ملفات مترابطة:
لماذا كان الدور الإقليمي الإيراني حاضراً في الاحتجاجات؟

ملفات مترابطة:

لماذا كان الدور الإقليمي الإيراني حاضراً في الاحتجاجات؟



رغم أن الاحتجاجات التي تصاعدت حدتها في إيران، بداية من 16 سبتمبر الجاري، كانت بسبب وفاة الفتاة العشرينية الكردية مهسا أميني بعد تعرضها للاحتجاز من قبل شرطة الإرشاد بتهمة عدم ارتداء الحجاب بشكل كامل؛ إلا أن انتقالها من سنندج بكردستان إلى محافظات ومدن أخرى حتى وصلت إلى العاصمة طهران، أوحى من البداية بأن الأزمة تطورت من الاعتراض على القيود التي تتعرض لها المرأة والقوميات في إيران، إلى التنديد بالسياسات العامة للنظام، ولا سيما فيما يتعلق بسعيه إلى تعزيز التمدد في الخارج على حساب معالجة الأوضاع المعيشية في الداخل.

واللافت في هذا السياق أيضاً هو أن النظام نفسه كان حريصاً على نقل هذه الأزمة من حيزها المحلي الضيق إلى الفضاء الخارجي الأوسع، سواء عبر اتهام المحتجين بخدمة أجندة خارجية من أجل تشويه الاحتجاجات الحالية وتقليص فرص تمددها وانتشارها، أو من خلال شن هجوم جديد ضد جماعات كردية مسلحة في شمال العراق، في 24 سبتمبر الجاري، وهو ما يعني في النهاية أن الدور الإقليمي الإيراني كان حاضراً بقوة منذ بداية الاحتجاجات الحالية.

اعتبارات عديدة

يمكن تفسير أسباب اتجاه المحتجين والنظام في إيران إلى الربط بين الدور الإقليمي والأسباب التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الحالية، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تزايد الاهتمام بمشكلات المرأة والقوميات: مع أن الاحتجاجات الحالية ليست الأولى من نوعها، إلا أن إحدى أهم خصائصها التي تميزها عن غيرها من الاحتجاجات السابقة، تتمثل في أنها حظيت بدعم خارجي، تمثل في التظاهرات التي نظمها أكراد عراقيون وإيرانيون، في 23 سبتمبر الجاري، في مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق، تضامناً مع مهسا أميني. وقد حمل المحتجون الذين تجمعوا خارج مكتب الأمم المتحدة في أربيل صور أميني وهتفوا “الموت للديكتاتور”، في إشارة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. كما نظّم متضامنون مع أميني تظاهرات في اسطنبول، حيث تداولت وكالات الأنباء صوراً لإحدى الإيرانيات وهي تقوم بقص شعرها تضامناً مع أميني التي احتُجزت بتهمة عدم ارتدائها الحجاب بشكل كامل. وتوازى مع ذلك تنظيم مظاهرات في عواصم غربية عديدة تنديداً بالقمع الذي تستخدمه السلطات في التعامل مع الاحتجاجات.

وهنا، فإن الدور الإقليمي كان متغيراً مهماً في هذا الصدد، باعتبار أن المتضامنين مع المحتجين الإيرانيين يرون أن النظام يتبع سياسة تعزز التمدد في الخارج على حساب الاهتمام بالتعامل مع الأزمات الداخلية، على غرار الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن أن قسماً من تمدده في الخارج يستهدف في المقام الأول المعارضة الإيرانية، بشكل بات يفرض بدوره مزيداً من التهديدات على أمن واستقرار بعض الدول. وقد استدعت اتجاهات عديدة الأزمة الأخيرة التي اندلعت بين إيران وألبانيا، في 7 سبتمبر الجاري، بعد أن قامت الأخيرة بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الأولى، عقب اتهامها بالمسئولية عن شن هجوم سيبراني استهدف مؤتمراً للمعارضة الإيرانية وبعض مؤسسات الدولة.

