نقطة قوة:
لماذا يسعى “داعش” لاقتحام السجون في سوريا؟

نقطة قوة:

لماذا يسعى “داعش” لاقتحام السجون في سوريا؟



أعلنت الأجهزة الأمنية التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، في شهر نوفمبر المنصرم، عن إحباط مخطط كبير لتنظيم “داعش” لشن هجمات على سجن الصناعة في محافظة الحسكة، باستخدام أسلحة خفيفة ومتوسطة وسيارات مفخخة، والذي يضم أكثر من 4 آلاف سجين تابعين للتنظيم، وهو ما أثار مخاوف كبيرة من نجاح مثل هذا المخطط في تحرير هذا العدد من المقاتلين وإعادة توظيفهم على الساحة السورية. كما أن المخاوف تتصل أيضاً بمحاولات التنظيم المستمرة لتنفيذ عمليات بهدف تحرير مقاتليه، بالصورة التي تجعل من السجون ومخيمات الإيواء أهدافاً مستقبلية.

مؤشرات متصاعدة

ثمة مؤشرات عديدة على رغبة تنظيم “داعش” لاقتحام السجون التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية، ويمكن تحديد أبرزها على النحو التالي:

1- تمرد سجناء “داعش”: يشهد سجن الصناعة الذي كانت تخطط خلايا “داعش” لاقتحامه، حالة تمرد لسجناء التنظيم بشكل مستمر، تصاعدت خلال الأسابيع الماضية؛ إذ أعلن السجناء العصيان وصاحبه أحداث شغب في أواخر أكتوبر الماضي، أعقبه في مطلع نوفمبر الجاري حالة تمرد، تطورت إلى محاولة الهروب بعد تمكن عدد من السجناء فتح الزنازين قبل تدخل قوات أمريكية للسيطرة على الوضع، وفقاً لتقارير صحفية، بما يشير إلى عدم إحكام السيطرة على هذا السجن تماماً، وهي فرصة قد يجدها التنظيم سانحة من ناحية أن تنفيذ هجوم منظم ومخطط على الحواجز الأمنية في محيط السجن قد يُسهل من عملية هروب السجناء.

2- تصاعد عملياتي باتجاه مناطق الإدارة الذاتية: ينشط تنظيم “داعش” بمنطقة البادية السورية في صورة خلايا ومفارز أمنية تكثف عملياتها باتجاه مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، التي تسيطر على مقاتلي التنظيم وعددهم بين (10 آلاف – 12 ألفاً)، وفقاً لتقديرات أممية. وقد يهدف التنظيم إلى خلق حالة من عدم الاستقرار في تلك المناطق، لتنفيذ عمليات هجوم على السجون التي تحتجز عناصره، إلى جانب أهداف أخرى، فمثلاً أعلن التنظيم أكثر من مرة خلال الشهر الجاري استهداف قوات تتبع الإدارة الذاتية في هجمات وكمائن بنحو 11 عملية، مقارنة بعمليات محدودة لاستهداف قوات الجيش السوري، وفقاً لما أعلنته حسابات لعناصر التنظيم على تطبيق “تليجرام”.

3- استهداف مخيم الهول: لم تكن محاولة اقتحام سجن الصناعة الأولى من نوعها في مخططات التنظيم لتحرير عناصره، ولكن سبقتها محاولة لتهريب عائلات عناصره في مخيم الهول، مطلع الشهر الجاري، في هجوم محدود، وفقاً لتقارير محلية. وسبق لخلايا التنظيم تنفيذ هجوم، في أغسطس 2020، على أحد الارتكازات الأمنية في محيط المخيم، وسقط على إثره ثلاثة قتلى و11 مصاباً من القوات المكلفة بحماية المخيم، الذي يضم ما يربو على 60 ألفاً من عائلات عناصر “داعش”، وفقاً لتقارير أممية.

