احتواء المخاطر:
لماذا نفّذت ولاية بونتلاند عملية عسكرية ضد “داعش”؟

احتواء المخاطر:

لماذا نفّذت ولاية بونتلاند عملية عسكرية ضد “داعش”؟



نفّذت القوات الأمنية في ولاية بونتلاند بشمال شرقي الصومال، عملية عسكرية، في 2 يوليو الجاري، في المناطق الجبلية الوعرة لملاحقة عناصر تنظيم “داعش”، التي تستغل تلك المناطق كملاذات لها. وتأتي العملية في ظل الحرب الشاملة التي أطلقها الرئيس حسن شيخ محمود في مايو 2022، ضد التنظيمات الإرهابية، وتحديداً حركة “شباب المجاهدين”، التي تواجه ضغوطاً شديدة عقب حشد الدعم الإقليمي والدولي لمواجهة نفوذها.

ولم يقدم البيان الرسمي المنشور عبر وكالة الأنباء الصومالية تفاصيل العملية العسكرية، ولكن اكتفى بالإشارة إلى اعتقال نحو 9 قيادات من تنظيم “داعش”، يحملون جنسيات أجنبية (سودانية، وسورية، وإثيوبية)، خلال العملية في نطاق منطقتي عمامو وسيدو في محافظة بري.

اللافت أن العملية العسكرية جاءت عقب تراجع النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في الصومال خلال النصف الأول من العام الجاري بصورة ملحوظة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022، كما يوضح المخطط التالي:

أسباب متعددة

يمكن الإشارة إلى دوافع العملية العسكرية لقوات ولاية بونتلاند باتجاه المناطق الجبلية الوعرة في محافظة بري، رغم التراجع العملياتي لـ”داعش”، في ضوء عدد من الدوافع، التي يتمثل أبرزها في:

1- احتمال تلقي معلومات عن نشاط إرهابي: منذ بروز تنظيم “داعش” في الصومال خلال الأعوام الماضية، على خلفية انشقاق بعض قيادات وعناصر من حركة “الشباب”، وإعلان مبايعة تنظيم “داعش”، تنفذ قوات ولاية بونتلاند عمليات عسكرية على مناطق جبلية وعرة، تمثل نقطة تمركزات للتنظيم، حتى مع تركيز التنظيم على تنفيذ عمليات في محيط العاصمة مقديشو.

وبالعودة إلى منحنى النشاط العملياتي للتنظيم في ولاية بونتلاند، وفقاً لبيانات التنظيم الرسمية المنشورة عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي، يتضح أن التنظيم لم يعلن عن عمليات في الولاية خلال عام 2022، في حين أعلن تنفيذ عدد من العمليات خلال عام 2021، قبل أن يعود لتنفيذ عمليات خلال عام 2023 مجدداً.

ولم تسجل سوى 3 عمليات فقط في ولاية بونتلاند خلال النصف الأول من عام 2023، وربما كانت العملية العسكرية رداً على تجدد العمليات في الولاية خلال العام الجاري، عقب انقطاع خلال العام الفائت، وربما تلقت قوات الولاية معلومات استخباراتية عن نشاط وتحركات للتنظيم، لزيادة معدل النشاط العملياتي في الولاية خلال الفترة المقبلة، بما يستدعي تنفيذ عملية استباقية.

2- اقتحام مواقع نفوذ “داعش”: في ضوء المعلومات التي قدمتها وكالة الأنباء الرسمية، فإنّ العملية العسكرية اتسمت بطابع هجومي لاقتحام بعض المناطقفي مديرية بلي طيطن بمحافظة بري، وفي مناطق وعرة، وهي ذاتها التي يتحصن فيها عناصر تنظيم “داعش”.

وسبق أن أعلن التنظيم في مارس الماضي، عن التصدي لدورية من قوات ولاية بونتلاند في بلي طيطن، والاشتباك معها أثناء محاولة التقدم نحو مواقع من وصفهم البيان بـ”المجاهدين”، في إشارة إلى عناصره. وهنا فإن العملية العسكرية جاءت في النطاق الجغرافي ذاته للاشتباكات التي وقعت في مارس الماضي، مع عناصر “داعش”، لإضعاف سيطرته على تلك المنطقة.

ولكن بالنظر إلى آخر عملية لتنظيم “داعش” في ولاية بونتلاند في شهر مارس الماضي، فإن الفارق الزمني بين تلك الاشتباكات والعملية العسكرية لقوات الولاية لملاحقة عناصر التنظيم، يمتد إلى ما يقرب من ثلاثة أشهر، وربما تأخرت العملية لجمع معلومات حول طبيعة التحركات، مع إمكانية التعاون مع أطراف إقليمية ودولية في سياق جمع المعلومات، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية نفذت عملية إنزال لاعتقال قيادي في التنظيم يدعى بلال السوداني، ولكن أسفرت عن مقتله، إضافة إلى 10 آخرين من مرافقيه.

3- عرقلة بناء قدرات التنظيم: تشكل المناطق الجبلية الوعرة في محافظة بري بولاية بونتلاند أزمة للولاية والحكومة الصومالية، وإن كانت الأخيرة تركز بشكل رئيسي على مواجهة حركة “الشباب” في وسط وجنوب البلاد.

