استهداف مزدوج:
لماذا يتعرض تنظيم “حراس الدين” بسوريا لضغوط داخلية وخارجية؟

استهداف مزدوج:

لماذا يتعرض تنظيم “حراس الدين” بسوريا لضغوط داخلية وخارجية؟



على الرغم من محدودية نشاط تنظيم “حراس الدين” – الموالي لتنظيم “القاعدة” – على الساحة السورية، إلا أن العديد من القوى الدولية فضلاً عن الأطراف المحلية، تواصل محاولات استهدافه، عبر التركيز على تصفية قياداته وتحجيم نشاطه. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 11 أبريل الجاري، عن إدراج القيادي البارز في “حراس الدين”، والمدعو سامي العريدي، على قائمتها للأشخاص الإرهابيين، مع رصد مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو التعرف عليه. وشن التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، في 25 فبراير الماضي، هجوماً أدى إلى مقتل اثنين من قياداته. وتوازى ذلك مع قيام “هيئة تحرير الشام” بتقييد حرية الحركة المتاحة أمام التنظيم واعتقال بعض قياداته، حيث تشير تقارير عديدة إلى أنه يخضع لرقابة مشددة من جانبها.

مؤشرات عديدة

يمكن القول إن ثمة مؤشرات عديدة تكشف عن اتساع نطاق الضغوط التي يتعرض لها التنظيم خلال المرحلة الحالية، يتمثل أبرزها في:

1- تحجيم “تحرير الشام” لـ”حراس الدين”: نشأ “حراس الدين” بالأساس في أعقاب الخلافات التي تصاعدت حدتها بين قيادة تنظيم “القاعدة” ممثلة في زعيمه السابق أيمن الظواهري، الذي أعلنت الولايات المتحدة مقتله في أفغانستان العام الماضي، وبين قيادات “جبهة النصرة” وعلى رأسهم زعيمها أبو محمد الجولاني، بعد اتجاه الأخير إلى فك ارتباط “الجبهة” عن “القاعدة”. وقد دفع ذلك مجموعة من قيادات “النصرة” – قبل أن تغير الاسم أكثر من مرة وصولاً إلى “هيئة تحرير الشام” – إلى الانشقاق وتكوين تشكيل عسكري جديد تحت اسم “حراس الدين” عام 2018.

وبفعل العلاقة المتشابكة بين قيادات “حراس الدين” و”تحرير الشام”، وتبادل الاتهامات والتخوين بين الطرفين، دفع الأخير باتجاه تحجيم نفوذ التنظيم الجديد، من خلال ملاحقة عناصره واعتقال قياداته، وقتل بعضهم في مواجهات مسلحة، وطرد عناصر التنظيم من المقرات التابعة له، حتى إن سامي العريدي كان معتقلاً مع قيادات أخرى من قبل “تحرير الشام” عام 2017، أي قبل إعلان تشكيل “حراس الدين”.

2- تركيز أمريكي على قيادات التنظيم: تراقب الولايات المتحدة عن كثب تحركات تنظيم “حراس الدين”، منذ عام 2018، على اعتبار أنه تَشكل أساساًمن قيادات وعناصر تتبنى أفكار الجهاد، ولكن تدين بالولاء إلى تنظيم “القاعدة”، وأعلنت رفضها فك ارتباط “النصرة”، وبالتالي فإن تلك المجموعة تؤمن بمشروع “الجهاد العالمي”، بما يجعلها في مقدمة أولويات الاستهداف من قبل القوات الأمريكية المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة “داعش”. وتركز القوات الأمريكية على استهداف قيادات وكوادر “حراس الدين”، جنباً إلى جنب مع ملاحقة قيادات تنظيم “داعش” بسوريا، سواء ورد اسم بعضهم في برنامج “مكافآت من أجل العدالة” أم لا.

3- تصعيد الموقف الأمريكي ضد العريدي: يمثل إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن إدراج القيادي البارز في “حراس الدين” سامي العريدي على قائمة الأشخاص الإرهابيين، تصعيداً وتحولاً لافتاً ضد العريدي نفسه، وليس فقط تنظيم “حراس الدين”. وقد جاء البيان الأمريكي في هذا الصدد خلال شهر أبريل الجاري، بعد نحو ما يزيد على ثلاث سنوات ونصف من إدراج اسمه ضمن برنامج “مكافآت من أجل العدالة”، ورصد مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تحديد مكانه أو التعرف عليه، وهو رقم يعكس أهمية استهداف العريدي بالنسبة للولايات المتحدة، إضافة إلى اثنين آخرين من القيادات هما أبو عبد الكريم المصري وفاروق السوري.

دوافع متداخلة

في ضوء ذلك، يمكن الإشارة إلى دوافع إدراج الولايات المتحدة للعريدي على قائمتها للأشخاص الإرهابيين، وهي:

1- إعادة تقييم حدود تهديد العريدي: أعلنت الولايات المتحدة، في سبتمبر 2019، تصنيف “حراس الدين” تنظيماً إرهابياً عالمياً، إضافة إلى تصنيف زعيم التنظيم فاروق السوري المعروف أيضاً بـ”أبو همام السوري”، إرهابياً عالمياً، ولم يتم تضمين أي من قيادات التنظيم الآخرين في قرار الإدراج، مع تخصيص مكافأة فقط لمن يدلي بمعلومات عن المصري والعريدي.

