تراجع الدور:
لماذا قامت الجزائر بإنهاء العمل بآلية “المبعوثين الخاصين”؟

تراجع الدور:

لماذا قامت الجزائر بإنهاء العمل بآلية “المبعوثين الخاصين”؟



أنهى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بموجب مرسوم رئاسي تم نشره في العدد الأخير من “الجريدة الرسمية”، في 6 أبريل الفائت، مهام خمسة مبعوثين خاصين، في وزارة الشئون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج. وكان هؤلاء المبعوثون الخاصون قد تم تعيينهم من جانب الرئيس، في سبتمبر 2021؛ إلا أن الأمانة العامة لوزارة الخارجية أبلغتهم، بعد حوالي “عشرين” شهراً فقط من تعيينهم، بإنهاء مهامهم.

واللافت أن هذا الإجراء يأتي بعد أيام قليلة من تعديل حكومي جرى في منتصف مارس الماضي، شمل 11 حقيبة وزارية؛ كان أبرزها حقيبة وزارة الخارجية، حيث تم استبعاد رمطان لعمامرة، بما يُشير، حسب بعض المراقبين، إلى أن إنهاء مهام المبعوثين الخاصين يبدو كأنه “تصفية” لتركة لعمامرة وزير الخارجية السابق، الذي كان وراء اقتراح استحداث هذه المناصب، لمساعدة الرئيس في مهامه الخارجية، وكان أيضاً وراء اختيار الأسماء التي تم تعيينها بمرسوم رئاسي.

أسباب متعددة

ذكرت الرئاسة الجزائرية، في سبتمبر 2021، أن قرار استحداث مناصب مبعوثين خاصين للجزائر يهدف إلى شحذ الجهاز الدبلوماسي الجزائري، وتعزيز قدرته على التفاعل والتأثير، وكذا مضاعفة حضور الجزائر على الساحتين الإقليمية والدولية. وأكدت أن المبعوثين سيتم تكليفهم بقيادة العمل الدولي للجزائر حول 7 محاور، تتعلق بجهود أساسية تعكس مصالح الجزائر وأولوياتها، وذلك تحت السلطة المباشرة لوزير الشئون الخارجية، حينذاك، رمطان لعمامرة. ويمكن تفسير أهم الأسباب التي دفعت الرئيس تبون إلى اتخاذ قرار إلغاء مهام خمسة من المبعوثين الخاصين السبعة، على النحو التالي:

1- توتر العلاقة بين الرئيس ووزير الخارجية السابق: بعد أن قضى بها عشرين شهراً، تم إبعاد لعمامرة عن وزارة الخارجية الجزائرية في التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس تبون، في 16 مارس الماضي، بسبب توتر العلاقة بين الطرفين، والذي يعود، حسب تقارير عديدة، إلى إعلان لعمامرة نيته الترشح لخوض غمار الانتخابات الرئاسية المُقرر تنظيمها في العام القادم 2024. لكن اتجاهات عديدة في الجزائر استبعدت أن يكون احتمال ترشح لعمامرة في الانتخابات الرئاسية القادمة هو السبب في ذلك، لا سيما أن الترتيبات الخاصة بهذه الانتخابات تتم صياغتها في غضون فترة قريبة من موعد إجراءها، فضلاً عن أن الجدل ما زال قائماً داخل الجزائر حول ترشح الرئيس تبون نفسه في الانتخابات.

وقد بدا هذا التوتر في العلاقة بين الرئيس ووزير خارجيته، بوضوح، عبر تغييب الأخير عن واجهة الأحداث الدبلوماسية؛ حيث غاب لعمامرة عن الدورة العادية رقم 159 لمجلس جامعة الدول العربية، على مستوى وزراء الخارجية، التي عقدت في القاهرة، في 8 مارس الماضي؛ كما غاب أيضاً عن استقبال مسئول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي قام بزيارة الجزائر في 12 من الشهر نفسه، في ضوء الأهمية الخاصة التي يوليها الاتحاد للعلاقات مع الأخيرة في أعقاب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية. وبالتالي، فقد جاءت إقالة المبعوثين الخاصين كأنها “تصفية” لتركة رمطان لعمامرة، خاصة أنه كان وراء استحداث هذه المناصب.

