رسالة تحذير:
لماذا كثّف “داعش” عملياته في سوريا مجدداً؟

رسالة تحذير:

لماذا كثّف “داعش” عملياته في سوريا مجدداً؟



يمكن تفسير تزايد عمليات تنظيم “داعش” في سوريا خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الفائت، في ضوء دوافع عديدة، منها تعزيز نفوذ التنظيم في نطاقات جغرافية أوسع، ومحاولة تحرير بعض عناصره خلال الهجوم على مقر أمني لـ”قسد” في الرقة، إضافة إلى مواجهة عمليات الجيش السوري في منطقة البادية، فضلاً عن محاولة إظهار عدم التأثر من عمليات القوات الأمريكية بالتعاون مع “قسد”، واستغلال الأوضاع المضطربة على خلفية التلويح بعملية عسكرية برية تركية في شمال شرق سوريا.

حرص تنظيم “داعش” على تكثيف هجماته في سوريا خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر 2022، بحوالي 7 عمليات. إذ نفذت مجموعات التنظيم هجوماً انغماسياً على مقر مركزي لقوى الأمن الداخلي التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” المعروفة بـ”قسد”، في محافظة الرقة، قبل تنفيذ سلسلة هجمات في منطقة البادية السورية، أسفرت عن مقتل نحو 22 فرداً في ثلاث هجمات متفرقة، وفقاً لبيان “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. ورغم مقتل زعيم التنظيم أبو الحسن الهاشمي القرشي في محافظة درعا؛ إلا أن مجموعات التنظيم في سوريا لا تزال تنشط عملياتياً خلال الأشهر القليلة الماضية.

اتجاهات النشاط

يمكن تحديد أبعاد النشاط العملياتي لمجموعات تنظيم “داعش” في سوريا خلال الربع الأخير من عام 2022، للوقوف على حدود قدرات تلك المجموعات، والاتجاهات الرئيسية للنشاط العملياتي، وذلك على النحو التالي:

1– استقرار العمليات خلال الربع الأخير من 2022: رغم تضارب عدد العمليات المنسوبة لمجموعات تنظيم “داعش” في سوريا بين بيانات “مشروع مكافحة التطرف” Counter Extremism Project، والعمليات التي تُعلن عنها “وكالة أعماق” الموالية للتنظيم، فإن ثمة قدراً من التقارب في البيانات، يشير إلى استقرار منحنى النشاط العملياتي خلال الربع الأخير من عام 2022. إذ كشفت بيانات “مشروع مكافحة التطرف” أن مجموعات “داعش” نفذت ما لا يقل عن 12 عملية في شهر أكتوبر الماضي، وما لا يقل عن 9 عمليات خلال شهر نوفمبر الماضي.

في حين أشار حصر عدد العمليات التي تضمنتها بيانات وكالة “أعماق”، إلى تنفيذ عددٍ متساوٍ من العمليات خلال الربع الأخير من عام 2022، كما يوضح المخطط التالي:

وبشكلٍ عام، تُشير بيانات عدد عمليات التنظيم إلى قدر من الاستقرار في عمليات التنظيم خلال الثلاثة أشهر الماضية، مع هامش من التراجع أو الزيادة في عدد العمليات، ولكن لا يعكس زيادة في القدرات العملياتية أو تراجعها.

2– تركيز العمليات في محافظة دير الزور: تكشف البيانات التفصيلية التي تنشرها “وكالة أعماق” الموالية لـ”داعش”، عن تركيز النشاط العملياتي لمجموعات التنظيم في نطاق محافظة دير الزور، مقارنة بنطاقات النشاط العملياتي في سوريا. إذ تصدرت محافظة دير الزور أعلى معدل للنشاط في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022، بفارق كبير عن محافظتي الحسكة والرقة. ومع ذلك، فإن بعض التقديرات الغربية تشير إلى عدم إعلان التنظيم عن هجمات منسوبة له في بعض المناطق بالبادية السورية، خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، وسط ترجيحات بأن ثمة تغيراً في الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم “داعش” بسوريا خلال الأشهر القليلة الماضية.