وربما يرتبط إدراج وزارة الخارجية الأمريكية العريدي على قائمة الإرهاب بإعادة تقييم دوره وحدود تهديده للولايات المتحدة، بناءً على معلومات استخباراتية جديدة غير معلنة، قد تتخطى حدود الجغرافيا السورية، خاصةً وأن الأمر التنفيذي المتعلق برصد مكافأة لمن يُدلي بمعلومات عنه عام 2019، جاء فيه أن “العريدي المعروف أيضاً بأبو محمود الشامي، كان مشتركاً في مخططات سابقة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل”.

2- تقييد حركة قيادات التنظيم: يترتّب على إدراج العريدي على قائمة الأشخاص الإرهابيين الأمريكية، عدد من الإجراءات مثل تجميد كافة الممتلكات والمصالح الخاضعة للسلطة القضائية الأمريكية، ومنع المواطنين الأمريكيين من إجراء أي عمليات معه بشكل عام، حيث يكون أي مواطنين أمريكيين أو أجانب يجرون عمليات مع هذا الفرد عرضة للعقوبات، بما في ذلك بموجب سلطات فرض العقوبات الثانوية.

هذه الإجراءات ترتبط فقط بالإدراج على قائمة الإرهاب، ولم ترد في بيان وضعه على قائمة “مكافآت من أجل العدالة” عام 2019، بما يشير إلى رغبة أمريكية في تضييق الخناق على قيادات تنظيم “حراس الدين” بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة، وتحجيم مساحة الحركة على الساحة السورية، عبر هذه الإجراءات، التي ربما تدفع بعض الأطراف والتنظيمات المسلحة غير المستهدفة من قبل الولايات المتحدة، إلى فك أي ارتباط بالعريدي، تجنباً للتعرض للعقوبات الأمريكية والدخول في دائرة الاستهداف.

3- السعى لعدم استغلال التحولات: يعكس القرار الأمريكي بشأن العريدي استمرار النهج الأمريكي في الضغط على تنظيم “حراس الدين” وقياداته، لمنع أي محاولة من قبل التنظيم لإعادة التموضع مجدداً على الساحة السورية خلال الفترة المقبلة.

وتشهد الساحة السورية تحوّلات منذ العام الماضي، وتحديداً على مستوى مساعي تركيا للتّقارب مع النظام السوري مجدداً بوساطة روسية، ومشاركة إيرانية، بما قد ينعكس على مناطق خفض التصعيد ومستقبل الشمال السوري الخاضع لسيطرة مجموعات مسلحة تُصنف بالمعارضة.

وبالتالي، فإن “حراس الدين” قد يستغلّ هذه التحولات في إعادة التموضع، واستقطاب عناصر جديدة، خاصة في حالة قبول قيادات التنظيمات المسلحة بالشمال السوري للتفاهمات مع تركيا، وتحديداً “تحرير الشام”، بما يدفع بعض العناصر للانشقاق رفضاً لهذه التحركات، أو نشوب توترات في الشمال السوري مع تركيا، على خلفية رفض التفاهمات، وهي فرصة أيضاً لنشاط التنظيم.

4- مواصلة الهجوم على قيادات “القاعدة”: بالنظر إلى عدم استهداف الولايات المتحدة لأبي محمد الجولاني خلال السنوات الماضية، بعد فكّ الارتباط عن تنظيم “القاعدة”، فإن الرسالة الرئيسيةلاستهداف قيادات تنظيم “حراس الدين” ومواصلة الجهود لملاحقة المدرجين على قوائم الاستهداف، هي أن الولايات المتحدة ستواصل عمليات استهداف قيادات وعناصر “القاعدة” أو المرتبطين به، بغض النظر عن المدى الزمني، أو وضع فرع التنظيم الحالي وتراجع حدود التهديد المباشر، مقابل احتمالات عدم الاستهداف لقيادات تنظيمات مسلحة أخرى.

ضربة مسبقة

على ضوء ذلك، يمكن القول إن الاستهداف المتواصل والضغوط التي يتعرض لها تنظيم “حراس الدين”، تهدف إلى تصفية مشروعه كوكيل أو فرع لتنظيم “القاعدة” على الساحة السورية، إذ إن استمرار التنظيم، رغم محدودية التأثير، مقارنة بتنظيمات أخرى في الشمال السوري، يسمح بإمكانية تمدد أفكار مشروع “الجهاد العالمي” على الساحة السورية، باعتباره نواة صلبة يمكن البناء عليها، في رؤية التنظيم، في ظل متغيرات وتحولات قد يشهدها المشهد السوري المعقد خلال المرحلة القادمة. وربما يعقب إدراج الولايات المتحدة لـلعريدي على لائحة الإرهاب، توسيع استهداف بعض الأشخاص المرتبطين به، سواء داخل سوريا أو خارجها، مع احتمالات تزايد معدل استهداف قيادات وكوادر التنظيم عقب القرار.