2- الأسباب الكامنة لاندلاع الأزمة: يكشف اندلاع الاحتجاجات بشكل متكرر داخل إيران أن مُحفِّزاتها قائمة بقوة، على المستويات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأنها دائماً ما تنتظر تطوراً محدداً لكي تتصاعد حدتها من جديد. وهنا، فإن قسماً من المحتجين يرون أن السبب الرئيسي في هذه الظاهرة يتمثل في إمعان النظام الإيراني في تبني السياسة نفسها التي تسببت في اندلاع الاحتجاجات السابقة، ولا سيما استنزاف الموارد الإيرانية في مواصلة تقديم الدعم العسكري والاقتصادي لحلفائه من المليشيات المسلحة الموجودة في دول الأزمات. ووفقاً لذلك، فإن هذا الاستنزاف كان سبباً رئيسياً في تفاقم الأزمة الاقتصادية واتساع نطاق تداعياتها الاجتماعية، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها إيران، بعد انتشار فيروس كورونا واندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، وقبلها إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها من جديد عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018.

3- التنديد بأدوار الحرس الثوري: رغم أن الحرس الثوري ما زال حريصاً على عدم التدخل بشكل مباشر في الاحتجاجات الأخيرة، على الأقل حتى الآن، إلا أنه تعرّض لانتقادات وحملات قوية من جانب المحتجين، الذين اعتبروا أن الأدوار التي يقوم بها على الساحة الخارجية دائماً ما تفرض تكلفة قوية على الداخل، سواء بسبب اتساع نطاق نفوذه الاقتصادي، أو بسبب إصراره على مواصلة تدخلاته الخارجية، التي دفعت أطرافاً إقليمية بدورها إلى اختراق الحدود الإيرانية وتنفيذ عمليات أمنية واستخباراتية داخل إيران نفسها، والتي أدت إلى اغتيال علماء نوويين وقادة عسكريين ومهاجمة منشآت نووية.

4- اتهام المحتجين بتنفيذ أجندات خارجية: كان لافتاً أن المؤسسة العسكرية وأجهزة الإعلام الموالية للنظام كانت حريصة من البداية على تبني ما يسمى “نظرية المؤامرة”، وهي الآلية نفسها التي اتبعتها في التعامل مع الاحتجاجات السابقة. ومن هنا، فإنها استغلت اهتمام بعض القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بتلك الاحتجاجات، لتأكيد أن منظميها يسعون إلى تنفيذ أجندات خارجية، لا سيما وأنها توازت مع تعثر المفاوضات النووية التي تجري في فيينا، بسبب استمرار الخلافات العالقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول بعض الملفات الأساسية. وقد بدا هذا التوجه جلياً في البيان الذي أصدره الجيش الإيراني، في 23 سبتمبر الجاري، والذي أكد فيه أن “هذه الأعمال اليائسة (الاحتجاجات) جزء من استراتيجية العدو لإضعاف النظام الإسلامي”.

5- توجيه رسائل صاروخية تحذيرية: يبدو أن الحرس الثوري تعمد شن هجوم بالمدفعية على مواقع جماعات كردية مسلحة في شمال العراق، في اليوم الثامن لاندلاع الاحتجاجات. ورغم أن العراق طالبت مراراً إيران بعدم تكرار تلك الهجمات، فإن توقيت هذا الهجوم الأخير يوحي بأن الحرس سعى من خلاله إلى تأكيد اتهامه السابق بوجود مؤامرة خارجية تقودها جهات تحاول استغلال الاحتجاجات لتقويض دعائم النظام الإيراني. ومن دون شك، فإن النظام يروج لأن الجهات تضم الجماعات القومية المسلحة، مثل الجماعات الكردية، إلى جانب منظمات المعارضة الموجودة في الخارج، على غرار منظمة “مجاهدي خلق”، التي تركز حملاتها في الوقت الحالي على الانتهاكات التي يرتكبها النظام ضد حقوق الإنسان، بالتوازي مع المخاطر التي يمكن أن يفرضها وصول إيران إلى صفقة نووية جديدة مع القوى الدولية في فيينا.

تباين الأولويات

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن أهم ما تكشف عنه الاحتجاجات الحالية هو تباين الأولويات بين النظام والشارع في إيران. ففي الوقت الذي يسعى المحتجون فيه إلى ممارسة ضغوط لدفع النظام إلى إجراء تغيير في سياسته باتجاه الاهتمام بمعالجة الأوضاع المعيشية التي اتسع نطاقها خلال السنوات الأخيرة، فإن الأخير يبدو مصراً على المضيّ قدماً في تبني السياسة نفسها، خاصة أن الأزمة الداخلية تتوازى مع ضغوط خارجية تتفاقم بدورها تدريجياً، على نحو يوحي بأن إيران ربما تكون مقبلة على استحقاقات صعبة على المستويات المختلفة خلال المرحلة القادمة.