تقدم 27 عضواً من أعضاء الكونجرس الأمريكي بقيادة العضو الجمهوري “ليزا ماكلين” (عن ولاية ميشيغان)، في 29 سبتمبر 2022، برسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” يطالبونه فيها بتفعيل قانون “مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات”، والذي أقره الكونجرس في عام 2017، وذلك من أجل فرض عقوبات على الجزائر بسبب تعاونها العسكري مع روسيا.
ويعد هذا الطلب الثاني من نوعه الذي يقدمه بعض أعضاء الكونجرس لوزير خارجيتهم للغرض نفسه، فقد سبق وتقدم بعض أعضاء الكونجرس بقيادة السيناتور الجمهوري “ماركو روبيو” عن ولاية فلوريدا (نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي )، في 14 سبتمبر الماضي، بطلب مماثل طالبوا فيه أيضاً بفرض عقوبات على الجزائر لنفس الأسباب المشار إليها أعلاه. وفي عام 2018، لوحت السفارة الأمريكية لدى الجزائر بإمكانية فرض عقوبات ضد الجزائر إذا اشترت أسلحة من روسيا.
دوافع محددة
يمكن تفسير تقديم بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي طلباً لوزير خارجيتهم “أنتوني بلينكن” بفرض عقوبات ضد الجزائر، من خلال مجموعة من الأسباب التي دفعتهم إلى ذلك، من أبرزها ما يلي:
1- تنامي العلاقات الجزائرية الروسية: أعرب النواب الذين وجهوا رسالتهم لوزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” مطالبين فيها بفرض عقوبات على الجزائر، عن مخاوفهم المتصاعدة إزاء تنامي العلاقات الجزائرية الروسية خلال الفترة الأخيرة، والتي شهدت تقارباً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً متصاعداً، ومن المؤشرات الدالة على ذلك الموقف الجزائري الرسمي الداعم للموقف الروسي بشأن أزمة أوكرانيا، حيث امتنعت الجزائر في أكثر من مرة عن التصويت على مشروعات قوانين تدين الغزو الروسي لأوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر مارس الماضي، وبررت الجزائر موقفها في ذلك بالوقت بأنه جاء انطلاقاً من
احترام سيادة الدول في تقرير مصيرها، ودعوة أطراف الأزمة لحلها بالحوار، كما اعترضت الجزائر -بجانب سوريا من الدول العربية- على التصويت لصالح مشروع قرار داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أبريل الماضي كان يقضي بتعلق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهو ما يمثل دعماً جزائرياً غير مباشر للموقف الروسي في هذه الأزمة الممتدة حتى الآن.
2- عقد صفقات سلاح ضخمة مع موسكو: إذ يرى أعضاء الكونجرس الذين قدموا هذا الطلب أن التعاون العسكري الجزائري الروسي يمثل سبباً رئيسياً لفرض عقوبات ضد أعضاء الحكومة الجزائرية المتورطين في شراء الأسلحة الروسية، ويستندون إلى مجموعة من التقارير التي تُشير إلى توقيع الجزائر في العام الماضي عدة صفقات أسلحة مع روسيا بلغت قيمتها أكثر من 7 مليارات دولار، وأن من بينها بيع روسيا للجزائر طائرات مقاتلة متطورة من طراز “سوخوي Su-57″، والتي لم تبعها روسيا لأية دولة أخرى، ويحمل ذلك مؤشراً هاماً على ما تتمتع به الجزائر من مكانة لدى الجانب الروسي لمنحها هذه الطائرات دون غيرها من الدول العربية.
