خلافات متصاعدة:
لماذا يطالب “البرهان” بحل الحكومة الانتقالية في السودان؟

خلافات متصاعدة:

لماذا يطالب “البرهان” بحل الحكومة الانتقالية في السودان؟



تتصاعد حدة الخلافات داخل هياكل النظام السياسي الانتقالي في السودان، ومن المؤشرات الدالة على ذلك مطالبة الفريق “عبدالفتاح البرهان” رئيس مجلس السيادة الوطني، بحل الحكومة الانتقالية الحالية برئاسة “عبدالله حمدوك” وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم، وقد صرح “البرهان” بهذا الأمر صراحة خلال كلمته التي ألقاها، في 11 أكتوبر 2021، على مجموعة من ضباط وضباط صف وجنود منطقة “بحري” العسكرية بحضور رئيس هيئة الأركان ونوابه والمفتش العام وعدد من قادة الوحدات والأفرع.

تطورات داخلية

جاءت تصريحات الفريق “عبدالفتاح البرهان” المطالبة بحل الحكومة الانتقالية في الوقت الذي تشهد فيه البلاد جملة من التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية الهامة، ومن أبرزها ما يلي:

1- إعلان بعض القوى السياسية (“تجمع المهنيين السودانيين” – الحزب الشيوعي) أن الحكومة السودانية لا تمثل الشعب، وذلك رداً على الخلافات المتصاعدة بين اركان الحكومة في الوقت الراهن.

2- تفاقم أزمة الخبز في العاصمة الخرطوم بسبب توقف 90% من المخابز عن العمل، بسبب نقص المعروض من القمح والدقيق، كنتيجة طبيعية لإغلاق قبائل البجا الموانئ المطلة على البحر الأحمر منذ 17 سبتمبر الماضي، مما أدى إلى ارتفاع سعر رغيف الخبز الواحد إلى 50 جنيه تقريباً.

3- تصاعد أزمة شرق السودان في ظل تمسك “المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” في شرق السودان بمطالبه الممثلة في إلغاء مسار الشرق من اتفاق جوبا النهائي للسلام، وحل الحكومة الانتقالية، والتهديد بالإنفصال عن باقي الدولة السودانية إذا لم يتم تنفيذ هذه المطالب، وعدم قدرة الحكومة على تقديم حلول فاعلة لهذه الأزمة حتى الآن.

خلافات الشركاء

يمكن تفسير مطالبة الفريق “البرهان” بحل الحكومة الانتقالية وتوسيع دائرة المشاركة في الحكم الانتقالي، من خلال جملة من العوامل المرتبطة في مجملها بتصاعد حدة الخلافات بين المكونين العسكري والمدني بشكل كبير منذ فشل محاولة الانقلاب على الحكم في 21 سبتمبر الماضي، وما تلى ذلك من تباين واضح في مواقف كل من المكونين تجاه هذه المحاولة، وتأثير ذلك سلباً على تعطيل العمل داخل هياكل النظام السياسي الحالي مثل مجالس السيادة والأمن والدفاع والبرلمان المؤقت، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- غياب التوافق والثقة بين شركاء الحكم، يرجع السبب الرئيسي وراء تصاعد الخلافات الحالية بين المكونين المدني والعسكري إلى غياب التوافق والثقة في بعضمها البعض، وهو ما عبرت عنه التصريحات الأخيرة للفريق “عبدالفتاح البرهان” ونائبه الجنرال “حميدتي” (محمد حمدان دقلو)، كما أن هذه التصريحات جاءت عقب فشل الاجتماع الأخير الذي جمع بين “البرهان” ورئيس الحكومة الانتقالية “عبدالله حمدوك” في التوصل إلى حلول وسط أو إيجاد أرضية مشتركة لتجاوز الخلافات المتصاعدة وحل الأزمة السياسية الحالية في البلاد.

2- توسيع قاعدة المشاركة في الحكم الانتقالي، حيث يرغب المكون العسكري في زيادة عدد المشاركين من الأحزاب والقوى السياسية والجماعات المسلحة في الحكم الانتقالي مع الاحتفاظ بنصيب المكون العسكري في تلك العملية، وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الانتقالية الحالية برئاسة “حمدوك” وقوى إعلان الحرية والتغيير تضم في داخلها عدد من الأحزاب والقوى السياسية الرئيسية وعلى رأسهم أحزاب “الأمة القومي”، “التجمع الاتحادي”، “البعث”، “المؤتمر السوداني”، بالإضافة إلى عدد من الحركات والجماعات المسلحة المنضوية تحت الجبهة الثورية التي وقعت على الاتفاق النهائي للسلام في شهر أكتوبر الماضي، بينما ابتعد عن المشاركة في الحكومة الحالية أحزاب أخرى ومن أبرزهم “الحزب الشيوعي”.

وبالتالي يرغب “البرهان” في الضغط على قوى الحرية والتغيير لوضع حد لنفوذها وتدخلاتها في العملية السياسية على النحو الحالي، حيث أوضح “البرهان” أن هناك محاولات من قبل قوى الحرية والتغيير لإطالة أمد الفترة الانتقالية بالمخالفة لما تم النص عليه في الوثيقة الدستورية ورفضهم لاستمرار الشراكة في الحكم بشكلها السابق، وهو ما دفعه للتأكيد على أن القوات المسلحة ستظل تحمي الفترة الانتقالية لحين إجراء انتخابات برلمانية.

