توظيف سياسي:
لماذا عادت قضية لوكيربي إلى واجهة المشهد الليبي؟

توظيف سياسي:

لماذا عادت قضية لوكيربي إلى واجهة المشهد الليبي؟



أثار اختفاء أبو عجيلة المريمي، أحد المشتبه بهم في قضية حادث تفجير لوكيربي الشهير، الذي وقع عام 1988، والمطلوب للمحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، الحديث حول إعادة فتح ملف لوكيربي، خصوصاً بعدما أشارت بعض التسريبات إلى ضلوع الاستخبارات العسكرية ومليشيات دعم الاستقرار، في ذلك، مما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤل حول العوامل الدافعة إلى إعادة فتح الملف من جديد.

عاد ملف لوكيربي مجدداً إلى واجهة المشهد الليبي، رغم أن ليبيا كانت قد أغلقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، بتوقيع اتفاقية رسمية في العاصمة طرابلس، في 14 أغسطس 2008، تقضي بإنهاء كافة الملفات القضائية المشتركة بين البلدين، وتنص في أهم بنودها على أن “لا يتم ملاحقة أي مواطن ليبي أو مؤسسة تابعة للدولة الليبية، في هذه القضية وغيرها”، وذلك في مُقابل دفع مبالغ مالية ضخمة لأسر الضحايا. وقد اعتمد الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الاتفاقية، في أكتوبر من العام نفسه، لتُصبح بذلك ليبيا مُحصنة تماماً من أي تبعات للقضية، باعتبارها أُقفلت بشكل نهائي.

إلا أن الملف طفا على السطح مجدداً، بعد أنباء عن اختفاء متهم آخر، هو العميد أبو عجيلة مسعود المريمي، الذي كان يعمل مسئولاً بجهاز المخابرات الليبية أثناء حكم الرئيس الأسبق معمر القذافي، وتم توجيه عدد من الاتهامات إليه في الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص “ضلوعه في التخطيط وتصنيع القنبلة” التي تسببت في الحادث، وطالبت واشنطن بترحيله إليها من أجل محاكمته.

عوامل متشابكة

ساهمت مجموعة من العوامل التي تخص أطرافاً متعددة، وتتشابك فيما بينها حول المصالح، في إعادة فتح قضية لوكيربي مجدداً، ويتمثل أبرزها في:

1- تجدد الاهتمام الأمريكي بالقضية: تزايد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية مجدداً بالقضية قبل عامين، حيث وجهت، في 22 ديسمبر 2020، لائحة اتهامات ضد أبو عجيلة، وقال المدعي العام الأمريكي السابق ويليام بار إن أبو عجيلة يواجه تهماً تتعلق بارتكاب جرائم إرهابية بعد مرور 32 عاماً على الكارثة. وأكد ممثلو الادعاء أنهم يسعون إلى تسلم أبو عجيلة لمحاكمته في الولايات المتحدة الأمريكية.

2- محاولة أطراف أمريكية انتزاع تعويضات جديدة: تشير تقارير عديدة إلى أن بعض المحامين الأمريكيين يدفعون الإدارة الأمريكية الحالية للمُضيّ قُدماً في اتجاه محاكمة أبو عجيلة، في محاولة منهم للفوز ببعض الأموال كـ”حصة” في أي تعويضات محتملة. ومن ثمّ فإن إعادة فتح القضية من جديد يُعد “استغلالاً” أكثر منه عملاً قانونياً، لأن الملف قد تم إغلاقه منذ أكثر من 14 عاماً حسب الاتفاقية التي وقعت بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية.

3- السعى للحصول على حصة من الأموال المجمدة: ما زالتهناك أموال ليبية مجمدة في بعض الدول الغربية، ومن ثم فإن إعادة فتح قضية لوكيربي مجدداً ربما تكون مرتبطة بفك القيود عن بعض تلك الأموال، التي تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات. فضلاً عن ذلك، فإن إعادة فتح قضية لوكيربي في هذا التوقيت تشير إلى احتمال يتعلق بممارسة ضغوط على الدولة الليبية بخصوص تمرير بعض الملفات، التي تمثل أهمية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن بينها النفط والغاز وغيرها، خاصة في أزمة إمدادات الطاقة التي طرأت على الساحة الدولية في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية منذ 24 فبراير الماضي.