ويؤكد على ذلك احتلال الجزائر المرتبة الأولى أفريقياً من حيث استيراد الأسلحة والمعدات العسكرية من روسيا التي ضمنت لنفسها احتكار توريد الأسلحة للجزائر. ففي عام 2006، ألغت موسكو ديون الجزائر البالغة 5.7 مليارات دولار، الأمر الذي شجع الجزائر على توقيع صفقة أخرى لشراء أسلحة روسية مقابل 7.5 مليارات دولار في العام ذاته، ومنذ ذلك الحين توالت الصفقات المبرمة بين الجانبين بشكل تصاعدي، وبالتالي رأى أعضاء الكونجرس أن عقود شراء الأسلحة بين الجزائر وروسيا يجب تصنيفها على أنها معاملات مهمة وفقاً لقانون “CAATSA” الذي لم يتم تفعيله بعد في هذا الخصوص.
3- تمويل آلة الحرب الروسية في مواجهة أوكرانيا: يرى أعضاء الكونجرس الأمريكي الموقعون على طلب توقيع العقوبات على الجزائر أن صفقات السلاح الضخمة الموقّعة بين الجزائر وروسيا، من شأنها أن توفر السيولة المالية اللازمة لروسيا من أجل استمرار تمويل الآلة الحربية لروسيا، وهو ما يُساعد في دعم بقاء روسيا عسكرياً في أوكرانيا لأطول فترة ممكنة، خاصة وأن موسكو لم تستطع حسم هذه الحرب لصالحها حتى الآن. وفي هذا الإطار، أعلن أعضاء الكونجرس أنهم لن يتسامحوا مع داعمي الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وجهوده الحربية المثيرة لعدم الاستقرار في القارة الأوروبية وانتقال تداعياتها على كافة أنحاء العالم.
4- إجراء مناورات عسكرية مشتركة جزائرية روسية: ينبع القلق الأمريكي كذلك من التقارب الجزائري الروسي الوثيق؛ في ظل ما شهدته الفترة الأخيرة من بعض إجراءات تعزيز التعاون العسكري بين الجزائر وموسكو، وخاصة فيما يتعلق بإجراء بعض المناورات العسكرية المشتركة وعلى رأسها مشاركة الجزائر في المناورات العسكرية “فوستوك 2022” أو “الشرق 2022” في روسيا، والاستعداد لإجراء مناورات عسكرية ضخمة مشتركة لمكافحة الإرهاب للقوات البرية الروسية والجزائرية سيتم إجراؤها في شهر نوفمبر القادم في قاعدة “حماقير” بالجزائر تحت اسم مناورات “درع الصحراء 2022”. وقد أعلنت موسكو أن هذه المناورات سيتم تنفيذها في إطار البرنامج المعتمد للتعاون العسكري مع الجزائر.
5- الضغط على الجزائر لضمان إمدادات الغاز: يمكن تفسير مطالبة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات على الجزائر بسبب تعاونها مع روسيا، في إطار محاولة واشنطن ممارسة نوع من الضغوط غير المباشرة على الحكومة الجزائرية الحالية لضمان التزامها بإمداد الدول الأوروبية باحتياجاتها من الغاز الطبيعي خلال الفترة القادمة، وخاصة مع اقتراب دخول فصل الشتاء وتزايد المخاوف من نقص الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي للدول الأوروبية، وخاصة بعد الموقف الذي اتخذته هذه الدول إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية بفرض عقوبات قاسية على الجانب الروسي بسبب غزوه أوكرانيا في شهر نوفمبر الماضي، وامتداد تداعيات هذه الأزمة إلى احتياجات الدول الغربية من الغاز الطبيعي.
