تعزيز النفوذ:
لماذا يستهدف “داعش” قيادات خصومه؟

تعزيز النفوذ:

لماذا يستهدف “داعش” قيادات خصومه؟



اتبع تنظيم “داعش”، خلال العام الجاري، نمطاً جديداً من التكتيكات العملياتية، عبر التركيز على استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية والمتطرفة المنافسة له في نطاق عمليات وسيطرة التنظيم، حيث تمكن “داعش”، في الأشهر الماضية، من استهداف العديد من هذه القيادات، ومنها أبو بكر شيكاو زعيم تنظيم “بوكو حرام” الذي أعلن مقتله في 6 يونيو الماضي، في سياق العملية التي تمكن “داعش” من خلالها من فرض سيطرته على ما تبقى من تنظيم “بوكو حرام”، حيث أعلن الأخير، بعد أيام من مقتل شيكاو، البيعة للأول عبر بث فيديو، وهو الأمر نفسه الذي تكرر في محاولة تنظيم “داعش خراسان” قتل قيادات حركة “طالبان” في 3 أكتوبر الجاري، عندما استهدف جنازة والدة المتحدث الرسمي للحركة ذبيح الله مجاهد، عبر هجوم انتحاري أمام بوابات مسجد “العيدجة” وسط العاصمة كابول، والذي يعتبر الأعنف من قبل “داعش” تجاه “طالبان”، وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول أسباب حرص تنظيم “داعش” على استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية المنافسة خلال المرحلة الجارية.

دوافع مختلفة

يمكن تفسير تركيز تنظيم “داعش” على استهداف قيادات التنظيمات المنافسة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تبني تكتيك “الاستحواذ الجهادي”: يتبع تنظيم “داعش”، خلال المرحل الجارية، ما يسمى بتكتيك “الاستحواذ الجهادي” الذي يعتمد على تقويض نفوذ التنظيمات الإرهابية المنافسة في نطاق عمليات التنظيم، باستخدام آلية قتل قياداتها، على نحو يمكن أن يدفع عناصر هذه التنظيمات إلى الاستسلام لتنظيم “داعش” أو الهروب من نطاق سيطرته “الجغرافية، ما يعني تكريس هيمنة “داعش” على مجمل التنظيمات الإرهابية الفاعلة والنشطة في الإقليم.

2- إعادة التمكين والسيطرة الجغرافية: مع انهيار المشروع الذي سعى “داعش” إلى تنفيذه، وفقدانه العديد من مناطق السيطرة التي سبق أن تمكن من اجتياحها، بدأ التنظيم في محاولة إعادة السيطرة على بعض تلك المناطق المفقودة، أو المناطق التي تمكنت تنظيمات إرهابية أخرى من السيطرة عليها، وبشكل خاص في الصومال وأفغانستان، عبر تكثيف العمليات الإرهابية ضد قياداتها في محاولة لإضعافها وتعزيز قدرته على تفعيل ما يطلق عليه “إعادة التمكين والسيطرة الجغرافية”.

3- الانخراط في الحروب البينية: بدأ تنظيم “داعش”، خلال المرحلة التي أعقبت مقتل قائده السابق أبو بكر البغدادي في 27 أكتوبر 2019، وتولي أبو إبراهيم القرشي قيادته، في إعادة صياغة استراتيجية القتال والعمليات الإرهابية، حيث اتجه إلى توسيع نطاق الأطراف المستهدفة، عبر التركيز على التنظيمات الإرهابية الأخرى، وهو ما يأتي في سياق ما يسمى بـ”الحروب البينية”، التي ترتبط بالاستراتيجية الجديدة التي يتبعها التنظيم.

4- توجيه رسائل للقوى الدولية: يسعى “داعش” عبر استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية المنافسة، وتعزيز سيطرته على المناطق التي كانت تتواجد فيها، إلى توجيه رسائل للقوى الدولية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، مفادها أنه رغم كل الهزائم والضربات التي تعرض لها التنظيم، فإنه ما زال الأكثر تأثيراً ونفوذاً مقارنة بمجمل التنظيمات الإرهابية الأخرى.