4- انتظار نافذة الفرصة المناسبة: يمكن تفسير نشاط تنظيم “داعش” أخيراً باتجاه محاولة تحرير عناصره عبر عمليات التخطيط لاقتحام أحد السجون، في ضوء انتظار فرصة مناسبة تمكنه من ذلك، وربما كانت خلايا التنظيم تترقب تنفيذ تركيا عملية عسكرية في الشمال السوري تجاه مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، قبل تزايد المؤشرات على تجميدها مؤقتاً، وتمثل العملية العسكرية التركية حال تنفيذها فرصة مناسبة لتنفيذ مخططات اقتحام السجون، لاعتبارات انشغال الإدارة الذاتية بمواجهة القوات التركية والمليشيات المتحالفة معها، إذ حاولت تلك الخلايا تنفيذ عمليات للهجوم على سجون تحتجز عناصر “داعش” خلال العملية العسكرية التركية عام 2019، وحينها نوهت الإدارة الذاتية إلى تمكّن 780 سجيناً من الفرار من مكان احتجاز بالقرب من عين عيسى شمال الرقة.

خمسة دوافع

في ضوء مؤشرات محاولات تنظيم “داعش” للتخطيط لاقتحام سجون لتحرير عناصره، وتنفيذ هجمات خاطفة على مواقع بعض السجون، يمكن تحديد أبرز الدوافع كالتالي:

1- إرسال دعوات تحريضية من قيادة “داعش”: منذ اعتقال الآلاف من عناصر “داعش” عقب السقوط في العراق وسوريا، وحتى طرد عناصر التنظيم من آخر معاقله في الباغوز بسوريا مطلع عام 2019، ولم تتوقف دعوات قيادة التنظيم التحريضية على اقتحام السجون وتحرير عناصره، إذ دعا الزعيم السابق لـ”داعش” أبو بكر البغدادي في كلمته (سبتمبر 2019) وقبل مقتله إلى اقتحام السجون، كما حثت مجلة “النبأ” التابعة للتنظيم على اقتحام السجون مجدداً في افتتاحية عددها رقم 246، في أغسطس 2020، لتحرير عناصر التنظيم، عقب اقتحام فرعه في أفغانستان أحد السجون هناك.

2- الحرص على استمرار التجنيد والتماسك الداخلي: يمكن النظر إلى دفع قيادة “داعش” لأفرعه باتجاه ضرورة تحرير العناصر المحتجزة، في سياق رسالة لكل العناصر بالتأكيد على عدم التخلي عن المحتجزين حالياً أو مستقبلاً، وهنا فإن تلك الرسالة تهدف إلى ثلاثة أمور: أولاً: الحفاظ على التماسك الداخلي، إذ إن عدم الاهتمام بتحرير المحتجزين رسالة سلبية لعناصره الذي يقاتلون في أفرعه المختلفة، فقد يلجأ بعضهم إلى الانشقاق وترك التنظيم تحت وقع الضربات، وبالتالي تقوية الولاءات داخل التنظيم. ثانياً: الحرص على استمرار التجنيد، إذ إن عدم الاهتمام بتحرير المحتجزين قد يمثل خطورة على قدرة التنظيم على استقطاب عناصر جديدة في وقت يحتاج فيه إلى زيادة معدل التجنيد في ضوء الرغبة في تنشيط أفرعه وخلاياه. ثالثاً: التأكد من عدم تغيير العناصر المحتجزة للولاء للتنظيم خلال مدة احتجازهم، من خلال محاولات مستمرة لتحريرهم، إذ سبق وأعلنت بعض قيادات التنظيم التراجع عن أفكار “داعش”، مثل والي حماة أبو حمزة المصري، المحتجز في سجون هيئة تحرير الشام.

