أوراق ضغط:
لماذا وقّعت إيران و”طالبان” اتفاقاً لتصدير النفط إلى أفغانستان؟

أوراق ضغط:

لماذا وقّعت إيران و”طالبان” اتفاقاً لتصدير النفط إلى أفغانستان؟



تحاول إيران وحركة “طالبان” الأفغانية عبر توقيع اتفاق جديد لتصدير النفط إلى أفغانستان تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في تعزيز طهران أوراق الضغط التي تمتلكها في مواجهة خصمها القديم، واستباق إبرام صفقات جديدة بين الحركة ومنافسين آخرين، ورفع مستوى الصادرات النفطية الإيرانية، وتحدي العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية في ضوء تعثر المفاوضات النووية، فضلاً عن استغلال حاجة إيران لتصدير النفط من أجل تخفيض سعره.

كشفت وسائل الإعلام الإيرانية، في 23 يوليو الجاري، عن قيام وفد من شركة النفط والغاز ووزارة الخارجية والتجارة والبنك المركزي ودائرة المواصفات الدولية الأفغانية بزيارة طهران، من أجل توقيع صفقة جديدة لتصدير 350 ألف طن من النفط إلى أفغانستان. وقد تزايدت أهمية تلك الصفقة في ضوء ارتفاع أسعار الوقود بأفغانستان كأحد انعكاسات الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث وصل سعر اللتر الواحد من البنزين إلى 99 سنتاً في حين بلغ سعر لتر الديزل إلى 1.32 دولار. وقد كان لافتاً أن إيران تعمدت التعتيم على التكلفة المالية للصفقة، حيث تم الاتفاق على تصدير هذه الكمية من النفط “على أساس سعر مناسب”.

أهداف عديدة

يمكن القول إن كلا الطرفين يسعى إلى تحقيق أهداف عبر إبرام تلك الصفقة النفطية في هذا التوقيت تحديداً، يتمثل أبرزها في:

1- امتلاك أوراق ضغط جديدة: ترى إيران أن تصاعد أزمة المشتقات النفطية في أفغانستان، نتيجة ارتفاع الأسعار، يمكن أن يوفر لها ورقة ضغط قوية في مواجهة خصمها القديم وهو حركة “طالبان”. صحيح أن الطرفين نجحا خلال الفترة الماضية، حتى قبل سيطرة الحركة على الحكم في منتصف أغسطس الماضي، في فتح قنوات تواصل أمنية؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات تبقى قائمة، لا سيما أنها ليست خلافية وقد تتجدد في أية لحظة. ومن هنا، فقد ارتأت إيران أن توقيع هذه الصفقة يمكن أن يمثل فرصة وتحدياً للحركة في آن واحد. إذ إنه يساعد الأخيرة في محاولة احتواء أزمة تفاقم الأسعار في الداخل، لكنه في الوقت نفسه يبقيها في حاجة دائمة للدعم من جانب إيران، وهو ما يمكن أن تستغله الأخيرة في ممارسة ضغوط أو ابتزاز الحركة في حالة حدوث خلافات بين الطرفين، على غرار السياسة نفسها التي اتبعتها في العراق، حيث دائماً ما تستغل ورقة الطاقة للضغط على الحكومة في بغداد في حال حدوث تباين في بعض الملفات.

2- استباق انخراط دول أخرى في السوق الأفغانية: تدرك إيران أن حركة “طالبان” سوف تسارع إلى البحث عن خيارات أخرى في حالة عدم إبرام هذه الصفقة، وهو ما يمكن أن يهدر الفرصة الحالية التي توفرها تلك الصفقة. وربما يمكن القول إن الحركة نفسها نجحت في التلويح بأن لديها خيارات متعددة في هذا الصدد، مثل روسيا وتركمانستان، حيث أعلنت أنها تجري محادثات مع الدولتين بالفعل في هذا الصدد. ومن دون شك، فإن روسيا يمكن أن تكون منافساً مهماً لإيران في هذا الصدد، خاصة أنها تتطلع بدورها إلى البحث عن خيارات أخرى لتعويض المشترين الرئيسيين للطاقة الروسية، لا سيما في الدول الغربية، بعد تصاعد حدة الأزمة التي فرضتها الحرب الروسية في أوكرانيا.

3- استغلال العقوبات الغربية للحصول على مزايا مالية: لا يمكن استبعاد أن تكون حركة “طالبان” قد حرصت على وضع حدود للكمية التي سوف تستوردها من إيران، من أجل تقليص قدرة الأخيرة على تحقيق الهدف الأول الخاص باستغلال إمدادات الطاقة كورقة ضغط عليها. وربما يمكن القول إنها سعت إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها فيما يتعلق باستيراد النفط من أجل الحصول على خصومات في الأسعار بين الأطراف المتنافسة على تصدير النفط إلى أفغانستان، خاصة أن روسيا وإيران تتعرضان في الوقت نفسه لعقوبات غربية وأمريكية. وبعبارة أخرى، فإن الحركة ربما باتت ترى أن الحرب الروسية في أوكرانيا بقدر ما فرضت تداعيات سلبية على الداخل الأفغاني، على غرار ما حدث في كثير من دول العالم، بقدر ما منحت الحركة الفرصة للحصول على مزايا مالية من الدول المصدرة للطاقة في المرحلة القادمة.

