إثارة الفوضى:
لماذا كثّف تنظيم “القاعدة” استهداف القيادات الأمنية جنوب اليمن؟

إثارة الفوضى:

لماذا كثّف تنظيم “القاعدة” استهداف القيادات الأمنية جنوب اليمن؟



يشير تكثيف فرع تنظيم “القاعدة” في اليمن، استهداف قيادات أمنية بارزة في محافظتي “أبين وشبوة”، إلى محاولة إرباك مخططات عمليات القوات الأمنية لملاحقة عناصر التنظيم، إضافةً إلى الرغبة في إحداث خلل على مستوى هياكل تلك القوات من خلال محاولة استنزاف القيادات البارزة على فترات زمنية متقاربة، مع الرغبة في التمسك بما تبقى للتنظيم من نفوذ في المحافظتين، عقب عملية “سهام الشرق”، لطرد عناصر التنظيم من الملاذات الآمنة، مع محاولات استغلال التقاطعات بين المكونات المختلفة في الجنوب، والتقارب مع بعض القبائل في الجنوب، أو على الأقل استقطاب عناصر جديدة.

أعلن فرع تنظيم “القاعدة” في اليمن، مسؤوليته عن استهداف اثنين من القيادات الأمنية، جنوبي البلاد، في عمليتين منفصلتين، خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر الجاري، بما يعكس رغبة من قبل التنظيم في تكثيف العمليات النوعية لاستهداف القيادات الأمنية البارزة، التي تشارك في العمليات ضد عناصر التنظيم.

وعلى الرغم من إعلان التنظيم خلال الأشهر القليلة الفائتة، وتحديداً منذ الربع الأخير من العام الفائت، عن استهداف قيادات أمنية بارزة؛ إلا أن ثمة تحولات في العمليتين خلال شهر أكتوبر الجاري، خاصة على مستوى أن الاستهداف ليس عرضياً خلال المواجهات المسلحة بين عناصر التنظيم والقوات الأمنية جنوبي البلاد، وإنما كان استهدافاً متعمداً.

طبيعة النشاط

ويمكن التطرق إلى أبعاد عمليتي التنظيم لاستهداف قيادات أمنية جنوبي اليمن، في سياق عمليات الاستهداف التي زعم التنظيم مسؤوليته عنها خلال الفترة (1 يناير – 8 أكتوبر 2023)، كالتالي:

1- معدل الاستهداف: من خلال حصر العمليات التي أعلن التنظيم تنفيذها لاستهداف قيادات أمنية جنوبي اليمن، يمكن الإشارة إلى أن منحنى النشاط العملياتي متذبذب، إذ لم يتمكن التنظيم من الحفاظ على وتيرة ثابتة لهذا النوع من العمليات، فيما كان أعلى معدل خلال أشهر (فبراير، ويونيو، ويوليو)، بواقع عمليتين لكل منهم، ولكن اللافت أن التنظيم زعم تنفيذ عمليتين خلال الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، بالتساوي مع أعلى معدل للعمليات خلال الأشهر المشار إليها، كما يوضح المخطط التالي:

وبالنظر إلى تكثيف التنظيم عملياته لاستهداف قيادات خلال مطلع شهر أكتوبر الجاري، فإن زيادة معدل العمليات محتمل خلال الشهر الجاري، وقد يكون مؤشراً على احتمالات زيادة معدلات هذه العمليات خلال الفترة المقبلة.

2- أنماط الاستهداف: لا تتوقف التحولات بتكثيف التنظيم عملياته لاستهداف قيادات أمنية جنوبي اليمن، ولكن ما يتصل بها من أنماط الاستهداف، خاصة أن العمليتين خلافاً لأغلب العمليات المسجلة للتنظيم، كانت في إطار استهداف متعمد.

وبشكل عام، فإن أغلب العمليات التي أعلن عنها التنظيم لاستهداف القيادات الأمنية، كانت في سياق معارك ومواجهات مباشرة، خلال محاولات القوات الأمنية في الجنوب اقتحام معاقل التنظيم، وتحديداً في محافظتي “أبين وشبوة”، إذ تم تسجيل 7 عمليات لاستهداف قيادات أمنية، مقابل عمليتين بنهاية شهر سبتمبر الفائت، قبل تسجيل عمليتين باستهداف متعمد، كما يوضح المخطط التالي:

ويُشير الاستهداف المتعمد إلى تركيز التنظيم على هذا النمط من العمليات لاستهداف القيادات الأمنية البارزة، بما ينطوي على ذلك من تخطيط مسبق، وتشكيل مجموعات لهذا الغرض، فضلاً عن تنشيط خلايا جمع المعلومات، وتعقب خطوط سير القيادات الأمنية المستهدفة.

