تكريس السيطرة:
لماذا يحاصر تنظيم “القاعدة” منطقة تمبكتو في مالي؟

تكريس السيطرة:

لماذا يحاصر تنظيم “القاعدة” منطقة تمبكتو في مالي؟



يواصل فرع تنظيم “القاعدة” في منطقة الساحل الأفريقي، المعروف بجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، فرض نوع من الحصار على منطقة تمبكتو شمالي مالي، منذ نحو ثلاثة أسابيع، وتحديداً مع بدء المواجهات في بلدة بير، في 11 أغسطس الفائت، وفقاً لما أبلغ عنه مسئولون محليون في تلك المنطقة.

وتتزايد الأزمات الإنسانية بالنسبة للمجتمعات والسكان في منطقة تمبكتو، جراء حصار جماعة “نصرة الإسلام”، إضافة إلى المواجهات المسلحة المتداخلة بين مختلف الأطراف، وتحديداً بين الحركات الأزوادية والجيش المالي والتنظيمات الإرهابية، وتحديداً فرعي تنظيمي “القاعدة” و”داعش”.

سياقات مضطربة

بالنظر إلى اتجاه جماعة “نصرة الإسلام” لفرض هذا الحصار على منطقة تمبكتو، فإن ذلك لا يمكن فصله عن مجمل سياقات وتطورات الوضع في مالي، ومنطقة الساحل بشكل عام، وتتمثل أبرز مؤشراتها في:

1- تصاعد المواجهات بين “داعش” و”القاعدة”: منذ عام 2022، يمكن ملاحظة تصاعد حدة المواجهات بين فرع تنظيم “داعش” المعروف بـ”ولاية الساحل”، وفرع تنظيم “القاعدة” المعروف بجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، بعد إعادة هيكلة الأول.

وقد اتجه تنظيم “ولاية الساحل” إلى تنفيذ عمليات منسقة لاستهداف عناصر “نصرة الإسلام” في مناطق سيطرتهم ومعاقلهم الرئيسية في شرق وشمال مالي، اعتماداً على النشاط العملياتي والتمركز على جانبي الحدود بين مالي والنيجر، إضافة إلى النشاط العملياتي باتجاه بوركينافاسو، مع التركيز على استهداف العناصر التابعين لفرع “القاعدة” هناك أيضاً.

2- استمرار التوتر بين السلطة الانتقالية والحركات الأزوادية: قبل منتصف شهر أغسطس الفائت، اتسع نطاق التوتر بين السلطة الانتقالية في مالي، التي جاءت عقب الانقلاب العسكري، وبين الحركات الأزوادية، خاصةً مع انسحاب ممثلي “تنسيقية الحركات الأزوادية” من العاصمة المالية، نظراً لأن الأوضاع الأمنية غير مهيأة.

وكان انسحاب ممثلي “تنسيقية الحركات الأزوادية” أحد انعكاسات توتر العلاقات المستمرة منذ العام الفائت، عقب اتهامها للسلطة الانتقالية بعرقلة تنفيذ بنود اتفاق السلام الموقع برعاية جزائرية عام 2015، إضافة إلى أن الخطوة تزامنت مع اندلاع مواجهات بين الجيش المالي وبين مجموعات مسلحة تابعة للحركات الأزوادية في بلدة بير بمنطقة تمبكتو، في 11 أغسطس الفائت.

3- تفاقم الاضطرابات بعد انقلاب النيجر: سعت التنظيمات الإرهابية إلى محاولة توظيف الأوضاع المضطربة التي فرضها انقلاب النيجر، لتوسيع مساحة النفوذ والسيطرة داخل الأخيرة، في ضوء الانشغال بتأمين الوضع الداخلي، وتحديداً في العاصمة، والتأهب لمواجهة أي تدخل عسكري محتمل لمجموعة “إيكواس”.

وهنا، فإنه من المحتمل أيضاً أن تستغل التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل، وتحديداً فرعي تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، محاولات التوسع في النيجر، من أجل توفير ملاذات يمكن الانطلاق منها للتوسع بشكل أكبر في مالي، وهو ما يتعلق بفرع “داعش” على وجه التحديد، الذي يسعى للسيطرة على مناطق نفوذ وسيطرة فرع “القاعدة”، في شمال مالي.

وترتبط تداعيات الانقلاب العسكري، في أحد جوانبها المحتملة، بزيادة دائرة العنف في منطقة الساحل خلال الفترة المقبلة، بما يضاعف من التهديدات الأمنية المباشرة بالنسبة لدول مالي والنيجر وبوركينافاسو، وامتداد هذه التداعيات إلى دول الجوار لها، خاصة مع اتجاه التنظيمات الإرهابية إلى توسيع النشاط العملياتي إلى دول خليج غينيا، بغض النظر عن الهدف المرحلي لهذا التوسع.

أهداف عديدة

تسعى جماعة “نصرة الإسلام” عبر السيطرة على منطقة تمبكتو إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تعزيز النفوذ في مناطق شمال مالي: تهدف الجماعة بشكل رئيسي جراء الحصار المفروض على تمبكتو، إلى تأمين مناطق النفوذ والسيطرة في شمال مالي خلال الفترة المقبلة، وتعويض المساحات التي فقدتها منذ عام 2022، لصالح فرع تنظيم “داعش”، خاصة وأن تقريراً حديثاً لخبراء الأمم المتحدة أظهر أن “ولاية الساحل” تمكنت من مضاعفة المساحات التي كانت تحت سيطرتها في مالي، خلال أقل من عام واحد.