وبعبارة أخرى، فإن التنظيم يحاول الترويج إلى أن عمليات استهداف قياداته، لاسيما أبو بكر البغدادي، لم تُضعِف من قدراته أو تؤثر على تماسكه، حيث تمكن خلال العام الجاري من السيطرة الفعلية علي مجمل العمليات الإرهابية التي تقع في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية، بعد توقف العمليات الإرهابية للمجموعات التابعة لتنظيم “القاعدة” (“القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، و”نصرة الإسلام والمسلمين”)، لدرجة أصبحت معها ساحة العمل التكفيري في منطقة الساحل “داعشية” بامتياز، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال رصد العمليات الإرهابية للتنظيم التي وقعت في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية منذ يناير الماضي وحتى الأول من أكتوبر الجاري، والتي وصلت- حسب بعض التقديرات- إلى ما يقرب من 448 عملية إرهابية، استهدفت أطرافاً عديدة منها قوات الأمن في دول المنطقة، والقوات الفرنسية المتمركزة فيها.

5- تجنيد عناصر إرهابية مُدرَّبة: تراجعت قدرة تنظيم “داعش” على ضم مزيد من العناصر الإرهابية منذ سقوط الباغوز في سوريا في مارس 2019، وبشكل خاص على مستوى العناصر الإرهابية التي تمتلك خبرة عسكرية وتنظيمية، وذلك نتيجة نجاح القوى المناوئة له في استهداف العديد من قياداته وكوادره خلال عامى 2020 و2021، وهو ما فرض تداعيات مباشرة وغير مباشرة على التنظيم دفعته إلى الاعتماد على العمليات الإرهابية الأوّلية التي تعتمد على استخدام العبوات الناسفة أو القنص، في محاولة للحفاظ على تماسكه التنظيمي، ومن ثم يكتسب ضم عناصر إرهابية مُدرَّبة من تنظيمات إرهابية أخرى أهمية خاصة من جانب التنظيم الذي يحاول من خلال ذلك رفع مستوى عملياته الإرهابية، ويرى أن ذلك يمكن أن يتحقق عبر القضاء على قيادات التنظيمات الإرهابية المنافسة.

6- تقليص احتمالات الانشقاقات المضادة: مع مقتل البغدادي، في 27 أكتوبر 2019، بدأ تنظيم “القاعدة” في محاولة استقطاب العديد من عناصر ومقاتلي تنظيم “داعش” استغلالاً لحالة التشتت والهزيمة التي تعرض لها في أعقاب سقوط مشروعه، ومن ثم سعى الأخير عبر محاولة استهداف قيادات حركة “طالبان” وقتل العديد من قيادات تنظيم “القاعدة” في بعض دول الإقليم، إلى منع حدوث استقطاب عكسي من قبل التنظيمين لعناصره ومقاتليه.ومن دون شك، فإن قدرة “داعش” على تعزيز تماسكه في مواجهة التنظيمات المنافسة تزيد من احتمالات انضمام عناصر جديدة له من هذه التنظيمات، التي سوف ترى في هذه الحالة أن الأخير نجح في تصدر خريطة التنظيمات الإرهابية على مستوى المنطقة.

7- التركيز على المنطلقات العقائدية: تعتبر المنطلقات العقائدية إحدى أهم المحاور التي  تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية، وبشكل خاص تنظيم “داعش”، الذي يحاول الترويج لما يسمى بـ”الاستعلاء بالإيمان”، وهو أحد المنطلقات السبعة للتنظيمات الإرهابية، حيث يسعى “داعش” عبر استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية والمتطرفة المنافسة، والتي يصفها بـ”المنحرفين الضالين” و”المرتدين”، إلى إثبات بطلان عقيدة تلك التنظيمات. وقد عبّر “داعش” عن ذلك بالفعل في رسالته في العدد 291 من جريدة “النبأ” في 17 يونيو الماضي، والتي جاءت تحت عنوان “الانسحاب الأمريكي من خراسان”، حيث كشف التنظيم عن اتجاهه إلى تكثيف عملياته ضد حركة “طالبان” وتنظيم “القاعدة”، بالتوازي مع إصدار تعليمات لعناصره بالعمل على تحقيق مزيد من الاستحواذ الجغرافي، لتأكيد أنه الأكثر قدرة وتأثيراً على المستويين التنظيمي والعقائدي.

في المجمل، يمكن القول إن تنظيم “داعش” قد يواصل تبني تكتيك استهداف قيادات التنظيمات الإرهابية المنافسة، لاسيما لتأكيد قدرته على مواجهة الضغوط والضربات التي يتعرض لها في أكثر من دولة بالإقليم، والتي ربما تتصاعد حدتها في المرحلة القادمة.