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، لملاحقة عناصر التنظيم في محافظتي دير الزور والحسكة، منذ أواخر شهر أغسطس الماضي؛ بهدف تأمين المناطق التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا، لتأمين نفوذها في تلك المناطق، خاصة في ظل التهديدات الناجمة عن المليشيات الشيعية الموالية لإيران في دير الزور، والتي تمثل تهديداً أيضاً للقوات الأمريكية، كما أنها عمليات بهدف تأكيد الالتزام الأمريكي بمكافحة الإرهاب، فضلاً عن إعادة تموضع أمريكي بسوريا، مع الحديث عن إنشاء قاعدة أمريكية ثالثة في مدينة القامشلي بمدينة الحسكة، في ضوء رغبة بتأمين المصالح الأمريكية.

فقد نفّذت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية عمليات أمنية، منذ أواخر شهر أغسطس الماضي، واستمرت حتى الأيام الأولى من شهر سبتمبر الجاري، لملاحقة قيادات وعناصر تنظيم “داعش” في مناطق شمال شرقي سوريا التي تخضع لسيطرة مليشيا قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

وعقب محاولة تنظيم “داعش” اقتحام سجن غويران أواخر يناير الماضي، فإن الخشية من قدرة التنظيم على تعزيز نفوذه على الساحة السورية تتصاعد، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى تنفيذ عدد من العمليات الأمنية لملاحقة قيادات “داعش”، كان أبرزهم زعيم التنظيم “أبو إبراهيم الهاشمي القرشي”، في عملية إنزال جوي في فبراير الماضي.

محددات رئيسية

يمكن تحديد بعض المحددات والسياقات الرئيسية بشأن العمليات الأمنية لـ”التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، على الساحة السورية، كالتالي:

1- تركيز العمليات في دير الزور والحسكة: بالنظر إلى تقارير إعلامية محلية، فإن النطاق الجغرافي لعمليات “التحالف الدولي” ضد “داعش” تركزت في محافظتي دير الزور والحسكة في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، إذ نفذت قوات “التحالف الدولي” عمليتين بنمط الإنزال الجوي في المحافظة؛ الأولى كانت في 1 سبتمبر الجاري في قرية الطكيحي بريف دير الزور، لاعتقال قيادة فيما يُعرف بجهاز “الحسبة”، ولكن تمكن من الفرار قبل مقتله بعد استهدافه بطائرة من دون طيار، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، والثانية في 3 سبتمبر الجاري، لاعتقال قيادات تابعة للتنظيم، بمنطقة الحاوي في بلدة الشحيل شرقي دير الزور.

ونفذت قوات “التحالف الدولي” بالتعاون مع قوات “قسد” حملة أمنية ميدانية بدعم من طائرات التحالف، في محافظة الحسكة، وتحديداً في محيط سجن الصناعة بحي غويران، الذي يضم قيادات وعناصر “داعش”، خلال يومي 30 و31 أغسطس الماضي، وأسفرت الحملة عن اعتقال ثلاثة من عناصر التنظيم، بحسب ما أفادت به تقارير إعلامية محلية.

2- توسّع الاعتماد على نمط الإنزال الجوي: ورغم تنويع قوات “التحالف الدولي” من النمط العملياتي لملاحقة قيادات وعناصر “داعش”، إلا أن اللافت في العمليات الأمنية الأخيرة، هو الاعتماد على نمط الإنزال الجوي في عمليتين يفصل بينهما أقل من 48 ساعة، لاعتقال كوادر مؤثرة تابعة للتنظيم، وإن كانت ليست قيادة بارزة، في حين أن هذا النمط أقل شيوعاً في عمليات مكافحة الإرهاب، ويقتصر على عمليات محدودة، بأهداف دقيقة، مثل استهداف زعيم تنظيم “داعش” السابق “أبو إبراهيم الهاشمي”، واستهداف قيادي بارز في التنظيم يدعى “هاني الكردي” في 17 يونيو الماضي شمالي غرب سوريا. ومع ذلك، فإن القوات الأمريكية المشاركة في “التحالف الدولي” استهدفت قيادياً بالتنظيم في سوريا يُدعى “ماهر العقال” في يوليو الماضي، باستخدام طائرة من دون طيار، كما أنها تستهدف بشكل مستمر قيادات “حراس الدين”، كان آخرهم “أبو حمزة اليمني” في يونيو الماضي؛ إلا أنها لم تُعلن عن استهداف قيادات التنظيم بعمليات إنزال جوي، وإنما تركز على الغارات الجوية بطائرات من دون طيار.

