محفّزات متعددة:
لماذا يتصاعد اهتمام الهند بتعزيز نفوذها على الساحة الليبية؟

محفّزات متعددة:

لماذا يتصاعد اهتمام الهند بتعزيز نفوذها على الساحة الليبية؟



يأتي إعلان شركات هندية عن عزمها العودة إلى استئناف عملياتها وتوسيع استثماراتها في قطاع النفط والغاز الليبي، في الوقت الذي اتّجهت فيه السلطات الليبية إلى تشجيع الشركات الأجنبية لضخ المزيد من استثماراتها في القطاع عن طريق إصدار تراخيص جديدة لهذه الشركات. فيما شهدت ليبيا زيارات متكررة من جانب الدبلوماسيين الهنود من أجل بحث سبل عودة الشركات والعمالة الهندية وفتح السفارة الهندية في ليبيا، وأبدت الهند اهتماماً متزايداً بتدريب قوات الأمن الليبية. ومن ثم يبدو أن اهتمام الهند بالعودة إلى الساحة الليبية يرتبط بعدد من المحفزات، من أبرزها: انخفاض مستويات الصراع العسكري في ليبيا، وتوافر الفرص الاستثمارية في قطاع النفط الليبي، والاهتمام لدى نيودلهي بتعزيز حضورها في القطاع الأمني.

في 9 فبراير الجاري، أعلن مسؤولون بشركة النفط والغاز الطبيعي الهندية (ONGC) أن الشركة تُجري مباحثات مستمرة لاستئناف عملياتها في قطاع النفط والغاز الليبي. وفي 8 أغسطس الماضي، عقدت بمقر وزارة الخارجية والتعاون الدولي بطرابلس مباحثات ليبية-هندية بين دبلوماسيين هنود وليبيين من أجل بحث تفعيل التعاون الثنائي في مختلف المجالات، وعودة العمل بالسفارة الهندية، ورفع القيود عن الشركات والعمالة الهندية ومراجعة الاتفاقيات الموقعة؛ وهو ما يثير التساؤلات حول أسباب تزايد الاهتمام الهندي بتعزيز النفوذ على الساحة الليبية.

عوامل عديدة

ثمة جملة من العوامل التي تقف خلف تصاعد اهتمام الهند بالعودة إلى الساحة الليبية، ومن أبرزها:

1- انخفاض مستويات الصراع العسكري في ليبيا: إذ يبدو أن الاهتمام الهندي بالعودة إلى الساحة الليبية يعود إلى حسابات وتقديرات الهند لتطورات المشهد الأمني والسياسي في ليبيا، حيث تراجعت مستويات الاشتباكات العسكرية بين الجيش والمليشيات الليبية، فيما تراجعت عمليات داعش الإرهابية ولم تشهد البلاد هجمات ارهابية خلال الفترة الأخيرة. وفي الوقت نفسه، ثمة جهود دولية تجري على قدم وساق من أجل تحقيق المصالحة الليبية بين القوى السياسية، وذلك لتمهيد الساحة السياسية للانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يعد مناخاً ملائماً بالنسبة للهند للعودة إلى الساحة الليبية. فيما توافرت بعض المؤشرات على النظرة المتفائلة من جانب الشركات الدولية تجاه الأوضاع في ليبيا، حيث أعلنت شركة إيني الإيطالية إنهاء حالة القوة القاهرة التي استمرت تسع سنوات على أصول الغاز الليبية.

2- توافر الفرص الاستثمارية في قطاع النفط الليبي: حيث تعمل السلطات الليبية على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع التنقيب على النفط والغاز، وقد دُعيت هذه الشركات لضخ استثماراتها في القطاع، خاصة أن هناك حقولاً لم يتم استكشافها بعد، بما في ذلك تلك الموجودة في البحر الأبيض المتوسط والمناطق الوسطى. وفي يناير الماضي، قال رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط في لبيبا فرحات بن قدارة، إن الحكومة وافقت على مشروع خط أنابيب بطول 700 كم لربط حقول مناطق سرت بميناءي رأس لانوف والسدرة.

ويبدو أن الشركات الهندية تعمل على اقتناص الفرصة الاقتصادية للاستثمار في هذا القطاع، حيث أكدت شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية (ONGC) وأويل إنديا Oil India عزمها استئناف عملياتها في البلاد، وذلك بعد أن خرجت الشركتان من ليبيا في عام 2011 بسبب عدم الاستقرار السياسي. وقد أكد رانجيت راث، رئيس شركة أويل إنديا، متحدثاً على هامش مؤتمر أسبوع الطاقة الهندي في جوا، أن الشركة تسعى للحصول على موافقة أصحاب المصلحة لاستئناف عمليات التنقيب في ليبيا. وقبل خروجها منذ 11 عاماً، شاركت شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية بالتعاون مع أويل إنديا في استكشاف وتطوير المنطقة الليبية 81/1 في حوض غدامس والبلوك 102/4 في حوض سرت.

