سيطرة مؤقتة:
لماذا يكثف “داعش” عملياته في الرقة بسوريا؟

سيطرة مؤقتة:

لماذا يكثف “داعش” عملياته في الرقة بسوريا؟



لا يزال تنظيم “داعش” يشكل تحدياً أمنياً في منطقة البادية، وسط سوريا. فعلى الرغم من تراجع النشاط العملياتي للتنظيم في تلك المنطقة الممتدة لبعض المحافظات (وهي: دير الزور، والرقة، وحلب، وحماة، وحمص)؛ إلا أن التنظيم كثف عملياته في محافظة الرقة خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجاري، سواء في مناطق سيطرة النظام السوري، أو مناطق ما يُعرف بـ”الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا. ويمكن تفسير تكثيف التنظيم للعمليات في الرقة، في ضوء احتمالات توجيه النشاط جغرافياً عقب تراجع العمليات في دير الزور، لمحاولة توسيع النفوذ إلى الرقة، خاصة عقب زيادة معدل العمليات خلال شهر يوليو الفائت، مقارنة بأشهر (أبريل، ومايو، ويونيو)، إضافة إلى الأبعاد الدعائية عقب مقل زعيم التنظيم “أبو الحسن الحسيني القرشي”، فضلاً عن احتمالات الرغبة في نهب بعض البلدات للحصول على تمويلات أو مؤن أو مواد غذائية.

كثّف تنظيم “داعش” عملياته في محافظة الرقة بسوريا، خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجاري، بصورة ملحوظة، بواقع ثلاث عمليات، اثنتين في مناطق سيطرة ما يُعرف بـ”الإدارة الذاتية”، والثالثة في مناطق سيطرة النظام السوري، تزامناً مع إعلان التنظيم مقتل زعيمه “أبو الحسن الحسيني القرشي” (3 أغسطس 2023).

وفي حين أن عمليتي التنظيم في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، لا تعكسان تطوراً في أنماط الهجمات التي ينفذها التنظيم، والتي تركز على استخدام العبوات الناسفة أو الهجمات المحدودة الخاطفة؛ إلا أن الهجوم لاستهداف قوات الجيش السوري يثير التخوفات من تداعيات النشاط العملياتي للتنظيم في الرقة خلال الفترة المقبلة، خاصة عقب تمكن عناصر “داعش” من السيطرة على بعض المناطق في بلدة “معدان” بريف الرقة الشرقي، وسقوط ما يقرب من 10 قتلى من الجيش السوري، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

أبعاد النشاط

يُمكن الإشارة إلى اتّجاهات النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في منطقة البادية السورية منذ مطلع العام الجاري، إضافة إلى بعض الأبعاد المتعلقة بنشاط التنظيم في سوريا بشكل عام، كالتالي:

1- هجمات متعددة الاتجاهات في الرقة: يتضح من خلال تتبع نشاط تنظيم “داعش” في الرقة بشكل خاص خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجاري، أن مجموعات التنظيم تنفذ عمليات متعددة الاتجاهات، فبخلاف الهجوم المشار إليه في مناطق سيطرة ونفوذ النظام السوري، إلا أنه هناك تكثيفاً للعمليات في اتجاه مناطق سيطرة ونفوذ “الإدارة الذاتية” شمال شرق سوريا.

ومن خلال رصد العمليات التي أعلن عنها تنظيم “داعش” عبر حسابات تابعة له على مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، فإن التنظيم أعلن عن عمليتين ضد عناصر مسلحة تابعة لعناصر كردية مسلحة، بمناطق سيطرتها في الرقة، إذ أعلن في (5 أغسطس 2023) استهداف عنصر من تلك العناصر بمدينة الطبقة غربي الرقة، واستهداف آلية لعناصر تابعة للحزب ذاته شمالي الرقة.

فيما كان الهجوم ضد قوات الجيش السوري في ريف الرقة الشرقي، ولكن لم يعلن التنظيم مسؤوليته، خاصة مع اتجاه داخل التنظيم لعدم إعلان تبني العمليات التي تحدث في منطقة البادية السورية، وتحديداً خلال العامين الفائتين، التي يتم تنازع السيطرة عليها بين المكونات الكردية من جانب، والنظام السوري ومليشيات شيعية موالية لها من جانب آخر.