3- محاولات “قسد” فرض السيطرة على مخيم الهول: تأتي عمليات “التحالف الدولي” بمشاركة قوات “قسد” في سياق حملة أمنية موسّعة على أكثر من مستوى منذ أواخر شهر أغسطس الماضي، وتحديداً بدء حملة لقوات تابعة لـ”قسد” داخل مخيم الهول الذي يضم عناصر وأسر عناصر تنظيم “داعش”، بعد تصاعد حالة الانفلات الأمني، وتعدد حوادث القتل داخل المخيم خلال الأشهر القليلة الماضية. ويُقدر عدد حالات القتل منذ يناير 2021 وحتى يونيو 2022 بـ106 حالات، وفقاً لتقديرات أممية، وتمكنت القوات التابعة لـ”قسد” من ضبط بعض العناصر المتشددة داخل المخيم، وتفكيك بعض الخلايا، خاصة في ظل التخوفات من إمكانية هروب بعض العناصر وأسرهم من المخيم، بعد إحباط مخططات التنظيم لاقتحام المخيم بعد القبض على خلايا لـ”داعش”.

4- عمليات في نطاق انتشار مليشيات إيرانية: تأتي بعض العمليات الأمنية لـ”التحالف الدولي” في محافظة دير الزور،التيتتنازع السيطرة عليها بين “قسد” من ناحية، والنظام السوري مدعوم بمليشيات إيرانية من ناحية أخرى، وتكتسب تلك العمليات ضد “داعش” في تلك المحافظة أهمية، خاصة أنها شهدت قصفاً أمريكياً على مواقع وتمركزات مليشيات إيرانية تابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” في المحافظة (23 أغسطس 2022)، رداً على استهداف القاعدة الأمريكية في التنف منتصف الشهر الماضي.

5- تصاعد معدل عمليات تنظيم “داعش” بسوريا: يمكنتحديد بعض المؤشراتلطبيعة نشاط “داعش” على الساحة السورية بداية من شهر يناير الماضي وحتى 5 سبتمبر الجاري، بناء على رصد العمليات التي أعلن عنها التنظيم من خلال وكالة “أعماق” الموالية له، كما يوضح المخطط التالي:

المصدر: وكالة “أعماق” الموالية لـ”داعش”.

يُظهر المخطط تذبذباً في منحنى عمليات “داعش” في سوريا، فكان أعلى معدل للعمليات خلال شهر يناير الماضي بواقع 31 عملية، ولكن يمكن تفسير هذا المعدل بتعدد عمليات الهجوم والمواجهات بين عناصر “داعش” وقوات “قسد” في أعقاب محاولة اقتحام سجن غويران، قبل أن يبدأ منحنى العمليات في التراجع خلال شهري فبراير: 18 عملية، ومارس: 12 عملية، قبل أن يشهد المنحنى قفزة بما يزيد على الضعف خلال شهر أبريل بواقع 29 عملية، ولكن هذا يرتبط باستجابة فرع التنظيم لموجة العنف التي أطلقتها القيادة المركزية في إطار حملة “الثأر” لمقتل زعيمه والمتحدث باسم التنظيم.

وتراجع منحنى العمليات تدريجياً خلال شهري مايو: 13 عملية، ويونيو: 7 عمليات، وكان شهر يونيو أقل معدل عمليات للتنظيم منذ مطلع العام الجاري.

ويمكن ملاحظة اتجاه متصاعد للعمليات بداية من شهر يوليو بمعدل 22 عملية، وخلال شهر أغسطس الماضي بمعدل 26 عملية، وخلال أول 5 أيام فقط من شهر سبتمبر بلغ المعدل 7 عمليات، وهو نفس عدد العمليات للتنظيم خلال شهر يونيو كاملاً.

ومنذ النصف الثاني من العام الماضي، ثمة تحولات في نطاقات الاستهداف لتنظيم “داعش” بسوريا، بالاتجاه إلى مناطق سيطرة “قسد”، بعدما كان التركيز الرئيسي على العمليات في نطاق منطقة البادية السورية، ويمكن تفسير ذلك في إطار رغبة التنظيم في تنويع مصادر التمويل من خلال فرض “إتاوات” على الشركات والمقاولين العاملين في آبار ومحطات النفط الصغيرة، فضلاً عن الرغبة في تعزيز النفوذ بمناطق شمال شرق سوريا، لتسهيل عمليات التخطيط للهجوم على السجون والمخيمات التي تضم القيادات والعناصر، إضافة إلى أسر تلك العناصر.