2- تراجع الدبلوماسية الجزائرية في ملف الصحراء: يسعى الرئيس الجزائري إلى تنشيط الدبلوماسية الجزائرية في أكثر من منطقة، خاصة في أفريقيا، بعد أن فقدت في السنوات الأخيرة تأثيرها؛ بينما حققت الدبلوماسية المغربية اختراقات مهمة في العديد من الملفات المستعصية، وساهمت بشكل كبير في تعزيز الوجود المغربي في العمق الأفريقي، بصفة الشريك المؤثر في قضايا مثل الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب، إلى جانب شراكات اقتصادية واسعة.

كما نجحت الدبلوماسية المغربية، وهذا هو الأهم بالنسبة إلى الجزائريين، في تعزيز عزلة جبهة البوليساريو وتفكيك أحزمة دعم أفريقية؛ وهو ما تجلى من خلال توالي الاعترافات بمغربية الصحراء، وافتتاح قنصليات في الأقاليم الجنوبية للمملكة. وفي المقابل، تكابد الدبلوماسية الجزائرية لإيجاد موطئ قدم قوي لها في أفريقيا، فيما يبدو حضورها وتأثيرها محدوداً، حسب اتجاهات عديدة، وهو ما يُضعف جهودها في دعم البوليساريو وانتزاع مواقف مؤيدة للموقف الجزائري.

3- إعادة تنشيط الجهاز الدبلوماسي الجزائري: وهو ما تبدى بوضوح في حركة التغيير الواسعة التي أجراها الرئيس الجزائري، في 23 فبراير الماضي، قبل التعديل الحكومي الأخير بأيام قليلة، في السلك الدبلوماسي والقنصلي؛ مُصادقاً على اللائحة التي اقترحها الأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية عمار بلاني، المُقرب من دوائر القرار الفعلية، في الوقت الذي تم فيه إبعاد جل الدبلوماسيين المُقربين من وزير الخارجية، حينذاك، لعمامرة.

وبحسب بيان صدر عن وزارة الشئون الخارجية الجزائرية، في 23 فبراير الماضي، فإن حركة التغيير هذه تأتي “في إطار إعادة الانتشار الدبلوماسي، وطالت 24 سفيراً و15 قنصلاً عاماً و9 قناصل”، وذلك بهدف “جعل الجهاز الدبلوماسي للبلاد يتماشى مع انشغالات الجالية الوطنية بالخارج، وكذا مصالح الجزائر على الأصعدة الثنائية والإقليمية والدولية”.

وقد كان لافتاً أنه عقب تولى أحمد عطاف وزارة الخارجية مجدداً، قام بجولة أفريقية بصفته مبعوثاً خاصاً للرئيس الجزائري، شملت كلاً من مالي والنيجر وموريتانيا، وهى إشارة كانت متعمدة بهدف تأكيد أن الرئيس تبون يُعوِّل على الدور الذي يمكن أن يقوم به وزير الخارجية في إعادة تنشيط التحركات الدبلوماسية للدولة خلال المرحلة القادمة وتفعيل القدرة على مواجهة المعطيات الجديدة التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية، بهدف تعزيز مكاسبها وتقليص تهديداتها المحتملة.

تغيير سياسي

في هذا السياق، يُمكن القول في النهاية إن إقالة خمسة من المبعوثين الخاصين السبعة، في وزارة الخارجية الجزائرية، إنما يأتي ضمن إطار مصطلح “التغيير السياسي”، خاصة أنه حدث بعد أيام قليلة من الإطاحة بوزير الخارجية رمطان لعمامرة؛ وهو التغيير الذي يُمثل، حسب اتجاهات عديدة، “تصفية نفوذ” لأحد رجالات ما يسمى بـ”الدولة العميقة” في الجزائر.

ولعل الدليل على ذلك، أن تعيين وزير الخارجية القديم، أحمد عطاف، لا يُعبر عن قفزة نوعية لصالح الدبلوماسية الجزائرية؛ إذ إنه لم يُحدث من قبل، حسب اتجاهات جزائرية، أي تحول نوعي في خريطة السياسة الخارجية، سواء أيام كان وزيراً للخارجية الجزائرية، بين عامي 1996-1999، أي قبل وصول الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم، أو أيام كان سفيراً للجزائر لدى بريطانيا.