كما أنها تسعى لتأمين مناطق النفوذ التقليدية من محاولات تقدم للجيش المالي مدعوم بعناصر من مجموعة “فاجنر” الروسية، بما يؤدي إلى فقدان مساحات إضافية ضمن مناطق سيطرتها، خاصة أن هذا الحصار تزامن مع مواجهات بين الحركات الأزوادية والجيش المالي في بلدة بير في تمبكتو.

2- استغلال المواجهات بين الجيش والحركات الأزوادية: يمكن النظر إلى الحصار المفروض من قبل فرع “القاعدة” في سياق استغلال التوتر بين الحركات الأزوادية والجيش المالي، والذي تحول إلى مواجهات في بير –كما سبقت الإشارة- لصالح التنظيم، ومحاولة تصدر المشهد في شمال مالي خلال الفترة المقبلة.

إذ أعلنت الجماعة استهداف الجيش ومجموعة “فاجنر” من خلال نصب كمين لرتل عسكري، في بلدة بير بمنطقة تمبكتو في 20 أغسطس الفائت، في أعقاب المواجهات بين الجيش والحركات الأزوادية، إذ يسعى التنظيم لاستغلال التوتر في شمال مالي لزيادة معدل استهداف الجيش المالي، والتصدي لأية محاولات لتعزيز قدرة الجيش على الوصول إلى شمال مالي.

3- تصدير الدفاع عن المجتمعات المحلية شمالاً: بالنظر إلى استراتيجية جماعة “نصرة الإسلام” في محاولة تصدير الدفاع عن المجتمعات في شمال مالي على مدار سنوات ماضية، من خلال التشبيك مع المجتمعات المحلية، في ظل غياب دور الحكومة المركزية؛ فإن مسألة الحصار المفروض على تمبكتو تأتي في سياق دعائي لمواجهة تحركات الجيش المالي شمالاً.

ويتضح هذا من خلال بيان الجماعة، في 21 أغسطس الفائت، الذي أشار إلى مواجهة الجيش المالي وعناصر “فاجنر”، واتهامهم بارتكاب عمليات قتل واعتقالات، واقتحام البلدات والقرى.

وعلى الرغم من المحاولات الدعائية لفرع “القاعدة”، فإن ثمة نتائج عكسية تتمثل في تداعيات هذا الحصار على توفير الاحتياجات الأساسية في منطقة تمبكتو، مع عدم قدرة شاحنات الوقود على الوصول إلى المنطقة، إضافة إلى منع مسار الشاحنات من موريتانيا إلى تمبكتو، بما يشكل ضغوطاً على السكان في المنطقة، وتحديداً مع نقص المواد الغذائية، وفقاً لروايات مسئولين محليين في تمبكتو.

4- ملء الفراغ بعد انسحاب قوات حفظ السلام: يبرز في سياق الأزمات التي تتصاعد حدتها في شمال مالي، أن حصار “نصرة الإسلام” لمنطقة تمبكتو يأتي في ظل صراع متعدد الأطراف على القواعد العسكرية التي كانت تستغلها قوات حفظ السلام الأممية، من أجل استخدام تلك القواعد والسيطرة عليها، وعدم منح الجيش المالي فرصة لاستعادتها، في أعقاب بدء مراحل انسحاب قوات حفظ السلام.

وأدى هذا الصراع المحتد، الذي كان سبباً في تصاعد التوتر والاشتباكات في تمبكتو بداية من شهر أغسطس الفائت، وحتى مطلع شهر سبتمبر الجاري، إلى إعلان البعثة الأممية صعوبة تنفيذ المرحلة الثانية من عملية الانسحاب، بعد أن لجأت إلى تسريع وتيرة الانسحاب في أعقاب المواجهات التي اندلعت في بلدة بير.

ولم يتوقف الصراع في تمبكتو على سيطرة الجيش المالي على القاعدة العسكرية فيها، إذ أعلنت جماعة “نصرة الإسلام” استهداف مطار تمبكتو العسكري بعمليات قصف، في 20 أغسطس الفائت، حيث يتحصن فيه الجيش المالي وعناصر “فاجنر”.

صراع الشمال

في ظل التوتر والصراع والمواجهات المتداخلة بشمال مالي خلال الفترة الماضية، بين الجيش المالي مدعوماً من عناصر “فاجنر” والحركات الأزوادية من جانب، وجماعة “نصرة الإسلام” من جانب آخر، إضافة إلى الصراع بين الجماعة وفرع تنظيم “داعش”؛ فإنه يتوقع استمرار الاضطرابات والاشتباكات خلال الفترة المقبلة.

وهنا، فإن الصراع المتعدد الأطراف في شمال مالي يفتح الباب أمام مختلف السيناريوهات التصعيدية، بما ينعكس سلباً على المجتمعات المحلية، التي لجأ بعضها إلى النزوح الداخلي باتجاه الحدود مع الجزائر خلال الأشهر القليلة الماضية، هرباً من هجمات فرع “داعش”، بما يزيد من التحديات الأمنية التي تواجهها الجزائر.