أهداف متعددة

في ضوء السياقات العامة على الساحة السورية، والأبعاد الرئيسية للعمليات الأمنية الأخيرة ضد “داعش”، فإن ثمة دوافع لـ”التحالف الدولي” جراء تصعيد عملياته، وأبرزها:

1- تفكيك خلايا “داعش” اعتماداً على الإنزال الجوي: يتضح اعتماد قوات “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، على نمط الإنزال الجوي في عمليتين لملاحقة عناصر في “داعش” بدير الزور، وتوسيع الاعتماد على هذا النمط في مناطق شمال شرق سوريا، مقابل استخدام هذا النمط بشكل محدود في استهداف وملاحقة قيادات وعناصر “داعش” في نطاقات جغرافية أخرى خارج مناطق سيطرة “قسد”، التي يمكن أن تكون بيئات “معادية”، كما هو الحال في القبض على “هاني الكردي” بمدينة جرابلس، التي تخضع لسيطرة مليشيات مسلحة مناهضة للنظام السوري، أو استهداف زعيم التنظيم السابق “أبو إبراهيم الهاشمي” في إدلب.

وبشكل عام، يُمكن الإشارة إلى هدفين رئيسيين وراء توسع الاعتماد على هذا النمط العملياتي للقوات الأمريكية لاستهداف كوادر فاعلة وليست من قيادات الصف الأول، كما حدث في العمليتين الأخيرتين، كما تشير تقارير محلية، أولاً- الرغبة في تفكيك الخلايا: يُتيح القبض على تلك الكوادر وليس استهدافها بطائرات من دون طيار، انتزاع اعترافات عن آليات عمل خلايا التنظيم، ومصادر التمويل، ومعلومات تفصيلية عن عدد وتشكيل تلك الخلايا، بما يتيح تحديث المعلومات الاستخباراتية، ووضع استراتيجية لتفكيك تلك الخلايا.

أما الهدف الثاني: تجنب سقوط ضحايا من المدنيين، فاستخدام هذا النمط في العمليات يقلل من حجم الخسائر في صفوف المدنيين، مقارنة باستخدام الطائرات من دون طيار، وقصف المنازل التي تتحصن بها تلك العناصر، وهذا يتوافق مع مراجعة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسة استخدام الطائرات من دون طيار، وتقييد العمليات منعاً لسقوط مدنيين، مع تعرض الولايات المتحدة لانتقادات شديدة داخلية وخارجية، جراء الخسائر البشرية التي تنتج عن شن غارات جوية في عمليات مكافحة الإرهاب.

2- تحجيم نشاط “داعش” بشمال شرق سوريا: بالنظر إلى النطاق الجغرافي للعمليات الأمنية للقوات الأمريكية ضمن “التحالف الدولي” بمشاركة قوات من “قسد”، واستخدام نمط الإنزال الجوي؛ فإنها تهدف بشكل خاص إلى تحجيم نشاط تنظيم “داعش”، وتحديداً خلاياه في مناطق شمال شرق سوريا، في ضوء عددٍ من المؤشرات التي تشير إلى قدرة فرع التنظيم بسوريا على التكيف مع المتغيرات على الساحة، بعد فقدان آخر معاقله في منطقة الباغوز عام 2019.

وخلال عامي 2020 و20121، تمكن التنظيم من إعادة بناء قدراته وتوفير مصادر تمويلية، واتجاه النشاط العملياتي إلى مناطق شمال شرق سوريا، وأحدثت خلايا التنظيم اختراقاً أمنياً لتلك المناطق، في حين لا توجه القوات الأمريكية ضربات على تمركزات التنظيم في منطقة البادية، وبالتالي فإن الاتجاه الرئيسي هو تحجيم النشاط والاحتواء في شمال شرق سوريا بشكل خاص.