وفي الوقت الذي أكدت فيه المؤسسة الوطنية للنفط الليبية إطلاق جولة تراخيص للنفط والغاز في البلاد، أكد تقرير اقتصادي نشرته مجلة “بيزنس وورلد” الهندية الناطقة بالإنجليزية أن إعادة فتح السفارة الهندية في العاصمة طرابلس بعد انقطاع طويل أمر بالغ الأهمية لكون ليبيا دولة منتعشة ومدعومة بإنتاجها النفطي. وبين التقرير أن حقيقة كون ليبيا من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم يجعل منها شريكاً تجارياً مهماً بالنسبة للهند.

3- الاهتمام بتعزيز الحضور في القطاع الأمني: ففي أغسطس الماضي، وخلال مباحثات لمسؤولين هنود مع ليبيين بمقر الخارجية الليبية، عرض الجانب الهندي المساهمة في تدريب أفراد الأمن والتعاون في المجال السيبراني والأمني وتأمين الحدود، وهو ما يكشف عن اهتمام هندي بتعزيز الوجود الأمني على الساحة الليبية بما يفتح فرصاً أمام الصناعة العسكرية الهندية لزيادة مبيعاتها العسكرية في المستقبل. كما تُبدي الهند اهتماماً باستعادة سفارتها في ليبيا وحماية مصالح رعاياها في ليبيا. وقد أشارت تقارير عديدة إلى تزايد معدلات الهجرة غير الشرعية للهنود إلى أوروبا عبر ليبيا، وخاصة بين الذين يعملون في مواقع البناء، والذين يتم استغلالهم من قبل مافيا التهريب إلى دول أوروبية مثل إيطاليا.

تحديات متنامية

ثمة تحديات عديدة تواجه التوجهات الهندية لتعزيز الحضور الاقتصادي والأمني على الساحة الليبية، من أهمها:

1- التنافس بين الشركات الأجنبية في قطاع النفط الليبي: خاصةً أن هناك العديد من الشركات النفطية الأجنبية التي تنشط في النفط والغاز، وأعمال التنقيب والبحث والإنتاج في قطاعة الطاقة الليبي، وأبرزها: أوكسيدنتال بتروليوم الأمريكية، وإكسون موبيل الأمريكية، وشركة إيني الإيطالية، وتوتال الفرنسية، وبريتش بتروليوم البريطانية. وقد توجه العديد من اللاعبين الكبار بسوق الطاقة العالمية لضخ استثمارات جديدة في ليبيا، في إطار محاولاتهم لاقتناص حصتهم من الفرص التي توفرها السوق المحلية غير المستغلة بشكل كبير، في ضوء زيادة إنتاج النفط والغاز بالحقول المحلية.

2- الوجود الأمني لقوى دولية وإقليمية على الساحة الليبية: ولا سيما في ظل الاهتمام الروسي المتنامي بتعزيز الوجود الأمني والعسكري على الساحة الليبية، وذلك بعد الإعلان عن الفيلق الأفريقي الذي تخططه لنشره في ليبيا وبعض دول الساحل الأفريقي، فيما مددت تركيا المدى الزمني لقواتها في ليبيا، ولذلك يُتوقع أن تشهد الساحة الليبية منافسة كبيرة بين الهند والقوى الدولية مثل تركيا وروسيا. ومع ذلك، لا يزال الوجود الأمني والهندي محدوداً ويكاد يكون معدوماً، ومن ثم تواجه الهند تحدياً كبيراً لتعزيز حضورها في القطاع الأمني الليبي. ومن المتوقع أن يثير تدخل الصين في القطاع الأمني تحركات موازية من جانب الصين التي تهتم بتعزيز حضورها ليبيا التي تعتبر مركزاً مهماً يربط البحر بالصحراء.

3-  معضلة تحقيق الاستقرار السياسي المستدام: فبرغم تراجع حدة الصراعات والاشتباكات العسكرية بين الجيش الليبي والمليشيات الليبية في الغرب الليبي، ولكن مع ذلك فإن تحقيق الاستقرار السياسي والمصالحة الوطنية سوف يتطلب بذل المزيد من الجهود الدولية والإقليمية والليبية. فثمة انقسام بين الليبيين حول الوجود العسكري الأجنبي على الساحة الليبية، ومن الممكن أن تؤدي صعوبة التفاهم حول العديد من الملفات السياسية والأمنية إلى انفجار الأوضاع من جديد في ليبيا، وهو الأمر الذي أدى إلى سحب الهند استثماراتها من ليبيا وإغلاق سفارتها في البلاد.

وختاماً، يمكن القول إن التوجه الهندي للعودة إلى الساحة الليبية لا يزال يواجه العديد من التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية، وخاصة في ظل وجود العديد من الشركات الأجنبية الكبيرة النشطة في قطاع النفط والغاز، علاوةً على الوجود الاقتصادي الدولي في القطاعات الاقتصادية الأخرى، والوجود الأمني الدولي على الساحة الليبية، والذي يفرض تحديات ليست هينة أمام حضور الهند في القطاع الأمني والاقتصادي، ناهيك عن صعوبة التنبؤ بمآلات الأمور على الساحة السياسية الليبية.