مخاطر الانتشار:
لماذا عادت واشنطن إلى استهداف حركة “شباب المجاهدين” في الصومال؟

مخاطر الانتشار:

لماذا عادت واشنطن إلى استهداف حركة “شباب المجاهدين” في الصومال؟



بدأت الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً في توجيه ضربات عسكرية ضد حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية في الصومال، على نحو انعكس في العملية العسكرية التي نفذتها القوات العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم)، ضد الحركة في 24 يوليو الجاري، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” في بيان لها أن الضربة الجوية ضد العناصر الإرهابية في الصومال كانت تهدف إلى دعم القوات الصومالية الشريكة. وتعتبر العملية العسكرية الأمريكية الأخيرة في الصومال هي الثانية في أقل من أسبوع، إذ نفذت القوات الأمريكية في 21 من الشهر نفسه، ضربة عسكرية ضد الحركة كانت الأولى من نوعها في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعد توقف للعمليات العسكرية للقوات الأمريكية في الصومال منذ يناير 2021، وهو ما يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب عودة العمليات العسكرية الأمريكية ضد حركة “شباب المجاهدين” في الصومال في هذا التوقيت تحديداً.

دوافع مختلفة:

يمكن تفسير تزايد اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتنفيذ تلك العمليات في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- منع انتقال عناصر “القاعدة” إلى الصومال: أدى تفاقم حدة الضغوط التي يتعرض لها تنظيم “القاعدة” في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، بعد مقتل العديد من قيادات تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” التابع له، فضلاً عن تنامي نفوذ تنظيم “داعش” في تلك المنطقة، إلى اتجاه بعض عناصر التنظيم الأول نحو الانتقال إلى الصومال، التي باتت تعد، وفقاً للتنظيم، نقطة ارتكاز نشطة، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر العمليات العسكرية التي تقوم بتنفيذها داخل الصومال خلال المرحلة الحالية إلى منع انتقال المزيد من المقاتلين من تنظيمات “قاعدية” في أفريقيا إلى الصومال.

2- الضغط على التنظيم المركزي في أفغانستان: مع انسحاب القوات العسكرية الأمريكية من أفغانستان بناءً علي الاتفاق الذي أبرم بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة “طالبان”، والذي تعهدت بمقتضاه الأخيرة بعدم السماح للتنظيمات الإرهابية، لاسيما تنظيم “القاعدة”، باستخدام أفغانستان كنقطة انطلاق أو قاعدة له، تسعى الأولى إلى إضعاف باقي أفرع التنظيم المركزي النشطة، حيث تأتي حركة “شباب المجاهدين” في الصومال في مقدمة أكثر أفرع تنظيم “القاعدة” نشاطاً، ومن ثم فإن مهاجمة التنظيم في الصومال يمكن أن يؤدي، وفقاً للرؤية الأمريكية، إلى تراجع قدرات وتأثير التنظيم المركزي في أفغانستان.

3- الحد من نفوذ “شباب المجاهدين” في دول الجوار: بدأت حركة “شباب المجاهدين” في محاولة تأسيس نقاط ارتكاز جديدة داخل دول الجوار، حيث وجّه زعيم الحركة أبوعبيدة أحمد عمر رسالة، في 28 مارس 2021، لعناصره بتنفيذ عمليات إرهابية في جيبوتي ضد القوات الأمريكية والأوروبية، بالتوازي مع قيام الحركة بنقل قسم من أنشطتها الإرهابية إلى مناطق حدودية مع دول الجوار، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى العمل على الحد من نشاط الحركة ووقف محاولات تمددها داخل دول الجوار، لاسيما في ظل الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها منطقة القرن الأفريقي.

4- رسائل لروسيا والصين: يبدو أن القرار الذي اتخذته إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسحب القوات العسكرية من الصومال بداية من منتصف يناير 2021، قد دفع قوى دولية عديدة إلى التحرك من أجل ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الأمريكي، لاسيما الصين وروسيا، وهو ما اعتبرت واشنطن أنه يمكن أن يهدد مصالحها في تلك المنطقة الحيوية، على نحو دفعها إلى تبني سياسة توجيه ضربات عسكرية متتالية لحركة “شباب المجاهدين” في المرحلة الحالية، باعتبار أن ذلك يوجه في الوقت نفسه رسائل إلى كل الأطراف المعنية بأن واشنطن لن تتراجع عن دورها كقوة دولية رئيسية في عمليات مكافحة الإرهاب.

خيارات بديلة:

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام استراتيجية جديدة بعد الانسحاب السريع والمتوالي من العديد من مناطق الارتكاز التقليدية في الشرق الأوسط، سواء في الصومال أو منطقة الساحل والصحراء الأفريقية أو أفغانستان، تعتمد في المقام الأول على تنفيذ عمليات نوعية باستخدام تكتيكات مختلفة مثل تنفيذ الضربات بواسطة الطائرات المُسيَّرة “الدرونز”، كبديل للتحركات العسكرية البرية. وقد أكدت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” سيندي كينغ، في 24 يوليو الجاري، على أنه لم يكن هناك أى جندي أمريكي على الأرض إلى جانب الجيش الصومالي خلال العملية الأخيرة، مشيرة إلى أن تلك العملية نفذتها طائرة من دون طيار.

وقد بدا لافتاً في هذا السياق، أنه خلال شهرى يونيو ويوليو 2021، ارتفع معدل اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الضربات الجوية عبر الطائرات من دون طيار في كل من أفغانستان والعراق والصومال ومنطقة الساحل والصحراء الأفريقية. ففي العراق وسوريا، استهدفت واشنطن شاحنة تابعة لميليشيا “الحشد الشعبي” العراقية في 18 يوليو الجاري، وهو الأمر نفسه الذي تكرر في أفغانستان عبر توجيه ضربات جوية ضد حركة “طالبان”، في 22 من الشهر نفسه، بهدف دعم قوات الحكومة الأفغانية التي تواجه ضغوطاً من جانب الحركة، بالتوازي مع العمليتين اللتين نفذتهما القوات الأمريكية ضد حركة “شباب المجاهدين” في الصومال.

وفي رؤية واشنطن، فإن هذه الضربات يمكن أن تحقق أهدافاً رئيسية ثلاثة: يتمثل أولها، في تقليص حجم الانخراط العسكري الأمريكي المباشر، على المستوى البري، في الأزمات الإقليمية المختلفة. وينصرف ثانيها، إلى استيعاب الضغوط الداخلية، بعد تصاعد الدعوات الخاصة بضرورة الانسحاب من مناطق الأزمات. ويتعلق ثالثها، بتوجيه رسائل إلى القوى والأطراف المناوئة بأن واشنطن رغم اتجاهها إلى الانسحاب العسكري من تلك المناطق عازمة في الوقت نفسه على حماية مصالحها ومواصلة الانخراط في جهود مكافحة الإرهاب. وفي النهاية، يمكن القول إن استمرار تعويل واشنطن على استراتيجية الضربات الاستباقية والخاطفة ضد التنظيمات الإرهابية والمسلحة، يبدو أنه سيكون احتمالاً مرجحاً في ضوء السياسة التي تتبناها الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي، والتي باتت تستقطب تأييداً داخلياً يتسع نطاقه باستمرار رغم وجود تحفظات من جانب اتجاهات أخرى ترى أن تلك الضربات قد لا يمكن من خلالها حماية المصالح الاستراتيجية الأمريكية في الخارج.