2- تراجع النشاط العملياتي بمنطقة البادية: يبرز من خلال البيانات الشهرية لـ”counter extremism project” بشأن حالة تمرد تنظيم “داعش” في منطقة البادية وسط سوريا خلال الفترة (يناير – يوليو) 2023، أن ثمة تراجعاً في النشاط العملياتي للتنظيم خلال الأشهر القليلة الفائتة، وتحديداً منذ شهر مايو الفائت، عقب تسجيل معدلات مرتفعة بنحو 38 عملية منسوبة للتنظيم في شهر أبريل الفائت، وإن ظلّت المعدلات متقاربة خلال أشهر (مايو، ويونيو، ويوليو)، كما يوضح المخطط التالي:

واللافت في تراجع النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في منطقة البادية السورية، أن عمليات التنظيم سجلت تراجعاً في محافظة دير الزور التي تسجل أعلى معدلات للنشاط العملياتي، وفقاً لبيانات “counter extremism project”.

3- اتجاهات النشاط في الرقة: شهد شهر يوليو الفائت، تزايداً محدوداً في النشاط العملياتي للتنظيم في محافظة الرقة، مقارنة بأشهر (أبريل، ومايو، ويونيو)، فيما تساوى في معدل العمليات مع شهر مارس الفائت، بواقع 3 عمليات لكل شهر.

ولكن اللافت في عمليات شهر يوليو 2023، أن العمليات الثلاث كانت في جنوب محافظة الرقة، باتجاه منطقة البادية بوسط سوريا، وتحديداً في محيط بلدة “معدان”، وهي البلدة ذاتها التي تعرضت لاقتحام وهجوم موسع من قبل عناصر التنظيم خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجاري، ليسيطر عليها التنظيم، قبل أن ينسحب بعد بضع ساعات.

4- هجومان على بلدة جنوب العاصمة دمشق: ويأتي تكثيف النشاط العملياتي في الرقة منذ مطلع شهر أغسطس، وتسجيل أعلى معدل عمليات منسوبة للتنظيم في الرقة خلال شهر يوليو الفائت، في ظلّ بعض الاتجاهات الرئيسية في النشاط العملياتي، وتحديداً على مستوى تكثيف وتوجيه النشاط العملياتي لبعض النطاقات الجغرافية، عقب التراجع في نطاقات أخرى.

ويبرز في هذا السياق الإشارة إلى عمليتي التنظيم في بلدة “السيدة زينب” جنوب العاصمة السورية دمشق (26 و27 يوليو الفائت) لاستهداف حشود من الشيعة الذين توافدوا على المدينة، لإحياء ذكرى عاشوراء، وذلك عقب تراجع النشاط العملياتي في محافظة درعا جنوب البلاد، خلال الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً منذ شهر أكتوبر الفائت، عقب ملاحقة أطراف محلية في مدينة جاسم لمجموعات وخلايا التنظيم.

أهداف متنوعة

في ضوء السياقات والأبعاد الرئيسية لنشاط تنظيم “داعش” في منطقة البادية، وتحديداً في الرقة، يمكن تفسير تكثيف النشاط العملياتي للتنظيم في الرقة، كالتالي:

1- توجيه النشاط جغرافياً بعد التراجع في دير الزور: يمكن تفسير تكثيف التنظيم نشاطه في محافظة الرقة في إطار الضغوط التي يتعرض لها التنظيم بشكل رئيسي في محافظة دير الزور، التي كانت تمثل بؤرة النشاط العملياتي للتنظيم في سوريا،ويتضح تسجيل تراجع كبير في معدلات النشاط العملياتي في المحافظة خلال الأشهر الثلاثة الفائتة، مقارنة بأعلى معدل خلال شهر أبريل الفائت، وذلك منذ مطلع العام الجاري.

وتشهد دير الزور عمليات نوعية للتحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، وبالتعاون مع ما يُعرف بـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، من خلال تكثيف ملاحقة قيادات التنظيم والعناصر الفاعلة والبارزة، واستهدافهم سواء باعتقالهم أو تصفيات خلال محاولات الاعتقال.

وربما أسفرت العمليات التي ينفذها “التحالف الدولي” و”قسد” عن خفض معدل العمليات في دير الزور، وفي المقابل تكثيف العمليات باتجاه الرقة، وتحديداً جنوبها، إذ إن البلدة التي استهدفها “داعش” قريبة من دير الزور.

ويرتبط ذلك بعمليتي التنظيم في جنوب دمشق في يومين متتاليين، عقب تراجع النشاط العملياتي للتنظيم في محافظة درعا جنوب البلاد، خاصة بعد عمليات لملاحقة مجموعات وخلايا التنظيم، والتي يرجح أنها أسفرت عن مقتل زعيم التنظيم في منتصف شهر أكتوبر الفائت.