4- استغلال الملف على الساحة الداخلية: تصاعدت حدة الجدل حول أسباب اختفاء أبو عجيلة، وسط تنامي شكوك حول اختطافه، لا سيما في ظل تسرب أنباء عن نية حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس، التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي لطالما طالبت به خلال العامين الأخيرين.

ومما يزيد من هذه الشكوك ويدفع إلى احتمال أن تكون هناك “صفقة” ما بين حكومة الدبيبة والإدارة الأمريكية، عدد من المؤشرات منها أن حكومة الدبيبة تجاهلت التسريبات التي أشارت إلى مليشيات دعم الاستقرار، بقيادة عبد الغني الككلي الشهير بـ”غنيوة”، القيادي العسكري الموالي للدبيبة، والاستخبارات العسكرية، بأنها هي من تقف وراء الاختطاف. بل إن الحكومة، حسب تقارير عديدة، لم تنفِ تسليم أبو عجيلة، واكتفت ببيان على لسان وزارة العدل قالت فيه إن قضية لوكيربي أُغلقت بشكل نهائي من الناحية السياسية والقانونية، في عام 2008، “ولا يمكن إثارتها من جديد”.

وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن بعض الأطراف الليبية تربط بين اختفاء أبو عجيلة وبين محاولات حكومة الوحدة الوطنية إطالة فترة وجودها في السلطة عبر توسيع نطاق التعاون مع قوى دولية ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن هذه المؤشرات أيضاً، تصريحات إعلامية لنجلاء المنقوش وزيرة الخارجية في حكومة الدبيبة قبل حوالي عام تؤكد فيها أن “بلادها مستعدة للتعاون مع واشنطن لتسليمها مشتبهاً به في قضية تفجير لوكيربي”. وأشارت المنقوش، في حوارها مع قناة “بي بي سي” البريطانية، في نوفمبر 2021، إلى أن “نتائج إيجابية آتية، والحكومة الليبية تتفهم ألم وحزن أسر الضحايا، لكنها بحاجة إلى احترام القوانين، والولايات المتحدة الأمريكية وليبيا تتعاونان في القضية، وهي تتقدم”.

وبعد الضجة التي أثارتها هذه التصريحات، التي دفعت المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي إلى إصدار قرار، رفضه الدبيبة، بوقف المنقوش عن العمل وإحالتها إلى التحقيق بتهمة ارتكاب مخالفات إدارية واتخاذ قرارات ذات طابع سياسي من دون استشارته، أصدرت المنقوش بياناً نفت فيه صحة ما نُسب إليها بخصوص أبو عجيلة، مؤكدة أنها لم تذكره بالاسم خلال المقابلة التلفزيونية.

استحقاقات محتملة

في هذا السياق، يُمكن القول إن إعادة فتح ملف قضية لوكيربي، في الوقت الحالي، وأياً تكن الأطراف التي تحاول إثارة هذا الملف من جديد، ستفرض تحديات والتزامات واستحقاقات جديدة؛ بل إن هذه القضية إذا أُثيرت من جديد، وأصبحت موضوعاً لتحقيق جنائي، سوف تساهم في استمرار الأزمة السياسية وعدم الاستقرار داخل ليبيا.

 ورغم أن إعادة فتح هذا الملف تبقى غير منطقية وغير ممكنة، بالنظر إلى الاتفاقية الموقّعة بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2008؛ فإنها في النهاية قد تتحول إلى محور توظيف سياسي تمارسه قوى عديدة معنية بتطورات الأزمة الليبية، لتمرير ملفات معينة، فضلاً عن محاولة بعض الأطراف الداخلية والخارجية الاستفادة من إعادة تحريك هذا الملف لخدمة مصالحها وحساباتها.