3- تكتيك التنفيذ: واتصالاً بالاستهداف المتعمد للقيادات الأمنية، وفي ضوء ما أعلنه التنظيم، يمكن ملاحظة تنويع التنظيم لتكتيكات التنفيذ، في عمليات الاستهداف المتعمد للقيادات، سواء بالعبوات الناسفة، أو استخدام طائرة مسيرة من دون طيار، وقصف مقر إقامة بعض القيادات بقذائف الهاون.

ولكن في المقابل فإنّ مقتل أو إصابة بعض القيادات التي أعلن عنها التنظيم سقطت بشكل عرضي خلال العمليات العسكرية التي تنفذ ضد عناصر التنظيم، مع تركيز على استهداف بعض تلك القيادات خلال العمليات العسكرية.

واللافت أن الاستهداف المتعمد للقيادات الأمنية، برز بداية من شهر مايو الفائت، فيما لم تسجل عمليات بهذا النمط منذ مطلع العام الجاري، مع استمرار عمليات الاستهداف العرضي خلال العمليات العسكرية للقيادات.

4- نطاق الاستهداف: وفي حين أن التنظيم سبق أن نفذ عمليات لاستهداف قيادات أمنية بشكل متعمد في جنوب اليمن، بمحافظة عدن سابقاً، إلا أن استهداف القيادات الأمنية بشكل متعمد تركز على محافظتي “أبين وشبوة” فقط، ولم يمتد إلى خارجهما، وفقاً لبيانات التنظيم منذ شهر يناير الفائت.

وبغضّ النظر عن الاستهداف المتعمد أو العرضي للقيادات الأمنية، سجلت محافظة أبين النسبة الأكبر من عمليات الاستهداف، مقارنة بمحافظة شبوة، وفقاً للمخطط التالي:

أسباب متداخلة

وفي ضوء طبيعة عمليات استهداف فرع تنظيم “القاعدة” للقيادات الأمنية جنوب اليمن، والنطاقات الجغرافية، وتكتيكات التنفيذ؛ يمكن الإشارة إلى بعض أسباب تكثيف الاستهداف، والتركيز على الاستهداف المتعمد، وأبرزها:

1- “قطع رأس” قيادات القوات الأمنية: ركزت الأدبيات الغربية في مكافحة التمرد والإرهاب، على تكتيك قطع رأس القيادة، كأحد مقومات مواجهة حركات التمرد والتنظيمات الإرهابية، في محاولة لاستنزاف قدرات تلك الحركات والتنظيمات، من خلال إحداث خلل في التسلسل القيادي، بما يؤدي إلى أزمة في الهياكل الداخلية، وربما يرغب تنظيم “القاعدة”، الذي تأثر بهذا التكتيك باستهداف أبرز قياداته خلال العقد الفائت، في تطبيقه على القوات الأمنية جنوب البلاد، هذا على الرغم من اختلاف تأثيرات مقتل قيادات أمنية، مقارنة بالتراجع الكبير الذي شهده فرع “القاعدة” في اليمن.

ويتضح من خلال تتبع العمليات المسجلة للتنظيم لاستهداف القيادات الأمنية، أنه يركز على القيادات العليا البارزة، إذ كان أحد القيادات الذي تعرض للاستهداف خلال شهر أكتوبر الجاري قائد قطاع شقرة سالم صلعان بعبوة ناسفة في مديرية مودية بمحافظة أبين، والثاني قائد القوات الخاصة، حينما استهدفه التنظيم باستخدام سيارة مفخخة، في مدينة “زنجبار” في محافظة أبين، في حين أشارت تقارير إعلامية إلى أن الأخير نجا من محاولة استهدافه.

2- إرباك مخططات القوات الأمنية جنوباً: تمثل عمليات استهداف التنظيم للقيادات الأمنية جنوبي البلاد، في أحد جوانبها، محاولة لإرباك مخططات القوات الأمنية في الجنوب، لفرض الأمن والاستقرار، فضلاً عن استكمال عمليات ملاحقة عناصر التنظيم، والقضاء عليهم في إطار عملية “سهام الشرق”.