1- محاولة توسيع النفوذ في محافظة الرقة: وربما يهدف التنظيم جراء تكثيف النشاط العملياتي في الرقة، سواء لاستهداف مجموعات مسلحة كردية، أو قوات الجيش السوري، إلى محاولة توسيع نفوذ التنظيم في المحافظة خلال الفترة المقبلة.

ويتضح من خلال عملية السيطرة المؤقتة على بلدة “معدان”، أن التنظيم كان يخطط لمحاولة توسيع النفوذ، خاصة وقد سبقتها عمليات في محيط تلك البلدة خلال شهر يوليو الفائت، بما يشير إلى أن النشاط العملياتي ليس عشوائياً، وإنما مخطط له، وفقاً لأهداف مرحلية، ومحاولة التحرك التدريجي جغرافياً دون تنفيذ عمليات في مناطق متفرقة. وربما تكثيف العمليات خلال الأسبوع الأول من أغسطس الجاري، وارتباطها بعمليات التنظيم في يوليو الفائت، بمحاولة التركيز على محافظة الرقة، خاصة وأنه بدا أن ثمة اهتماماً بالنشاط العملياتي خلال النصف الثاني من العام الفائت، وتحديداً خلال الفترة من (أغسطس – ديسمبر) 2022، إذ تشير بعض التقديرات إلى تسجيل نحو 16 عملية منسوبة لـ”داعش” في المحافظة خلال الخمسة أشهر الأخيرة من العام الفائت، قبل تراجع معدل العمليات مع مطلع العام الجاري.

2- نهب بعض البلدات لتوفير المؤن اللازمة: تعتمد عمليات تنظيم “داعش” في سوريا على الهجمات الخاطفة، وهو ما فرضته الطبيعة الميدانية المتغيرة منذ عام 2019، وفقدان التنظيم الأراضي التي كانت تحت سيطرته، وتحولات السيطرة الميدانية لمختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السورية زيادة أو تراجعاً، وبالتالي فإن سيطرة التنظيم على مناطق في بلدة لبضع ساعات قبل الانسحاب، يعد تحولاً بارزاً في النشاط العملياتي.

وتحمل السيطرة على البلدة أبعاداً دعائية، ولكن ربما يهدف التنظيم إلى نهب البلدة لتوفير مصادر تمويلية والمؤن والمواد الغذائية اللازمة لعناصر التنظيم، خاصة عقب تحذيرات من عمل السوريين في جمع “الكمأة” في وسط البلاد، بعد عمليات خطف وقتل التنظيم للعاملين، وصدور تحذيرات من العمل في جمع “الكمأة”، وبالتالي فقدان التنظيم وسيلة ضغط على القبائل، وخسارة مصدر تمويلي، للحصول على الأموال مقابل الإفراج عن العمال.

3- ظهور أبعاد دعائية عقب مقتل زعيم التنظيم: بالنظر إلى توقيت تصاعد النشاط العملياتي في محافظة الرقة، سواء في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا، أو في مناطق سيطرة النظام السوري؛ يتضح أنها جاءت عقب إعلان التنظيم مقتل زعيمه “أبو الحسين الحسيني القرشي” في تسجيل صوتي للمتحدث الجديد باسم التنظيم في 3 أغسطس الجاري.

وهنا، فإن تكثيف الهجمات في محافظة الرقة يرتبط بمحاولة إثبات حضور التنظيم على الجغرافيا السورية، عقب توالي مقتل زعماء التنظيم بصورة متلاحقة، بمقتل ثلاثة زعماء خلال الفترة من فبراير 2022 وحتى أبريل 2023 في الأراضي السورية.

مع الأخذ في الاعتبار أن التنظيم عادة ما يلجأ إلى توجيه عناصره لتكثيف العمليات في مختلف الأفرع، لمحاولة إثبات عدم التأثر بمقتل زعيم التنظيم.

تحدٍ أمني

ورغم أن معدل النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في الرقة لا يمثل قفزة في عدد الهجمات، إلا أن تكثيف العمليات يُشير إلى اهتمام متزايد من قبل التنظيم بالمحافظة، خاصةً وأن هذه العمليات المكثفة خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الجاري، جاءت عقب زيادة في معدل العمليات خلال شهر يوليو الفائت، مقارنة بأشهر (أبريل، ومايو، ويونيو).

وتمثل عمليات تنظيم “داعش” في الرقة، وتحديداً في مناطق سيطرة النظام السوري باتجاه منطقة البادية وسط البلاد، تحدياً أمنياً للجيش السوري، لاحتواء تهديد التنظيم، منعاً لتزايد نفوذه، خاصة مع الاتجاه إلى محاولة السيطرة على بعض المواقع التي يقتحمها، حتى لو لبضع ساعات.