3 – محاولة اقتحام مقر أمني مركزي لـ”قسد”: وفقاً لتطابق المعلومات بين إعلان قوات “قسد” وبيانات “وكالة أعماق”، فإن التنظيم أقدم على هجوم انغماسي لاستهداف أحد المقرات الأمنية المركزية لقوات الأمن التابعة لـ”قسد” في محافظة الرقة، بالقرب من سجن استخبارات عسكرية في حي الانتفاضة بالريف الغربي في الرقة أسفر، وفقاً لـ”المرصد السوري”، عن مقتل 6 عناصر تابعين لـ”قسد”، فيما فرضت ما تُعرف بـ”الإدارة الذاتية” حالة الطوارئ والحظر الكلي في مدينة الرقة بداية من 26 ديسمبر الفائت، وحتى إشعار آخر، وفقاً لبيان رسمي.

ويعد الهجوم على مقر أمني مركزي تابع لـ”قسد” الأول من نوعه عقب محاولة الهجوم على سجن غويران في محافظة الحسكة في يناير 2022، ويأتي الهجومان لمحاولة تحرير عناصر التنظيم المحتجزين في سجون ومقرات أمنية تابعة لـ”قسد”، إذ تضمن بيان “وكالة أعماق” للإعلان عن الهجوم ما يلى: “وليعلم أسرانا الصابرون والصابرات أن رسائلكم قد وصلت إلى إخوانكم المجاهدين”، في إشارة إلى أن الهدف من الهجوم هو محاولة تحرير عناصر التنظيم.

4- تنوع الهجمات دون بروز قدرات فائقة: رغم تنوع عمليات التنظيم بين استهداف حواجز أو آليات سواء تابعة لقوات “قسد” أو الجيش السوري، إضافة إلى قتل من يصفهم بـ”الجواسيس”، فإن ذلك لا يعكس تطوراً في القدرات العملياتية لمجموعات “داعش” في سوريا، باستثناء بعض العمليات التي تبدو أكثر تنسيقاً في توقيتها، مثل سلسلة الهجمات التي نفذها خلال الأسبوع الأخير في شهر ديسمبر الفائت، وكان أبرزها محاولة الهجوم على مقر أمني مركزي لـ”قسد” في الرقة، ولكن في الوقت ذاته تعكس سلسلة الهجمات قدراً من تعزيز التواصل والتنسيق بين مجموعات التنظيم في منطقة البادية، التي تنطلق في عملياتها بمحافظات دير الزور والرقة بشكل أساسي، والحسكة وحلب وحماة بقدر أقل.

تعزيز النفوذ

بالنظر إلى المتغيرات الطارئة على الساحة السورية خلال الشهرين الماضيين، يمكن الإشارة إلى بعض دوافع التنظيم من تكثيف عملياته أخيراً، وأبرزها:

1- مواجهة عمليات الجيش السوري في البادية: رغم عدم إعلان “داعش” رسمياً عن عملياته الثلاثة نهاية شهر ديسمبر الفائت، في منطقة البادية، إذ نفذ ثلاث عمليات لاستهداف موقع عسكري للجيش السوري في تدمر بمحافظة حمص، إضافة إلى استهداف عمال يعملون في حقل نفطي في دير الزور، فضلاً عن استهداف عناصر مما يُعرف بـ”الدفاع الوطني” جنوبي الرقة بالألغام التي تزرعها مجموعاته، وفقاً لبيان “المرصد السوري”؛ إلا أنه يمكن تفسير تكثيف عملياته بنهاية شهر ديسمبر الفائت في إطار مواجهة عمليات الجيش السوري ضده في منطقة البادية، خاصة مع الأنباء التي برزت خلال منتصف شهر ديسمبر الفائت بأن عناصر التنظيم تمكنت من الهجوم على بلدة الكوم في بادية السخنة شرقي محافظة حمص، قبل أن تسيطر على البلدة لمدة يوم كامل، إضافة للسيطرة على طريق دير الزور–دمشق لعدة ساعات.