3- دعم التمرد المسلح مع خصوصية حالة سوريا: تنطلق التحذيرات الغربية من حين إلى آخر من خطورة محاولات تنظيم “داعش” اقتحام السجون في الدول التي ينشط فيها، بما يمثل ذلك فرصة لدعم التمرد المسلح، ويمكن فهم ذلك في سياق تحذيرات أكثر حدة من نجاح هذه المخططات بسوريا في ضوء خصوصية الحالة، في ضوء اعتبارين؛ أولهما: تمثل سجون احتجاز عناصر “داعش” شمال شرق سوريا، أكبر تجمع للعناصر المتطرفة في العالم، وبالتالي فإن تحريرهم سيمنح التنظيم قدرة كبيرة على توسيع دائرة عملياته، وربما السيطرة على مناطق أكبر مستقبلاً. ثانيهما: يبدو أنه لا سبيل لتنظيم “داعش” من أجل تنشيط خلاياه في سوريا سوى تحرير عناصره المحتجزة، خلافاً لباقي أفرع التنظيم في دول أخرى، نظراً لعدم القدرة على استقدام عناصر من الخارج مثلما كان الحال بداية من الثورة السورية والاضطرابات المتلاحقة، فضلاً عن ضعف عمليات التجنيد في الداخل السوري بالصورة التي تمكنه من بسط نفوذ كبير.

4- احتواء السجون على عناصر مدربة: يسعى تنظيم “داعش” إلى ترتيب أوراقه واستعادة نشاطه بشكل موسع في سوريا، وتمركزت خلاياه في البادية السورية، وهي منطقة كبيرة يمكن الانطلاق منها باتجاه مختلف المناطق السورية، وتحتاج إلى زيادة عدد عناصر التنظيم في مخطط إعادة التموضع على الساحة هناك، وبالتالي فإن الهجوم على السجون وتحرير عناصره يمثل نقطة قوة باعتبار أن المحتجزين هم بالفعل عناصر مدربة وجاهزة للقتال، وهو ما يخدم مخططات “داعش” في توسيع رقعة عملياته بشكل أسرع من الاعتماد على تجنيد عناصر جديدة وتدريبها حال نجح في ذلك. وهنا يمكن ملاحظة تركيز تنظيم “داعش” على التخطيط لاقتحام سجن الصناعة، الذي يمثل أزمة شديدة لناحية الاضطرابات الداخلية فيه وتلاحق محاولات الهروب منه.

5- الاستفادة من عمليات التجنيد داخل السجون: تحتوي السجون بخلاف عناصر شاركت في عمليات التنظيم قبل معركة الباغوز، على أفراد يُشتبه في ولائهم لتنظيم “داعش”، وفي ظل عدم القدرة على التصنيف بصورة دقيقة وما يتصل بفصل العناصر عن بعضها بعضاً فإن الاختلاط بين عناصر تكفيرية وأخرى مشتبه بها يمكن أن يؤدي إلى انتشار موسع لأفكار التكفير واستقطاب عناصر جديدة للتنظيم بالصورة التي تجعل من هروب العناصر المشتبه بها جنباً إلى جنب مع عناصر التنظيم نقطة قوة أخرى للتنظيم.

معضلة متفاقمة

وعلى الرغم من عدم قدرة تنظيم “داعش” على تنفيذ مخططات كبيرة للهجوم على سجون في شمال شرق سوريا، بفعل إحباط القوات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية بعض من هذه المخططات، إلا أنّ هذا لا يمنع من استمرار المحاولات التي قد تؤدي إلى عمليات هروب بعض من عناصره في كل مرة، في ظل استمرار الوضع القائم لهذه السجون ومخيمات عائلات “داعش”، والتي باتت معضلة متفاقمة في ظل عدم قدرة الإدارة الذاتية على السيطرة الكاملة مع تصاعد عمليات “داعش”، ورؤية الولايات المتحدة الانسحاب العسكري من الشرق الأوسط، وعدم التوصل لحل للتعامل مع السجناء، وعدم توافر القدرة على تنظيم محاكمات لهم أو ترحيل غير السوريين إلى دولهم التي ترفض استقبالهم.