التفكيك الذكي:
لماذا يتم استهداف الجيل المؤسس لتنظيم “داعش”؟

التفكيك الذكي:

لماذا يتم استهداف الجيل المؤسس لتنظيم “داعش”؟



جاء إعلان خبر القبض على الإرهابي “سامي جاسم الجبوري”، مسؤول المالية بالتنظيم، ونائب زعيم التنظيم السابق “أبو بكر البغدادي”، من قبل قوات الأمن العراقية في عملية نوعية خارج الحدود العراقية، ليكشف عن إحدى أهم العمليات النوعية ضد قيادات تنظيم داعش منذ مقتل زعيم التنظيم “أبو بكر البغدادي” والمتحدث الرسمي “أبو حسن المهاجر” في أكتوبر 2019. فمنذ تأسيس تنظيم داعش عام 2014، ضم التنظيم نحو 48 قيادة مؤسسة لما يُسمى “تنظيم الدولة” داعش، وخلال السنوات السبع الماضية تمكّنت قوات الأمن بدول الإقليم والتحالف الدولي لمكافحة داعش من قتل والقبض على ما يقرب من 45 عنصراً من قيادات الجيل المؤسس للتنظيم.

وهكذا طرح الإعلان عن اعتقال “سامي الجبوري” العديد من التساؤلات حول دوافع التركيز على استهداف قيادات تنظيم داعش من المؤسسين؟ ومن تبقى من الرعيل المؤسس لتنظيم داعش بعد القبض على نائب البغدادي “الجبوري”؟.

من هو “سامي الجبوري”؟

يُعد “الجبوري” أحد أهم قيادات تنظيم داعش، والذي يعتبر من الرعيل الأول للتنظيم، وأحد مؤسسي التنظيم بعد فك الارتباط والبيعة مع تنظيم القاعدة في عام 2014. ويكنى “سامي جاسم محمد جعاطة العجوز الجبوري”، بالعديد من الأسماء، ومنها “أبو آسيا” و”أبو عبدالقادر الزبيدي”، ويُعتبر أحد أقدم العناصر في تنظيم داعش وأحد قيادات تنظيم القاعدة في العراق “تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين”.

وقد تولّى “الجبوري” منصب نائب مسؤول التنظيم في الموصل 2014، ومسؤول مالية وخزانة التنظيم، ومهندس المعاملات المالية للتنظيم مع أطراف خارجية عبر مبيعات النفط أثناء سيطرة التنظيم على آبار النفط في العراق وسوريا في الفترة ما بين 2015 إلى 2019، وتمّ وضعه على لائحة الإرهاب الأمريكية في سبتمبر 2015، مع رصد وزارة الخزانة الأمريكية مكافأة قدرها 5 ملايين دولار مقابل الإدلاء بمعلومات تكشف عن موقعه في أغسطس 2019.

غياب المؤسسين

مع إعلان نشأة تنظيم “الدولة” داعش في العراق وسوريا عام 2014، شكل “البغدادي” قيادة مركزية للتنظيم تضم ما يقرب من 48 عنصراً يُعتبرون من الجيل المؤسس للتنظيم، ومنهم الإرهابي “سامي الجبوري”، وخلال السنوات السبع من عمر التنظيم تمكنت أجهزة الأمن العراقية والسورية وروسيا والتحالف الدولي لمكافحة داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من قتل والقبض على ما يقرب من 45 قيادة من مؤسسي التنظيم الذين كانوا يتبوؤون قيادة المناصب المختلفة بالتنظيم وأصحاب الأدوار الرئيسية في استمرار ونشأة التنظيم، وكانت البداية بمقتل “عدنان إسماعيل الدليمي” المعروف باسم “أبو عبدالرحمن البيلاوي”، وكان مسؤولاً عما يسمى بالمجلس العسكري، على يد القوات العراقية عام 2014.

وتبعه مقتل “عبدالرحمن القادولي”، واسمه الحركي “أبو علاء العفري”، الذي كان يشغل منصب نائب زعيم تنظيم داعش السابق “أبو بكر البغدادي”، في عملية نوعية نفذتها قوات الأمن العراقية في عام 2015. وفي العام نفسه تمكّن التحالف الدولي لمكافحة داعش من قتل الإرهابي “فاضل أحمد عبدالله الحيالي”، الذي حمل العديد من الأسماء المستعارة ومنها: “أبو معتز القرشي”، و”أبو مسلم التركماني”، و”الحاج معتز”، وكان يعتبر أحد أهم قيادات التنظيم، خاصة أنه كان المسؤول عن وضع خطط الاستيلاء على مدن الموصل وكركوك وأغلب مدن العراق وسوريا.

وخلال عام 2016 استمرت عمليات استهداف قيادات التنظيم، حيث قُتل الإرهابي “شاكر أبو وهيب الفهداوي الدليمي” في مدينة الأنبار العراقية من قبل التحالف الدولي لمكافحة داعش، كما قُتل القائد العسكري والمسؤول عن التدريب والتسليح بالتنظيم “أبو عمر الشيشاني”، واسمه الحقيقي “طرخان باتير شفيلي”. كما تم الإعلان في العام ذاته عن مقتل “هاشم نصيف جاسم الحيالي”، الذي كان مساعداً لزعيم التنظيم آنذاك.