4- رفع مستوى الصادرات النفطية الإيرانية: تبذل إيران جهوداً حثيثة من أجل رفع مستوى الصادرات النفطية إلى الأسواق الخارجية، ولا سيما الصين، في تحدٍ واضح للعقوبات الأمريكية. ووفقاً لتقديرات عديدة، فإن الصادرات النفطية الإيرانية وصلت إلى مليون برميل يومياً، بما يبلغ نحو 40% من المستوى الذي وصلت إليه تلك الصادرات قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية بداية من 7 أغسطس 2018 عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو من العام نفسه. وهنا، فإن إيران تسعى إلى توجيه رسالة مباشرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مفادها أنه أياً كان المسار الذي سوف تنتهي إليه المفاوضات التي تجري في فيينا وفي الدوحة، حول الاتفاق النووي، فإنها حريصة على رفع مستوى صادراتها النفطية وإبرام صفقات مع بعض المشترين الرئيسيين مثل الصين وأفغانستان.

لكن ربما تتغافل إيران هنا عن أن رفع مستوى الصادرات النفطية إلى بعض الأسواق لا يعود فقط إلى نجاحها في التحايل على العقوبات الأمريكية عبر استخدام آليات مختلفة، مثل التهريب وإغلاق أجهزة التتبع على ناقلات النفط واستخدام شركات وهمية، وإنما يعود أيضاً إلى تغاضي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن ذلك في إطار سعيها إلى تعزيز فرص الوصول إلى صفقة مع إيران بالشروط المعروضة عليها حالياً والتي لم تقبلها بعد، أي الشروط التي تخلو من الحصول على ضمانات بعدم الانسحاب الأمريكي مرة أخرى من الاتفاق، وشطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية.

وانطلاقاً من ذلك، فإنه في حالة فشل المفاوضات النووية، فسوف تجد إيران صعوبة في مواصلة تصدير النفط بنفس المستوى الحالي، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تعود إلى إجراءاتها السابقة بتعقب ناقلات النفط ومصادرة بعضها، على غرار ما كان يحدث في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. كما أن إيران لا تستطيع أن تراهن بشكل كامل على الموقف الصيني. فرغم أن التصعيد أصبح عنواناً رئيسياً للعلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بسبب خلافات عديدة منها ملف تايوان، فإن ذلك لا ينفي أن بكين تمتلك مقاربة خاصة إزاء الملف الإيراني تحديداً، وسبق أن استجابت للضغوط والعقوبات الأمريكية بتقليص مستوى واردات النفط الإيرانية.

مقاربة اقتصادية

إن ما سبق -في مجمله- يطرح دلالة مهمة تنصرف إلى أن إيران باتت تتبع مقاربة اقتصادية في إدارة علاقاتها مع حركة “طالبان”، حيث لم تعد تعتمد فقط على المقاربة الأمنية، التي سبق أن أدت إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين الطرفين خلال النسخة الأولى من حكم “طالبان” في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. إذ ترى طهران أن ذلك يمكن أن يساعد في “احتواء” خصمها القديم بشكل يمكن أن يدفعه إلى تحييد الملفات الخلافية أو عدم الخوض فيها مجدداً. لكن هذه المقاربة يمكن أن تواجه إشكاليات عديدة خلال المرحلة القادمة. إذ إن حركة “طالبان” لم تثبت بعد أنها يمكن أن تنخرط في التزامات إقليمية صارمة، أو تلتزم بعدم فتح ملفات خلافية مع دول الجوار.

كما أن الخلافات العالقة بين الطرفين قد تشكل متغيراً ضاغطاً في هذا السياق، خاصة أن حركة “طالبان” ما زالت حريصة على عدم التماهي مع المطالب الإيرانية بتشكيل حكومة جامعة، أي حكومة تضم المكونات السياسية والعرقية الأخرى بمن فيهم حلفاء طهران في أفغانستان.

وتبقى قضية المياه محوراً رئيسياً للخلافات بين الطرفين، حيث ما زالت إيران حريصة على المطالبة بالحصول على حصتها التقليدية من مياه نهر هلمند الذي ينبع من أفغانستان، في حين تتهمها جهات أفغانية بالحصول على نسبة أكبر من حقوقها واستغلال حالة الفوضى في أفغانستان للحيلولة دون إقامة بنية تحتية أفغانية لاستغلال مياه النهر بشكل أمثل، وهو متغير سوف يتصاعد تأثيره خلال المرحلة القادمة في ضوء أزمة المياه العذبة التي تواجه إيران في المرحلة الحالية.