3- التخوف من عمليات مرتقبة لـ”داعش”: وبعيداً عن عمليات الإنزال الجوي في محافظة دير الزور،فإنالحملة الأمنية لـ”قسد” بالتنسيق مع “التحالف الدولي” بدعم جوي، سواء داخل مخيم الهول أو في حي غويران بمحافظة الحسكة، تشير إلى تخوفات من عمليات منسقة ومركبة لخلايا “داعش” بشأن محاولات جديدة لاقتحام السجون لتحرير قيادات وعناصر، أو مخيم الهول لتحرير أسر عناصر التنظيم. وبغض النظر عن توفر معلومات استخباراتية لدى “التحالف الدولي” أو “قسد” بمخططات حديثة لـ”داعش” لاقتحام السجون أم لا، فإن محاولة اقتحام سجن غويران، وعملياته في منطقة البادية السورية ضد قوات النظام السوري؛ تعكس تطوراً في القدرات العملياتية والتمويلية، وتنفيذ عمليات تتسم بالتعقيد مقارنة بعملياته خلال العامين الماضيين، وبالتالي ربما هناك تخوفات من انعكاسات تلك القدرات على شمال شرق سوريا خلال الفترة المقبلة، بما يستدعي اتخاذ خطوات استباقية لتفكيك خلايا التنظيم.

4- مساعٍ لتأمين نفوذ “قسد” بشمال شرق سوريا: في ظل توقيت متقارب بين استهداف القوات الأمريكية لمواقع وتمركزات لمليشيات إيرانية في دير الزور،وانطلاق عمليات أمنية لملاحقة عناصر “داعش” في المحافظة ذاته؛ فإن العمليات الأخيرة تشير إلى رغبة أمريكية في خفض مستوى التهديدات بمناطق شمال شرق سوريا، وتأمين نفوذ “قسد” في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في ظل تصاعد التهديدات المتمثلة في خلايا “داعش”، إضافة إلى تمركزات المليشيات الإيرانية، خاصة في ظل تخوفات من تعزيز نفوذ تلك المليشيات، بعد الانشغال الروسي بالحرب في أوكرانيا، بما يتيح للمليشيات الإيرانية مزيداً من التقدم الميداني. وأشارت تقارير إعلامية إلى نقل المليشيات الإيرانية في دير الزور منصات صواريخ ومدافع إلى مواقع جنوب دير الزور، في ظل تحليق مستمر لطائرات من دون طيار تابعة لـ”التحالف الدولي”.

5- تأكيد الالتزام الأمريكي بمواجهة “داعش”: تعكس العمليات الأمنية الأخيرة لـ”التحالف الدولي”،التأكيد على الالتزام الأمريكي الذي عبر عنه الرئيس جو بايدن خلال قمة “جدة للأمن والتنمية” في السعودية، بمواصلة مكافحة الإرهاب، وتحديداً تنظيم “داعش”، حينما تحدث عن مقتل القيادي في التنظيم “ماهر العقال” في عملية استهداف بطائرة من دون طيار، وقبلها استهداف زعيم التنظيم “أبو إبراهيم الهاشمي”. وتواجه الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب، وتحديداً لمواجهة تنظيم “داعش” في سوريا، انتقادات لعدم تطوير استجابة واضحة للتعامل مع تهديدات التنظيم هناك، بصورة سمحت له بتحقيق قدر من التماسك، وإعادة هيكلته خلال العامين الماضيين، مما انعكس على النشاط العملياتي.

إعادة تموضع

يمكن النظر إلى عمليات القوات الأمريكية المشاركة في “التحالف الدولي” ضد تنظيم “داعش” في شمال شرق سوريا، باعتبارها جزءاً من إعادة تموضع على الساحة السورية، بعد تقارير سورية محلية تشير إلى إنشاء الولايات المتحدة قاعدة ثالثة لها في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، في إطار الرغبة في تأمين المصالح الأمريكية، وتحديداً فيما يتعلق بتأمين حقول النفط، سواء في مواجهة المليشيات الإيرانية، أو تصاعد نفوذ تنظيم “داعش” في ضوء توافر عدد من المحفزات للنشاط العملياتي، والاستفادة من تنازع السيطرة بين الأطراف المختلفة على الساحة السورية، في اختراق الحدود البينية بين مناطق نفوذ وسيطرة تلك الأطراف، وظهور مؤشرات على إدخال تغيرات هيكلية على البنية التنظيمية للاستجابة للمتغيرات الميدانية، والاتجاه إلى النمط اللا مركزي في إدارة العمليات.