توظيف الأزمات:
لماذا يكثف تنظيم “داعش” هجماته في النيجر؟

توظيف الأزمات:

لماذا يكثف تنظيم “داعش” هجماته في النيجر؟



تواجه النيجر تهديدات أمنية لا تبدو هينة، وخاصة التهديدات التي يفرضها تصاعد نشاط وعمليات تنظيم “داعش”، الذي قام بتكثيف هجماته في المناطق الغربية والشرقية من البلاد. ويأتي ذلك في ظل أزمات سياسية وأمنية تتفاقم تدريجياً في المنطقة، لا سيما بعد انسحاب النيجر ومالي وبوركينافاسو من منظمة “إيكواس”، حيث تشهد المنطقة انقسامات وتصدعات بين أعضاء المنظمة، بينما تتجه بعض القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة وروسيا، إلى تعزيز حضورهما الأمني والعسكري في غرب أفريقيا.

دلالات عديدة

يطرح الهجوم الإرهابي الذي وقع في منطقة تيلابيري بغرب النيجر في 30 يناير الفائت وأسفر عن مقتل 22 شخصاً، دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تنفيذ العمليات الإرهابية في المثلث الحدودي: رغم عدم إعلان أي تنظيم إرهابي، حتى الآن، مسئوليته عن هذا الهجوم، إلا أن المؤشرات تكشف أن تنظيم “داعش ولاية الصحراء” هو الذي قام، على الأرجح، بتنفيذه، خاصة أنه ينشط في منطقة المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينافاسو، حيث اتجه التنظيم إلى التصعيد ضد النيجر بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في 26 يوليو الماضي، ولا سيما في المناطق الغربية بالقرب من الحدود مع مالي وبوركينافاسو. فيما تتعرض المناطق الشرقية لهجمات إرهابية متزايدة من جانب تنظيم “داعش ولاية غرب أفريقيا”، حيث اتجه التنظيم لتصعيد عملياته في هذه المنطقة بعد تصاعد الضغوط العسكرية عليه من قبل الجيش النيجيري الذي يكثف عملياته ويستهدف قياداته في شمال نيجيريا. ويبدو أن ثمة تنسيقاً بين فروع “داعش” لمواجهة تحركات الجيش النيجري على الجبهتين الشرقية والغربية.

2- تنسيق الهجمات في مواجهة التحالف الثلاثي: لم يمنع التنافس بين “داعش” و”القاعدة” على تعزيز السيطرة في مناطق العمليات في المنطقة التنظيمين من توسيع نطاق التنسيق فيما بينهما، على الأقل في المرحلة الحالية، في مواجهة الجهود التي تبذلها دول التحالف الثلاثي (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو) التي أبرمت اتفاقيات عسكرية وأمنية لتنسيق جهودها ضد التنظيمات الإرهابية. ولذلك يبدو أن “داعش” يعمل على تكثيف هجماته ضد الجيش النيجري بالتوازي مع اتجاه تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” (الموالي للقاعدة) إلى مواصلة هجماته ضد الجيش المالي في إطار التحالف مع الجماعات المسلحة الأزوادية التي تقاتل ضد الأخير المدعوم من مجموعة “فاجنر” العسكرية الروسية في شمال البلاد.

3- استغلال الاضطرابات السياسية والأمنية: من الواضح أن تنظيمي “داعش” و”القاعدة” يواجهان ضغوطاً عسكرية متنامية في كلٍّ من نيجيريا ودول عرب أفريقيا الساحلية، مثل غانا وتوجو وبنين وساحل العاج، التي تحاول التنظيمات الإرهابية التوسع في مناطقها الشمالية، بينما عملت هذه الدول على تعزيز حضورها الأمني والعسكري في هذه المناطق، وهو ما دفع هذه التنظيمات إلى تركيز عملياتها في دول الساحل التي تشهد فراغاً أمنياً منذ انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من مالي والنيجر، ثم إعلان الدولتين انسحابهما من مبادرة مجموعة الساحل الخماسية، وأخيراً انسحاب التحالف الثلاثي (مالي، والنيجر، وبوركينافاسو) من “إيكواس”، في 28 يناير الفائت.

