سياسة مزدوجة:
لماذا مددت واشنطن قانون “حالة الطوارئ الوطنية” ضد طهران؟

سياسة مزدوجة:

لماذا مددت واشنطن قانون “حالة الطوارئ الوطنية” ضد طهران؟



تتجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية ضد إيران، فبعد أن هددت في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي عقد خلال الفترة من 4 إلى 8 مارس الجاري، بالعمل على استصدار قرار ضد إيران في حالة عدم تعاونها بشكل كافٍ مع الوكالة، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في رسالة وجهها إلى الكونجرس، في 13 من الشهر نفسه، عن تمديد قانون “حالة الطوارئ الوطنية” الخاص بإيران لمدة عام آخر، مشيراً إلى أن “تصرفات وسياسات الحكومة الإيرانية لا تزال تشكل تهديداً غير عادي واستثنائياً للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة الأمريكية”.

وفي الواقع، فإن هذه الإجراءات لا تتصل فقط بتزايد قلق واشنطن من تصاعد الأنشطة النووية الإيرانية، ولا باتساع نطاق الخلافات حول التصعيد في منطقة الشرق الأوسط؛ وإنما ترتبط أيضاً بحسابات داخلية أمريكية، ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في 5 نوفمبر القادم، خاصة بعد أن بات واضحاً أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سوف يكون هو المنافس الجمهوري للرئيس بايدن في الانتخابات.

دوافع عديدة

يمكن تفسير إقدام واشنطن على تمديد قانون “حالة الطوارئ المدنية” الخاص بإيران في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الحفاظ على أوراق الضغط: ترى واشنطن أن تمديد القانون يمكنها من الحفاظ على أوراق الضغط في مواجهة إيران، وبالتالي موازنة الإجراءات التصعيدية التي تتخذها الأخيرة على مستوى البرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية والتدخلات الإقليمية، التي تضعها الإدارة في إطار “دعم الإرهاب”، في ظل العلاقات القوية التي تؤسسها إيران مع المليشيات المسلحة في بعض دول الصراعات، ولا سيما لبنان وسوريا والعراق واليمن، والتي تصنف واشنطن بعضها كـ”تنظيمات إرهابية”.

وفي رؤية واشنطن، فإن هذا التوجه يساعد في تعزيز موقعها التفاوضي أمام إيران، لا سيما في حالة تجدد المفاوضات بين الطرفين حول البرنامج النووي، حيث كان أحد المطالب الرئيسية التي تبنتها إيران في المفاوضات السابقة التي أجريت خلال الفترة من أبريل 2021 وحتى أغسطس 2022، يتمثل في رفع القسم الأكبر من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران، خاصة العقوبات الخاصة بالصادرات النفطية والحرس الثوري.

2- تقليص حدة الضغوط الداخلية: يتعرض الرئيس جو بايدن لضغوط داخلية شديدة من جانب بعض أقطاب الحزب الجمهوري، فضلاً عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبعض أعضاء إدارته السابقة. وربما يتوقع الرئيس بايدن أن يكون الملف الإيراني أحد محاور الحملات الانتخابية في الفترة القادمة، لا سيما في ظل التباين الواضح في التوجهات مع الحزب الجمهوري والرئيس السابق ترامب حول هذا الملف.

وقد مثّلت صفقة “تبادل السجناء” التي أُبرمت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، في 18 سبتمبر الماضي، فرصة للجمهوريين والرئيس السابق ترامب من أجل توجيه انتقادات قوية ضد الرئيس بايدن. ففي اليوم نفسه، قال ترامب: “صفقة الرهائن السخيفة هذه مع إيران والتي تبلغ قيمتها 6 مليارات دولار شكلت سابقة رهيبة للمستقبل”، مضيفاً: “أعدت 58 رهينة إلى الوطن من العديد من البلدان، بما في ذلك كوريا الشمالية، ولم أدفع أي شيء أبداً.. بمجرد الدفع، ستدفع دائماً، وسيتم أخذ العديد من الرهائن.. لقد أعطى بايدن غير الكُفْء 6 مليارات دولار مقابل تحرير خمسة أشخاص، وأعطت إيران صفراً مقابل تحرير 5 أشخاص”.

3- استغلال “التهديدات النووية” لصالحي: كان لافتاً أن التغير الملحوظ في السياسة الأمريكية تجاه إيران جاء بعد التصريحات التي أدلى بها رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية السابق (وزير الخارجية الأسبق) علي أكبر صالحي للتليفزيون الحكومي، في 11 فبراير الفائت، والتي شبه فيها البرنامج النووي بعملية تصنيع سيارة، مؤكداً أن “إيران تمتلك كل مكونات السيارة”، في إشارة إلى أن لديها من القدرات النووية ما يمكن أن يساعدها، في حالة اتخاذ قرار سياسي في هذا الصدد، على الدخول في مرحلة إنتاج القنبلة النووية.

وقد كانت هذه التصريحات هي السبب الذي دفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إعادة توجيه انتقادات لتراجع مستوى التعاون الإيراني معها، على نحو هيأ المجال أمام التصعيد الأمريكي ضد طهران، سواء بالتهديد باستصدار قرار ضدها في مرحلة لاحقة، أو بتمديد قانون “حالة الطوارئ المدنية”. وربما يكون ذلك إشارة إلى طهران بأن عزوف الدول الغربية عن اتخاذ قرار قوي ضدها في اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي عقد في الفترة من 4 إلى 8 مارس الجاري، هو توجه مؤقت يأخذ في اعتباره التطورات الحالية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط على خلفية استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة وما يرتبط بها من تصعيد على جبهات إقليمية مختلفة.

4- استمرار التصعيد بين واشنطن والمليشيات: رغم أن إيران تدخلت، على ما يبدو، لضبط مستوى التصعيد بين المليشيات الموالية لها في بعض الدول مثل لبنان وسوريا والعراق، وبين الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما بعد الضربات التي وجهتها الأخيرة ضد بعض تلك المليشيات، خاصة “كتائب حزب الله”، رداً على الهجوم الذي تعرضت له القاعدة الأمريكية في شمال شرق الأردن “تي 22″، في 28 يناير الماضي، إلا أن واشنطن ما زالت ترى أن إيران هي “المُحرِّك” الأساسي لتلك المليشيات، وأنها يمكن أن تعود إلى منحها الضوء الأخضر لمواصلة الهجمات ضد القواعد الأمريكية في حالة ما إذا ارتأت أن ذلك يتوافق مع مصالحها. ويعني ذلك أن واشنطن ما زالت تعتبر أن تراجع المليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا عن رفع مستوى استهداف القواعد الأمريكية قد يكون مؤقتاً بانتظار تبلور ظروف أخرى لإعادة تصعيد تلك الهجمات، لا سيما في حال ما إذا اتجهت إسرائيل إلى توسيع نطاق جبهة الصراع لتشمل الانخراط في حرب مباشرة مع “حزب الله” اللبناني.

تحركات مضادة

ربما تتجه إيران إلى اتخاذ إجراءات مضادة رداً على هذا التغيير الملحوظ في السياسة الأمريكية، خاصة مع تبلور معالم المنافسة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث قد تعلن عن تطورات جديدة في برنامجها النووي، بالتوازي مع اتخاذ خطوات تصعيدية على مستوى برنامجها الصاروخي، وهو ما سوف يترافق في مجمله مع استمرارها في دعم المليشيات المسلحة في المنطقة، التي انخرط بعضها في مواجهات مباشرة مع واشنطن.