أبعاد دعائية:
لماذا نفذ “داعش” عمليتين في جنوب دمشق؟

أبعاد دعائية:

لماذا نفذ “داعش” عمليتين في جنوب دمشق؟



أعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عن تنفيذ عمليتين إرهابيتين لاستهداف حشود مدنية في بلدة السيدة زينب، جنوبي العاصمة السورية دمشق، يومي 25 و27 يوليو الجاري، أسفرتا عن مقتل نحو 6 أشخاص وإصابة آخرين، وفقاً لبيانات رسمية سورية. وتستقبل البلدة، التي لها خصوصية دينية في سوريا، حشوداً من الشيعة لزيارة ضريح السيدة زينب، للاحتفال خلال الفترة نفسها من كل عام بذكرى “عاشوراء”، وهو ما يطرح دلالات عديدة تتعلق بمستوى تأثير عمليات “داعش” في سوريا خلال المرحلة الحالية، في ظل الضربات والهزائم القوية التي تعرض لها.

سياقات رئيسية

تأتي عمليتا “داعش” في جنوب دمشق، في ظل عدد من السياقات والأبعاد الرئيسية، المرتبطة بطبيعة المنطقة المستهدفة، والنشاط العملياتي لمجموعات التنظيم في مختلف المناطق السورية، مقارنة بالنشاط في الجنوب وفي محيط العاصمة دمشق، وأبرزها:

1- تزايد العمليات باتجاه دمشق ومحيطها: منذ عام 2018،ومع تمكن الجيش السوري من تأمين العاصمة دمشق والمناطق التابعة لها من تهديدات “داعش” وإعلانها مناطق آمنة،وتأكيدالمتحدث العسكري،خلال شهر مايو من العام ذاته، طرد عناصر التنظيم من مناطق الحجر الأسود ومخيم اليرموك؛ باتت عمليات التنظيم في العاصمة والمناطق التابعة لها تتسم بالمحدودية.

وبمراجعة النشاط العملياتي للتنظيم خلال عام 2022 في سوريا، يتضح أن “داعش” لم يُعلن سوى عن عملية واحدة فقط في دمشق ومحيطها، خلال شهر مايو، رغم تفجير عبوتين ناسفتين على آليتين لمن وصفهم بـ”المليشيات النصيرية”، في قرية الدرخبية بريف دمشق الغربي، هذا بخلاف العمليات المنسوبة للتنظيم دون إعلان مسئوليته عنها.

في حين أن العمليات التي أعلن عنها التنظيم منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية شهر يوليو، بلغت 3 عمليات: الأولى خلال شهر مايو، حينما زعم تفجير “مفرزة أمنية” عبوة ناسفة على آلية داخل مركز للشرطة بمنطقة برزة في دمشق، والثانية والثالثة خلال شهر يوليو في بلدة السيدة زينب، جنوبي العاصمة.

2- تراجع الهجمات في جنوب سوريا: بموازاة تزايد معدل العمليات في دمشق ومحيطها، فإن ثمة تراجعاً ملحوظاً في النشاط العملياتي للتنظيم جنوبي سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية،إذ لم يُعلن التنظيم سوى عن عملية واحدة في محافظة درعا خلال شهر أبريل الماضي، وزعم استهداف ضابط في الجيش السوري في بلدة قرفا شمالي درعا.

ويتضح من خلال النشاط العملياتي للتنظيم المعلن، أن ثمة تراجعاً في معدل العمليات في درعا جنوبي البلاد، خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2023، مقارنة بالإعلان عن أربع عمليات خلال عام 2022.

ورغم تفاوت العدد بين العمليات التي يُعلن عنها التنظيم، سواء في درعا أو في مناطق أخرى في الجغرافيا السورية، وبين العمليات المنسوبة للتنظيم؛ إلا أنّه يتضح تراجع معدل النشاط العملياتي في درعا، خاصة عقب العمليات التي نفذها الجيش السوري خلال العام الماضي لملاحقة عناصر التنظيم، بعد استمرار معدلات استهداف قوات الجيش.