وقد أدى ذلك إلى تصاعد حدة التوترات السياسية بين النيجر ونيجيريا بشكل أعاق جهود التنسيق بين البلدين لمكافحة الإرهاب، حيث اتهم المجلس العسكري في النيجر الحكومة النيجيرية باتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية لدى مواطنيها، وزعم أن السياسات التي تبنتها نيجيريا منذ الإطاحة بنظام الرئيس محمد بازوم في النيجر لا تمثل الشعب النيجيري، وحمّل الرئيس النيجيري بولا تينوبو، بصفته رئيس مجلس رؤساء دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، المسئولية عن قرار الدول الثلاث الانسحاب من “إيكواس”.

تداعيات محتملة

ربما يفرض تصاعد الهجمات الإرهابية تداعيات مباشرة على الأوضاع الأمنية وخريطة الوجود العسكري الدولي في المنطقة وذلك على النحو التالي:

1- توسع نطاق الوجود العسكري الروسي: تَعتبر روسيا النيجر من الدول الحليفة في المنطقة، ففي 4 ديسمبر الماضي زار وفد روسي النيجر، وفي 17 يناير الفائت زار رئيس وزراء النيجر علي مهاماني لامين زين روسيا لمناقشة العلاقات العسكرية بين البلدين. وقد كشفت تقارير عديدة عن توجه موسكو نحو نشر قوات روسية لحماية النظم الحليفة في المنطقة، فيما يعرف بقوات “الفيلق الأفريقي”. ويبدو أن النيجر سوف تضطر في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية إلى القبول بصفقة مع روسيا تقضي بنشر هذه القوات على أراضيها.

وكانت مجموعة “فاجنر” الروسية، التي يتوقع دمج عناصرها في الفيلق، قد عرضت على المجلس العسكري التدخل إلى جانب الجيش النيجري في مواجهة أي تدخل عسكري في البلاد. وبالفعل، تجري مناقشات داخل المجلس العسكري الحاكم في النيجر منذ بداية فبراير الجاري حول دراسة نشر مقاتلين روس في البلاد.

2- تصاعد التنافس بين موسكو وواشنطن: ففي الوقت الذي تتجه فيه موسكو نحو نشر قوات “الفيلق الأفريقي” في النيجر ومالي وبوركينافاسو، أعلنت واشنطن عن إجراء مباحثات مع غانا وتوجو وساحل العاج وبنين، لتوقيع اتفاقيات أمنية تسمح ببناء قواعد للمسيرات الأمريكية على أراضيها، هذا إلى جانب القاعدة العسكرية للطائرات المسيرة في النيجر، وهو ما يتوقع معه تصاعد التنافس الروسي-الأمريكي في المنطقة.

وتُشير بعض التقارير إلى انقسام داخل المجلس العسكري النيجري حول وصول المقاتلين الروس، فخلال اجتماع عُقد بمقر الجيش النيجري، في 3 يناير الفائت، ناقش القادة الرئيسيون للمجلس العسكري هذا الاحتمال، وشهدت النقاشات انقسامات بين المؤيدين لدور روسيا من ناحية، والداعمين لدور الولايات المتحدة من ناحية أخرى.

3- ارتفاع معدلات الهجمات الإرهابية: ربما يؤدي تصاعد التنافس العسكري بين بعض القوى الدولية في المنطقة، إلى اندلاع موجة جديدة من الانقلابات العسكرية والانقلابات المضادة بين الأجنحة العسكرية الموالية لواشنطن وموسكو، الأمر الذي يكرس حالة من عدم الاستقرار تستغلها التنظيمات الإرهابية في توسيع نطاق هجماتها في المنطقة. وقد تلجأ هذه التنظيمات إلى الاتفاق على هدنة لوقف القتال فيما بينها، وذلك للتفرغ لمواجهة العمليات العسكرية التي تستهدف قياداتها. ولذلك، قد تتجه هذه التنظيمات الإرهابية إلى مهاجمة القواعد العسكرية في المنطقة، أو شن هجمات على مواقع إنتاج النفط والغاز، بهدف تعطيل مشروع خط أنابيب الغاز الذي يمر من نيجيريا إلى الاتحاد الأوروبي عبر النيجر.

ختاماً، تشير التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل خلال المرحلة الحالية إلى أن التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم “داعش”، سوف تسعى إلى تعزيز نفوذها وتنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية، في ظل استمرار التوتر في العلاقات بين دول تلك المنطقة، فضلاً عن تصاعد حدة التنافس بين القوى الدولية التي تسعى إلى استغلال الفراغ الذي أنتجه الانسحاب الفرنسي من المنطقة.