أهداف متعددة:
لماذا يركز “داعش” على مدن محددة بالعراق وسوريا؟

أهداف متعددة:

لماذا يركز “داعش” على مدن محددة بالعراق وسوريا؟



على مدار الأسابيع الماضية، بدأ تنظيم “داعش” في التركيز على بعض المدن داخل كل من العراق وسوريا، لاسيما مدينتى كركوك ودير الزور، حيث تمكن التنظيم من تنفيذ عمليات إرهابية نوعية بالمدينة الأولى، كان آخرها في 5 سبتمبر الجاري، عبر الهجوم على نقطة تفتيش تابعة للشرطة الاتحادية، على نحو أسفر عن مقتل 13 عنصراً أمنياً من قوات الشرطة العراقية وإصابة العشرات، وهو الهجوم الأعنف الذي يقوم التنظيم بتنفيذه منذ شهور عديدة. وقبلها، قام “داعش” بشن هجوم ضد قوات النظام السوري في المدينة الثانية، في 27 أغسطس الفائت، بشكل أدى إلى مقتل 7 من عناصر النظام، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب تركيز “داعش” على مدن محددة داخل العراق وسوريا خلال المرحلة الحالية.

اعتبارات مختلفة

يمكن تفسير تركيز “داعش” على شن عمليات إرهابية داخل مدينتى كركوك ودير الزور في هذه المرحلة، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- محاولة السيطرة على آبار النفط: مع تراجع مصادر تمويل تنظيم “داعش” خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بدأ التنظيم في البحث عن مصادر للتمويل، ومن هنا سعى إلى إعادة السيطرة على آبار النفط، وهو ما يتوافر في محافظة كركوك، التي يصل إنتاج آبار النفط التي تضمها إلى نحو 370 ألف برميل نفط يومياً حسب بعض التقديرات، على نحو جعلها دوماً محط اهتمام التنظيم، الذي سعى مراراً إلى استهدافها خلال الفترة الماضية كما حدث عندما حاول تنفيذ هجومين إرهابيين على بئرين نفطيين في حقل باى حسن في 18 أبريل الماضي، وهو الدافع الرئيسي نفسه الذي يمكن من خلاله تفسير أسباب تركيز “داعش” على مدينة دير الزور، حيث يحاول التنظيم إعادة السيطرة على آبار النفط بالمدينة والتي كانت تمثل أحد مصادر التمويل الأساسية التي كان يمتلكها. وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن التنظيم كان يحصل على 40 مليون دولار شهرياً من بيع النفط خلال فترة سيطرته على بعض حقول النفط في المدينة لاسيما حقل “العمَر” الذي كان ينتج نحو 80 ألف برميل يومياً. ومن هنا، كان التنظيم حريصاً على وصف المدينة بـ”ولاية الخير” والتي تشمل إلى جانب دير الزور أجزاءاً من الريف الشرقي لمحافظة الرقة.

2- التركيز على المدن المتنازع عليها: يبدى التنظيم اهتماماً خاصاً بالمدن التي تمثل محاور للصراع بين بعض الأطراف التي تمتلك أجنحة مسلحة، على أساس أن ذلك قد يساعده في تعزيز تمدده داخلها، وفي الوقت نفسه يحول دون تكوين تحالفات قوية ضده، على غرار محافظة كركوك التي كانت محلاً للنزاع بين الحكومة المركزية في بغداد وإقليم كردستان، لاسيما بعدما جاءت نتيجة الاستفتاء الذي أجرى في الإقليم، في 25 سبتمبر 2017، لصالح الانفصال عن العراق، حيث اندلعت اشتباكات بين القوات الحكومية وميليشيا “البشمركة” الكردية، انتهت بسيطرة الأولى على كركوك في 20 أكتوبر من العام نفسه.

وقد كان لافتاً في هذا السياق، أن العملية الأخيرة التي أعلن “داعش” مسئوليته عنها في 5 سبتمبر الجاري، أدت إلى نشوب خلاف بين ميليشيا “البشمركة” وبعض المليشيات المسلحة الأخرى، على غرار “كتائب حزب الله”، الموالية لإيران، والتي وجهت اتهامات للأولى بتسهيل حركة وعمل تنظيم “داعش” في البلاد، على نحو دفع وزارة “البشمركة” إلى إدانة تلك الاتهامات، حيث قال مدير عام الإعلام والتوعية الوطنية في الوزارة العميد عثمان محمد أن “هذا اتهام وإجحاف بحق قوات البشمركة”، مضيفاً أن “هذه التصريحات لا تخدم وحدة الصف والتلاحم بين قوات البشمركة والقوات العراقية، ووزارة البشمركة تنفي وتدين ما يقال عن تقديم قواتها تسهيلات لداعش”.