كما أن العملية التي نفذتها أطراف وفصائل مسلحة محلية في مدينة جاسم، لمواجهة خلايا ومجموعات التنظيم التي انتشرت في المدينة، ساهمت في تحجيم نشاط التنظيم في الجنوب، خاصة وأنه يعتقد أن زعيم التنظيم السابق ويدعى أبو الحسن القرشي، قتل خلال تلك المواجهات في أكتوبر 2022.

3- خفوت النشاط العملياتي في سوريا: تكشف بعض المؤشرات عن تراجع النشاط العملياتي لـ”داعش” في سوريا خلال العام الجاري، مقارنة بالعام الماضي، إذ لم يتمكن التنظيم من الحفاظ على معدل مرتفع للنشاط العملياتي،حيث تراجع منحنى النشاط منذ شهر أبريل الماضي وصولاً إلى شهر يوليو الحالي.

وكانت إفادة ماثيو ماكفارلين، قائد قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، المعنية بمواجهة تنظيم “داعش”، كاشفة لتراجع النشاط العملياتي للتنظيم، إذ أعلن تسجيل انخفاض بنسبة 55% في عمليات التنظيم بسوريا، خلال الفترة من 1 يناير حتى 7 أبريل، مقارنة بالفترة الزمنية ذاتها خلال عام 2022.

ويعكس التراجع في عمليات تنظيم “داعش” حجم الضغوط على التنظيم في مختلف مناطق سوريا، مع استئناف الطيران الروسي عمليات القصف لمواقع تمركزاته في البادية السورية، إضافة إلى تكثيف العمليات من قبل التحالف الدولي لمواجهة “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في شمال شرقي سوريا، بالتعاون مع الكيانات العسكرية والأمنية التابعة لـ”الإدارة الذاتية”.

4- أربعة أبعاد رئيسية للعمليتين: بالنظر إلى العمليتين اللتين تم تنفيذهما في السيدة زينب جنوبي دمشق، يمكن الإشارة إلى أربعة أبعاد رئيسية لهما: أولاً، التركيز على استهداف المدنيين، إذ كانت العمليتان تستهدفان المدنيين من الشيعة الذين توافدوا على البلدة لإحياء ذكرى “عاشوراء”، في المقابل لم تشهد العاصمة والمناطق المحيطة بها استهدافاً لقوات الجيش.

وثانياً، نفذ التنظيم العمليتين بنفس النمط، بالاعتماد على زراعة متفجرات في دراجات نارية، وسط تجمعات للمدنيين، دون اللجوء إلى تنفيذ هجوم مباشر بالأسلحة النارية، بالاعتماد على انغماسي يمكنه الهجوم وتفجير نفسه أيضاً. وثالثاً، تنفيذ عمليتين في توقيت زمني متقارب، بما يشير إلى التخطيط المسبق والتجهيز. ورابعاً، توقيت التنفيذ، ويتصل بالتخطيط أيضاً للعمليتين، حيث تم اختيار توقيت التنفيذ ليتوافق مع ذكرى “عاشوراء”، إضافة لاختيار بلدة السيدة زينب، التي لها مكانة عند الشيعة.

اختبار صعب

في ضوء السياقات الحاكمة لنشاط تنظيم “داعش” في سوريا، وأبعاد العمليتين المشار إليهما في جنوب دمشق، يمكن التطرق إلى بعض الدلالات الرئيسية، كالتالي:

1- محاولة الترويج لنشاط “داعش”: تحملعمليتا “داعش” في بلدة السيدة زينب، دلالة دعائية للتنظيم بشكل رئيسي، في محاولة لإثبات استمرار نشاطه في سوريا، ولذلك كان اختيار الهدف وتوقيت العمليتين، خاصة وأن تلك البلدة تمتلك بعداً رمزياً لدى الشيعة، إضافة إلى أن العمليتين كانتا خلال احتفالات ذكرى “عاشوراء” التي يتوافد خلالها على البلدة حشود كبيرة، وبالتالي انتظار التنفيذ لكي يسقط أكبر عدد ممكن من الضحايا المدنيين، وفي مناسبة دينية.

يتّسق مع هذا الاتجاه الدعائي لتنظيم “داعش” في العمليتين، تراجع العمليات في جنوب سوريا، وتحديداً بمحافظة درعا خلال العام الجاري، ولا سيما منذ شهر أغسطس 2022، مع تذبذب منحنى النشاط العملياتي بشكل عام في سوريا، وبالتالي فإن التنظيم يرغب في تصدير العمليتين، خاصة مع رمزية التوقيت والمكان.