وتحتوي الجبال في ولاية بونتلاند على عدد من الكهوف، التي يسهل الاختباء فيها، وتخزين الأسلحة والمواد اللوجيستية، ومن شأن العملية العسكرية أن تتحرك باتجاه الكهوف، بهدف تدمير المخزون اللوجيستي لعناصر تنظيم “داعش”، وبالتالي حرمانه من الإمدادات، بما يعرقل بناء قدراته العملياتية خلال الفترة المقبلة، وإبقاء التهديد الأمني في حدود يمكن السيطرة عليها.

ويتضح أن عمليات التنظيم في ولاية بونتلاند يتركز أغلبها على النمط الدفاعي بواقع عمليتين من إجمالي العمليات الثلاث، في نطاقات جغرافية محددة لتأمين مناطق نفوذه، في الأودية الوعرة، وإضعاف أي وجود للقوات الأمنية، بما يسهل من عمليات التحرك الميداني لعناصر التنظيم، فيما جاءت العملية الثالثة بتفجير عبوة ناسفة على “موكب كان يقل فريقاً انتخابياً ترافقه دورية لقوات بونتلاند، بمنطقة وادي جعيل”، وفقاً لبيان التنظيم في شهر فبراير الماضي.

4- مواجهة الارتدادات المحتملة للخلل الأمني: تهدف التحركات الأمنية والعسكرية في ولاية بونتلاند إلى إحكام السيطرة بشكل عام على الأوضاع الأمنية في الولاية، خوفاً من الارتدادات المحتملة للمواجهات بين القوات الصومالية في وسط وجنوب البلاد مع حركة “الشباب”، من ناحية، والمواجهات بين الحركة وفرع تنظيم “داعش” في الصومال، من ناحية أخرى.

وخلال شهر مارس الماضي، أشارت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية إلى مواجهات عنيفة بين عناصر من حركة “الشباب” وعناصر “داعش” في ولاية بونتلاند، وتحديداً في منطقة غلغلا الجبلية، أسفرت عن مقتل نحو 40 مسلحاً من الطرفين، بينهم قيادات ميدانية من حركة “الشباب”، في إطار الصراع بين الطرفين على النفوذ، والسيطرة على المناطق الجبلية الوعرة، باعتبارها ملاذات آمنة.

5- تفكيك شبكات التمويل العابرة للحدود: من شأن العمليات العسكرية في ولاية بونتلاند، إضعاف وتحجيم نفوذ “داعش”، بما يساهم في عملية تفكيك شبكات التمويل العابرة لحدود الدول خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الصومال تعد من المراكز الرئيسية لحركات التمويل والأسلحة بين آسيا وأفريقيا. وبالنظر إلى موقع ولاية بونتلاند الساحلي في شمال شرقي الصومال، والطبيعة الجغرافية بامتداد سلاسل جبلية، فإنها تعد مركزاً رئيسياً لتمويل تنظيم “داعش”، وفقاً للتأكيدات الأمريكية.

إذ أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية في نوفمبر 2022، على فرض عقوبات على شبكة تعمل على تهريب الأسلحة تابعة لـ”داعش” في الصومال، وتنشط هذه الشبكة بين اليمن والصومال، ولديها علاقات بين مجموعات إرهابية أخرى بين البلدين، وفقاً لبيان وزارة الخزانة الأمريكية.

كما أن العملية الأمريكية في يناير الماضي، لاستهداف القيادي في التنظيم بلال السوداني، كانت بهدف تفكيك شبكات التمويل، باعتبار هذا القيادي أحد الأطراف التي سهلت عمليات التمويل للتنظيم داخل وخارج قارة أفريقيا، كما أنه متهم بتقديم الدعم المالي لفرع التنظيم في موزمبيق.

تحديات أمنية

 رغم أن النشاط العملياتي لتنظيم “داعش” في الصومال بشكل عام، تراجع خلال النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الفائت؛ إلا أن التنظيم يظل يُشكل تهديداً مباشراً بالنسبة لولاية بونتلاند، بعد محاولات استعادة النشاط العملياتي خلال عام 2023، مقارنة بالعام الفائت، إلا أن تهديد تنظيم “داعش” يتجاوز النشاط العملياتي.

ويُظهر نشاط تنظيم “داعش” في الصومال، محاولة تحويلها، وتحديداً ولاية بونتلاند، إلى مركز إقليمي لشبكات التمويل والتهريب العابرة للحدود، بالاستفادة من موقعها الجغرافي الساحلي، والطبيعة الجبلية الوعرة في بعض مناطقها، بما يفرض تحديات أمنية مستقبلاً أمام تفكيك شبكات التنظيم في الولاية، واستمرار تحجيم النشاط العملياتي، وحرمانه من بناء قدراته، وهو ما يستدعي توسيع نطاق التعاون بين قوات الولاية والجيش الصومالي وأطراف إقليمية ودولية.

والجدير بالإشارة في هذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تراقب وتلاحق التنظيم في الصومال، على الرغم من التركيز بشكل رئيسي على جهود مكافحة حركة “الشباب”، بالتعاون والتنسيق مع الجيش الصومالي، عقب إعادة القوات الأمريكية إلى الصومال خلال عام 2022.