ومن هنا أيضاً، يمكن تفسير أحد أسباب اهتمام التنظيم بمدينة دير الزور، حيث أنها شهدت صراعاً متصاعداً بين بعض المليشيات المسلحة، كما هو الحال بالنسبة للمواجهات التي تندلع باستمرار بين مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد)، ومليشيات موالية لإيران، والتي قامت، في بداية مايو الماضي، بنصب منصات صواريخ في مناطق متفرقة لاستهداف المواقع التابعة للأولى. ويبدو أن “داعش” استغل ذلك في توسيع نطاق عملياته الإرهابية، على نحو وضع مدينة دير الزور- حسب بعض التقديرات- في مقدمة المحافظات السورية في عدد العمليات الإرهابية التي تعرضت لها خلال العام الجاري.

3- إنشاء محور عابر للحدود: يعتبر الخط الذي يربط كلاً من كركوك والموصل ودير الزور أحد طرق الإمداد الرئيسية التي كان يستند إليها تنظيم “داعش” للحصول على دعم عابر للحدود بين كل من العراق وسوريا، من أجل مواصلة عملياته الإرهابية داخل الأخيرة، واحتواء تداعيات الضربات التي توجهها له بعض الأطراف المناوئة، حيث كان يستخدم هذا الممر لتأمين وصول الأسلحة والمعدات والمقاتلين، بهدف تعزيز قدرته على شن مزيد من العمليات الإرهابية النوعية، وتعويض الخسائر المادية والبشرية التي يتعرض لها نتيجة انخراطه في مواجهات على أكثر من جبهة في وقت واحد.

4- تكوين ظهير اجتماعي داعم: كان لافتاً أن التنظيم سعى إلى استغلال التركيبة المذهبية لبعض المناطق التي سيطر عليها في كل من العراق وسوريا، من أجل تكوين ما يمكن تسميته بـ”حزام مذهبي” يتماهى مع المشروع الذي كان يسعى إلى تأسيسه في تلك المناطق. ويحاول التنظيم عبر ذلك تأمين ظهير اجتماعي قوي يستطيع من خلاله استقطاب أكبر عدد ممكن من المتعاطفين معه، وعرقلة الجهود التي تبذلها أجهزة الأمن في تعقب عناصره أو اعتقالهم.

5- محاولة تحرير العناصر المحتجزة: يسعى تنظيم “داعش” من خلال تصعيد حدة عملياته الإرهابية في كل من كركوك ودير الزور، إلى تعزيز قدرته على تحرير عناصره المقبوض عليهم في المدينتين. وقد أشارت اتجاهات عديدة إلى أن حرص التنظيم على تكثيف الضربات التي يوجهها ضد قوات الأمن في المدينتين يمثل تكتيكاً يمكن أن يمهد المجال- في رؤية قياداته- أمام إبرام صفقة محتملة للمقايضة، لاسيما أن تحرير المقاتلين “الدواعش” من قبل التنظيم المركزي يحظى بأهمية خاصة من جانبه، وهو ما تعكسه الرسالة الأخيرة التي وجهها زعيم التنظيم السابق أبوبكر البغدادي- الذي قتل في عملية عسكرية أمريكية في 27 أكتوبر 2019 بمحافظة إدلب السورية- والتي طالب فيها عناصر التنظيم بالتركيز على اقتحام أماكن احتجاز المقاتلين المقبوض عليهم داخل بعض دول الإقليم، وفي مقدمتها سوريا والعراق، وهى الرسالة نفسها التي أعلن عنها المتحدث الرسمي لـ”داعش” المهاجر أبو حمزة القرشي، في آخر خطاب له، والذي ركز فيه على أهمية اقتحام السجون وتهريب العناصر “الداعشية” الموجودة فيها، لاسيما في مدن مثل كركوك والموصل ودير الزور.

اتجاه مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن تنظيم “داعش” ربما يسعى خلال المرحلة القادمة إلى رفع مستوى العمليات الإرهابية التي يقوم بتنفيذها داخل كل من العراق وسوريا، لاسيما في مدن مثل كركوك ودير الزور، حيث يحاول في هذا السياق استغلال بعض التطورات السياسية والميدانية، على غرار اقتراب موعد إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية، وتصاعد حدة المواجهات بين النظام السوري وفصائل المعارضة في درعا، من أجل تحقيق ذلك.