2- محدودية القدرة على تنفيذ هجمات كبيرة: يلاحظ من خلال اعتماد التنظيم على دراجات نارية مفخخة، وزراعتها وسط تجمعات الوافدين على البلدة في ذكرى “عاشوراء”؛ أن ثمّة محدودية في قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات كبيرة معقدة لناحية التخطيط والتنفيذ،مع عدم تنفيذ عمليات بموازاة ذلك ضد قوات الجيش السوري المنتشرة في المناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، وباتجاه محافظة درعا، عقب السيطرة التدريجية على الجنوب السوري، وإقامة حواجز في مناطق متفرقة، رغم عدم السيطرة الكاملة على جميع مناطق الجنوب، وفقاً لاتفاق التسوية مع الفصائل المسلحة المحلية.

وهنا، فإن العمليتين رغم الصدى الدعائي الواضح لهما، إلا أنهما لا تعكسان تطور قدرات التنظيم في نطاق العاصمة والمناطق المحيطة بها، وباتجاه الجنوب السوري، مقارنة بالعمليات في البادية السورية وبشمال شرقي سوريا.

3- خلية صغيرة للعمليات في دمشق ومحيطها: يبرز من خلال نمط تنفيذ العمليتين، ضعف وجود التنظيم في بلدة السيدة زينب، أو في العاصمة ومحيطها بشكل عام. ويبدو أن التنظيم اعتمد على خلية صغيرة لتنفيذ العمليتين، مع محدودية عدد عناصر التنظيم في تلك الجغرافيا من سوريا.

وبالنظر إلى تنفيذ تفجيري السيدة زينب، فإن ثمة احتمالات ترتبط بهذه الخلية، التي تعتمد بشكل رئيسي على التفجيرات، وأنها الخلية ذاتها المسئولة عن استهداف مركزين للشرطة في دمشق، إذ أعلن التنظيم في شهر مايو الماضي عن العملية مع الإشارة إلى أن “مفرزة أمنية” نفذتها.

4- اختراق التحصينات والاستجابة الضعيفة: يعكس تفجيرا السيدة زينب قدرة التنظيم على اختراق التحصينات الأمنية المفروضة على البلدة، خاصة في ظل احتمالات ارتفاع مستوى الإجراءات الأمنية خلال إحياء ذكرى “عاشوراء”، وهو ما يطرح احتمالات عديدة، منها أن التنظيم خطط للعملية منذ فترة طويلة، استبقت رفع مستوى الإجراءات الأمنية، لضمان عدم كشف تحركات الخلية وتخزين المتفجرات دون لفت الأنظار والدفع ببعض عناصره إلى البلدة، أو أن عناصر التنظيم تسللت بين الحشود التي تتوافد إلى البلدة، أو أن التنظيم يمتلك عناصر في البلدة ولكن كانت خاملة ولا تنشط داخلها.

وفي مقابل قدرة التنظيم على اختراق التحصينات الأمنية، فإن العمليتين تعكسان ضعف الاستجابة الأمنية لتأمين البلدة والحشود، خاصة وأن التنظيم نفذ عملية ثانية خلال 48 ساعة من تنفيذ العملية الأولى، دون القدرة على ضبط الوضع الأمني، وزيادة مستوى التأمين.

تهديد محتمل

أخيراً، ورغم تأثيرات عمليتي تنظيم “داعش” في بلدة السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق، على خلفية سقوط ضحايا من المدنيين، واختراق التنظيم للتحصينات الأمنية المرتبطة بتأمين الحشود التي تتوافد لزيارة ضريح السيدة زينب في ذكرى “عاشوراء”؛ إلا أنها لا تعكس تطور قدرات التنظيم، لكن مع تراجع النشاط العملياتي لـ”داعش” جنوب البلاد، يمكن أن ترتفع معدلات العمليات باتجاه العاصمة دمشق والمناطق المحيطة بها مقارنة بعام 2022، من دون القدرة على تنفيذ عمليات كبيرة لتحقيق أهداف رئيسية للتنظيم.