وشهد عام 2016 أيضاً مقتل ثاني أهم قيادات التنظيم بعد “أبو بكر البغدادي”، وهو المتحدث الرسمي الأول للتنظيم وأحد أهم قيادات التنظيم الإعلامية “أبو محمد العدناني”، واسمه الحقيقي “طه صبحي فلاحة”، عبر قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش في أغسطس 2016 بمدينة حلب السورية. وخلال عام 2017، تم الإعلان عن مقتل قيادات رئيسية في التنظيم على غرار وزير الحربية في التنظيم “إياد حامد الجميلي” (المعروف أيضاً باسم أبو يحيى)، و”عبدالواحد خضير ساير الجوعان” (المعروف أيضاً باسم أبو لؤي).

وكان مقتل “أبو بكر البغدادي” زعيم ومؤسس التنظيم في أكتوبر 2019، بجانب المتحدث الرسمي “أبو حسن المهاجر”، من أهم العمليات النوعية في تصفية قيادات ورموز التنظيم. وبخلاف القضاء على هذه القيادات، تمكّنت قوات الأمن العراقية من القبض على العديد من قيادات تنظيم داعش من الرعيل المؤسس ومنهم “إسماعيل العيثاوي”، نائب “أبو بكر البغدادي”، والذي حكم عليه بالإعدام في العراق في سبتمبر 2018، و”شعبان ناصر أرزيك حمادي” أحد أبرز القيادات العسكرية في التنظيم، والذي اعتُقل قبل مقتل “البغدادي” بشهرين في أغسطس 2019.

وبعد مقتل والقبض على ما يقرب من 46 قيادة من مؤسسي التنظيم تبقى اسمان من الرعيل الأول المؤسس وهما: قائد التنظيم الحالي “أمير محمد سعيد عبدالرحمن المولى” المكنى “أبو إبراهيم القرشي”، و”معتز نومان عبدنايف نجم الجبوري”، المسؤول العسكري الذي يُعتبر وزير الحرب ومسؤول صناعة العبوات الناسفة والسيارات المفخخة بتنظيم داعش.

دوافع رئيسية

يرتبط استهداف القيادات المؤسسة لتنظيم داعش بعدد من الدوافع الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- الحد من تنامي نشاط التنظيم المركزي: تشكل استراتيجية تصفية القيادات المؤسسة للتنظيمات الإرهابية أداة رئيسية لوقف تنامي نشاط عمليات التنظيم، وهو ما حدث مع قتل “أسامة بن لادن” والعديد من قيادات تنظيم القاعدة المركزي، والذي أدى إلى تراجع أداء التنظيم، ومن ثم يساعد قتل العناصر المؤسسة لتنظيم داعش في الضغط على التنظيم المركزي للحد من تنامي نشاطه ووقف توسع عملياته الإرهابية.

2- تراجع التأثير الدولي لداعش: حيث لا يقتصر تأثير استهداف قيادات داعش على قدرات ونشاط التنظيم المركزي، ولكنه يفضي إلى تقويض النموذج “الإرهابي العالمي” الذي يمثله التنظيم، وهو ما يساعد على إضعاف أفرع التنظيم المنتشرة بدول العالم، والتي تقترب من 16 فرعاً تمتد من منطقة الساحل الإفريقي وصولاً إلى الهند وجنوب آسيا.

3- القضاء على مركزية المشروع: ينطلق تنظيم داعش من فكرة مركزية تعتمد على “حلم الخلافة” وهي الفكرة التي عمل التنظيم على تنفيذها عبر إنشاء ما يُسمى “دولة الخلافة الداعشية” في العراق وسوريا. ومع مقتل القيادات المؤسِّسة للتنظيم تتراجع الفكرة لصالح “جماعة داعش”، أي إن القضاء على قيادات الجيل المؤسس يدفع التنظيم لإعادة النظر في مشروع الدولة والعودة لمشروع الجماعة، وهو الأقل تأثيراً على أمن الدول.

4- التأكيد على دور الدولة المركزية: فقد نجح تنظيم داعش خلال السنوات الخمس الأولى من عمره التنظيمي (2014-2019)، من تحقيق سيطرة على مساحات جغرافية شاسعة، بالإضافة إلى تنوع عملياته الإرهابية، سواء في المنطقة العربية أو بالداخل الأوروبي والأمريكي، وهو الأمر الذي أدى إلى إضعاف الصورة الذهنية لمفهوم الدولة المركزية. وعليه، يمكن أن يساعد استهداف قيادات التنظيم، وبشكل رئيسي المؤسسين للتنظيم، على إعادة بناء الصورة الذهنية الخاصة بقوة الدول المركزية.

5- منع تكرار النموذج الداعشي: يُعتبر نجاح الدول في القضاء على مؤسسي تنظيم داعش أداة لتقويض أي محاولة لتكرار النموذج الداعشي القائم على فكرة بناء ما يسمى “الخلافة”، وهو التصور الذي ساعد التنظيم على الانتشار الجغرافي والتنامي في استقطاب عناصر ومقاتلين من مختلف الجنسيات، والتي وصلت إلى ما يقرب من (82) جنسية، ومن ثم فإن تكتيك التصفية للقيادات يؤدي إلى تراجع أثر هذا المشروع ومنع تكراره في المدى القريب.