3- استكمال بناء مؤسسات الدولة الدستورية، جاءت المطالبة بحل الحكومة الانتقالية وتشكيل حكومة جديدة في إطار عملية استكمال مؤسسات الدولة الدستورية وخاصة المجلس الوطني التشريعي والمحكمة الدستورية العليا، وكلاهما لم يتم تشكيلهما حتى الوقت الراهن، واتهم “البرهان” المكون المدني بتعطيل وعرقلة تلك الأمور، خاصة وأن اختيارات أعضاء المجلس التشريعي أخذت وقتاً كبيراً منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية في عام 2019، وحتى الآن، وذلك بسبب غياب التوافق بين مكونات قوى الحرية والتغيير وتصاعد الخلافات والانشقاقات داخلها أيضاً، وهو ما انعكس سلباً على عملية استكمال مؤسسات الدولة الدستورية، وتوظيف المكون العسكري لهذه المشكلات في هجومه الحالي على المكون المدني ومطالبته بحل الحكومة الانتقالية.

4- تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كما سبق واتهم الفريق “عبدالفتاح البرهان” في أغسطس 2020، الحكومة الانتقالية الحالية وحملها مسئولية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع السوداني، في ظل عدم قدرتها على تقديم بدائل أو حلول فاعلة للأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ تشكيل هذه الحكومة وإحداث تغييرات وزارية فيما بعد عليها، إلا أن ذلك لم يجدي نفعاً حتى الآن في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للشعب السوداني.

5- تسليم رئاسة المرحلة الانتقالية، يتهم المكون المدني المكون العسكري برفضه تسليم السلطة للقوى السياسية، واستندوا في ذلك إلى مرور ما يقرب من 27 شهراً على بقاء الفريق “البرهان” في رئاسة مجلس السيادة الوطني الذي تم تشكيله في أغسطس 2019، وأيضاً رفض المكون العسكري لأن تصبح تبعية الشرطة والمخابرات للمدنيين، وهو ما أكد عليه الجنرال “حميدتي” بأن الأجهزة الأمنية والمخابرات ستظل تحت إشراف القوات المسلحة ولن يتم تسليمها للمدنيين إلا بعد إجراء انتخابات برلمانية يسفر عنها تشكيل حكومة مدنية منتخبة، متهماً القوى السياسية بالصراع من أجل الوصول للحكم والحصول على المناصب القيادية على حساب المصالح الوطنية العليا للبلاد، كما أكد على عدم وجود نية لتسليم المجلس السيادي الوطني للمدنيين في الوقت الراهن، وهو ما أثار حفيظة القوى السياسية ودفعها لمواصلة اتهامها للمؤسسة العسكرية بمحاولة الانقلاب على السلطة، وإفشال تجربة الحكم الحالية.

السيناريوهات المتاحة

وفقاً للمعطيات الراهنة، توجد بعض السيناريوهات المحتملة بشأن الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، وذلك كما يلي:

السيناريو الأول، استقالة الحكومة الانتقالية، ويرجح هذا السيناريو أن تقوم الحكومة الحالية برئاسة “عبدالله حمدوك” بتقديم استقالتها في ظل عدم قدرتها على حل الأزمات الداخلية وعلى رأسها أزمة شرق البلاد، وتدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة لاستمرار إغلاق الطرق والموانئ البحرية، بشكل أدى إلى عجز الحكومة عن تلبية احتياجات المواطنين من السلع والخدمات الرئيسية التي تعتمد على استيرادها مثل القمح والأدوية، وفي حالة استمرار هذه الأزمة فلن تجد الحكومة بداً سوى تقديم استقالتها وتحميل المكون العسكري مسئولية إدارة البلاد.

السيناريو الثاني، سحب الدعم العسكري للحكومة الانتقالية، ويرجح هذا السيناريو أن تقوم المؤسسة العسكرية بسحب الدعم تجاه الحكومة الانتقالية التي تدعمها قوى الحرية والتغيير، ويستند ذلك إلى بعض المؤشرات الهامة التي تتضح من تصريحات المسئولين العسكريين بشأن رفضهم إخضاع جهاز الشرطة والمخابرات للمدنيين، وهو ما يدفع المكون العسكري للدعوة لإجراء انتخابات برلمانية لاستيعاب واحتواء الرأي العام الداخلي تجنباً لتكرار سيناريو الثورة الشعبية التي أسقطت البشير عام 2019.

السيناريو الثالث، انهيار كامل لمؤسسات الدولة، ويستند هذا السيناريو إلى استمرار الخلافات المتصاعدة بين مكونات السلطة وتبادل الاتهامات فيما بينهما، خاصة وأن هذه الخلافات تتزامن مع ما تشهده البلاد من تحديات وأزمات سياسية وأمنية بالغة الخطورة، فإن ذلك قد يؤدي إلى حل الحكومة الانتقالية وتفكك مجلس السيادة الوطني، وبالتالي مزيد من التأخير في عملية تشكيل المجلس التشريعي الوطني وباقي مؤسسات الدولة، مع عدم استبعاد انزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى السياسية والأمنية.

تعقد الأزمة

خلاصة القول تعكس مطالبة رئيس مجلس السيادة الوطني “عبدالفتاح البرهان” بحل الحكومة الانتقالية حجم الخلافات المتصاعدة مع شركاء الحكم الانتقالي وخاصة مع المكون المدني، وهو ما يكشف عن قصر تعامل شركاء الحكم الانتقالي السوداني مع الأزمة السياسية الراهنة. وترجح المعطيات الراهنة، اتجاه الأزمة السياسية في السودان نحو مزيد من التصعيد والتعقيد خلال الفترة القادمة، الأمر الذي من شأنه التأثير سلباً على الاستقرار السياسي، ومن ثم إفشال تجربة الحكم الانتقالي الحالي.