دلالات هامة
تُشير مطالبة بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات على الجزائر إلى بعض الدلالات السياسية والعسكرية الهامة، ومن ذلك ما يلي:
1- حسم التنافس الأمريكي الروسي في مبيعات الأسلحة لإقليم الشرق الأوسط: ترتبط المطالبة بفرض عقوبات على الجزائر بسبب تعاملاتها العسكرية مع روسيا، بالتنافس الأمريكي الروسي على تمديد النفوذ داخل الدول العربية. فعلى المستوى العسكري تأتي روسيا في المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الأمريكية من حيث تصدير السلاح على المستوى العالمي، وتشير التقارير الصادرة في عام 2022، إلى أن واردات السلاح في منطقة الشرق الأوسط بلغت حوالي 53% من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي المقابل 11% من روسيا. وفي ظل ما تتعرض له روسيا من عقوبات أمريكية وغربية فقد رأت في الدول الأفريقية -ومنها الجزائر- سوقاً واعدة لاستيعاب صادراتها من الأسلحة، خاصة وأن تجارة الأسلحة الروسية تمثل حوالي 39% من عائدات صناعة الدفاع الروسية. وفي هذا الإطار، تحاول واشنطن منافسة موسكو في هذا المجال، ولا سيما مع دول المغرب العربي ومنها المملكة المغربية التي وقعت على صفقات ضخمة للحصول على بعض الأسلحة الأمريكية خلال الفترة الأخيرة.
2- محاولة تحسين العلاقات الأمريكية الجزائرية: جاء تقديم هذا الطلب عقب قيام وحدات من القوات المسلحة الجزائرية بتدريبات عسكرية مشتركة مع إحدى السفن الحربية الأمريكية التي رست في ميناء “جيجل” شرقي الجزائر لتنفيذ التدريب المشترك بعنوان “تبادل الخبرات في مجال نزع الألغام”، وذلك وفقاً لما أعلنته وزارة الدفاع الجزائرية في الفترة 14 – 19 سبتمبر الماضي، وبالتالي فإن المطالبة بفرض عقوبات يتعارض مع التعاون العسكري بين واشنطن والجزائر، وهو ما قد يقف حائلاً أمام استجابة وزير الخارجية الأمريكي لمطالب توقيع العقوبات على الحكومة الجزائرية، لأن ذلك سوف يحد من فرص تطوير العلاقات الأمريكية الجزائرية بصفة عامة والعسكرية بصفة خاصة.
3- إحداث تغيير في الموقف الجزائري المناهض للتطبيع مع إسرائيل: يشير بعض المراقبين إلى ارتباط التصعيد الذي يقوده بعض أعضاء الكونجرس من الجمهوريين، وخاصة السيناتور الجمهوري ونائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي “ماركو روبيو” المقرب من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بالموقف الجزائري الرافض للتطبيع مع إسرائيل، والدور الذي تحاول لعبه في التقريب بين الفصائل الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة.
4- استغلال التجديد النصفي للكونجرس للضغط على إدارة بايدن: يرتبط التصعيد الذي يقوده أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري تحديداً بالاستعداد لانتخابات التجديد النصفي للكونجرس في شهر نوفمبر القادم، حيث يقوم أعضاء الحزب الجمهوري بتوظيف عدم تنفيذ قانون العقوبات “CAATSA” في محاولة للتأثير على هذه الانتخابات في مواجهة الحزب الديمقراطي، ومن ثم الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة “جو بايدن” والإشارة إلى أنها تتسم بالضعف في تعزيز موقف الولايات المتحدة في إطار علاقاتها بغيرها من الدول ومنها الجزائر في الشمال الإفريقي.
نتائج عكسية
خلاصة القول، من غير المرجح أن تتجه الإدارة الأمريكية الحالية إلى فرض عقوبات على الجزائر بسبب تعاونها العسكري مع روسيا، ويرجع ذلك إلى عدة اعتبارات من أهمها عدم صدور موقف رسمي منها تجاه مطالبات بعض أعضاء الكونجرس في هذا الخصوص، كما أن واشنطن تسعى لتعزيز علاقاتها بالدول العربية لتعزيز نفوذها في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، وبالتالي فإن فرض أية عقوبات سوف تأتي بنتائج عكسية، وربما يترتب عليه تداعيات على المصالح الأمريكية في هذه المنطقة، خاصة وأن واشنطن تدرك الثقل السياسي الجزائري في المنطقة المغاربية، ووصفها بأنها شريك قوي للسلام والاستقرار في المنطقة العربية وفي القارة الأفريقية.