2- استغلال الأوضاع المضطربة بسوريا: سعى التنظيم إلى استغلال الأوضاع المضطربة التي يمكن أن تتسبب في هشاشة أمنية متزايدة، على خلفية عمليات القصف الجوي والمدفعي للجيش التركي على مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، والتلويح بعملية برية، مما دفع “قسد” إلى منح الأولوية للاستعداد لمواجهة اجتياح بري تركي مدعوم بمليشيات موالية، وهو ما يوفر بيئة مناسبة لنشاط عملياتي للتنظيم، لناحية خفض مستوى الضغط على مجموعاته التي تنشط في نطاق شمال شرقي سوريا، مما أسفر عن التخطيط لمحاولة اقتحام مركز أمني في محافظة الرقة نهاية شهر ديسمبر الفائت.

3- إظهار عدم التأثر بعمليات القوات الأمريكية: نفذت القوات الأمريكية العاملة في سوريا ضمن التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” خلال شهر ديسمبر الفائت، عدداً من العمليات لاستهداف وملاحقة قيادات وعناصر فاعلة داخل التنظيم، وتحديداً في محافظة دير الزور، التي شهدت نشاطاً ملحوظاً للتنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية. وعقب إعلان “قسد” توقف العمليات ضد تنظيم “داعش” على خلفية العملية العسكرية التركية، التي توقفت عند حدود القصف الجوي والمدفعي، بدا أن ثمة نشاطاً متزايداً ليس على مستوى العمليات فقط، وإنما أيضاً على مستوى ظهور عناصر التنظيم بصورة أكبر في محافظة دير الزور تحديداً، إذ نشرت تقارير إعلامية محلية أن بعضاً من عناصر “داعش” تجولت في بعض المناطق بالمحافظة ورفعت أعلام التنظيم، بما دفع إلى استئناف عمليات مواجهة التنظيم، إذ نفذت قوات “قسد” عدة عمليات، لاستهداف عناصره، منها 3 عمليات في دير الزور والحسكة، وإلقاء القبض على قيادي بالتنظيم، فضلاً عن عناصر متورطة أخرى.

4- توسيع الانتشار في نطاقات جغرافية أوسع: خلال الأشهر القليلة الماضية، أشارت بعض التقديرات إلى اتجاه التنظيم نحو إعادة هيكلة مجموعاته في سوريا، وتحديداً في البادية السورية، لزيادة نشاطه العملياتي، وربما تمكن التنظيم من اتخاذ هذه الخطوة، ومن ثم فإنه يسعى خلال الفترة المقبلة لتعزيز نفوذه في نطاقات جغرافية أوسع، في ظل محاولات لتحرير عناصره في سجون “قسد” بشمال شرقي سوريا خلال عام 2023، خاصة مع الرسالة التي أشار إليها بيان “وكالة أعماق” لتبني التنظيم الهجوم على مركز أمني لـ”قسد”، والتي أكد خلالها أنه لن يتخلى عن عناصره في السجون، وسيسعى لتحريرهم، وإذا نجح في هذه الخطوة مستقبلاً فيُمكن أن يزيد من نفوذه الميداني، ويدعم نشاطه العملياتي.

خطر محتمل

أخيراً، فإنه على الرغم من تكثيف مجموعات تنظيم “داعش” في سوريا من عملياتها خلال الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر الفائت، والتي بدا أنها تشير إلى تعزيز التنسيق والتواصل بين هذه المجموعات، إلا أنها لا تعكس تطوراً كبيراً في القدرات العملياتية لتلك المجموعات في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية، وإن كانت تُوجه رسالة تحذير تكشف عن قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات منسقة في ظل ظروف معينة، يمكن أن تتصاعد خلال الفترة المقبلة، حال عدم القدرة على مواصلة الضغط على مجموعاته، وتفكيك خلاياه، وتشديد التأمين على المقرات والسجون التي تضم عناصره في شمال شرق سوريا.