ويبرز ذلك من خلال تعمد التنظيم لاستهداف القيادات الأمنية التي تم تعيينها حديثاً، وبقدر ما يخدم ذلك مخططات التنظيم لاستنزاف الهياكل الداخلية للقوات الأمنية، إلا أنها تمثل ضغوطاً على القيادات التي ستتولى المسؤولية العليا في بعض تشكيلات تلك القوات الأمنية.

ومع نسبة استهداف موكب قائد قوات الحزام الأمني العميد عبد اللطيف محمد بافقيه السيد، بمديرية مودية بمحافظة أبين، إلى تنظيم “القاعدة”؛ فإن بعض التقارير الإعلامية أشارت إلى أن استهداف “السيد” جاءت عقب أيام من تعيينه في منصبه الجديد قائداً لقوات الحزام الأمني بمحافظة أبين.

3- التمسك بالنفوذ في “أبين وشبوة”: بالنظر إلى النطاق الجغرافي لاستهداف القيادات البارزة في القوات الأمنية جنوبي اليمن، وبالتركيز على محافظتي “أبين وشبوة”، وعدم استهداف قيادات أمنية في محافظة عدن على سبيل المثال؛ فإن التنظيم يهدف لمحاولة التمسك بما تبقى من نفوذ في المحافظتين، خاصة عقب سلسلة عمليات لعملية “سهام الشرق”.

إذ نفذت عملية “سهام الشرق” حملات خلال أكثر من عام مضى على معاقل التنظيم في الأودية الوعرة بمحافظة أبين، على وجه التحديد، لتطهيرها من عناصر التنظيم. وأمام ذلك، فإن فرع “القاعدة” في اليمن يرغب من خلال تنفيذ عمليات نوعية لاستهداف قيادات بارزة، في محاولة إظهار التكيف والتمسك بما تبقى من نفوذ في المحافظتين.

كما أن عمليات الاستهداف المتعمدة ترتبط بمحاولة الثأر من القوات الأمنية المشاركة في العمليات ضد التنظيم، لتحجيم نفوذه ومناطق سيطرته في جنوب اليمن، عقب الاتجاه مع نهاية عام 2021 إلى إعادة التركيز على النشاط العملياتي في جنوب اليمن، بعد التراجع عن أولوية التمركز في مناطق التماس مع “الحوثيين”.

4-  محاولات التشبيك مع القبائل: يسعى فرع “القاعدة” في اليمن خلال العامين الفائتين، إلى محاولة التشبيك مع القبائل جنوب اليمن، باعتبار أن تلك المناطق كانت مناطق نفوذ تقليدية تاريخياً، وفي أكثر من مناسبة وعبر أكثر من بيان لجأ التنظيم إلى “مغازلة” القبائل، من خلال الزعم بأن التنظيم أقرب للقبائل، وقاتل إلى جوارهم في مواجهة الحوثيين.

وهنا، فإن التنظيم يسعى لخلط الأوراق في جنوب اليمن غير المستقر، بمحاولة القفز على التفاعلات بين بعض المكونات، ومحاولة إظهار قدرته على تشكيل تحالفات مع بعض القبائل، أو على الأقل جذب بعض أبنائها للقتال في صفوف التنظيم، عبر تصدير “مظلومية” تتعرض لها قبائل الجنوب، أمام التفاعلات السياسية القائمة جنوب البلاد.

تهديد مستمر

رغم نجاح عملية “سهام الشرق” في تحجيم نفوذ فرع “القاعدة” في اليمن خلال الأشهر القليلة الفائتة؛ إلا أن التنظيم وبحكم التجربة التاريخية في اليمن يمكنه التكيف مع المتغيرات، ومحاولة تشكيل تحالفات وجذب عناصر جديدة من أبناء القبائل، عبر توظيف الظروف والسياقات المتداخلة في اليمن على مدار سنوات، وهو ما تزايد خلال السنوات القليلة الفائتة مع تقاطع المصالح والرؤى للكيانات الموالية للشرعية في جنوب البلاد.

وتُشير اتجاهات النشاط للتنظيم، بشأن استهداف القيادات الأمنية البارزة، إلى استمرار نفس النمط خلال الفترة المقبلة، سواء بنفس الوتيرة، أو زيادة معدلات الاستهداف، خاصة مع الاعتماد على التفجيرات سواء عبوات ناسفة أو سيارات مفخخة، مع نشاط خلايا لتنفيذ هذا النمط من العمليات، في ظل عدم قدرة القوات الأمنية على التصدي لتلك الخلايا، بما يستدعي التركيز على الجهد الاستخباراتي والمعلوماتي لتفكيك تلك الخلايا.