شنت حركته الشباب، في 15 مارس الجاري، هجوماً إرهابياً على فندق يقع بالقرب من القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو، ما أسفر عن إصابة عدد من المسؤولين، وهو ما يثير تساؤلات حول العوامل التي دفعت الحركة لتصعيد عملياتها واستهداف العاصمة الصومالية، ومدى قدرة الحركة على استعادة سيطرتها من جديد.
عوامل عديدة
يأتي هذا الهجوم الإرهابي بعد فترة وجيزة من الهجوم الذي شنته الحركة على قاعدة عسكرية في الصومال، وهو ما يُشير إلى اتجاه الحركة إلى تصعيد عملياتها. لذلك يبدو أن ثمة جملة من العوامل التي تقف خلف هذا الهجوم الإرهابي، من أبرزها:
1- انسحاب القوات الصومالية من بعض المناطق، حيث يأتي هذا الهجوم بعد أن تخلت القوات الصومالية والمليشيات المحلية عن عدة بلدات تم تحريرها مؤخراً في منطقة مدق بوسط الصومال في 11 مارس الجاري، مما مكن حركة الشباب من استعادة هذه المناطق. وقد انسحبت القوات الصومالية من بلدات بعدوين وعاد والعمارة بين 9 و11 مارس الجاري، وأدى هذا التراجع السريع والمفاجئ إلى التأثير على الجهود التي بذلتها الحكومة الصومالية لمكافحة الإرهاب في وسط الصومال في الربع الأول من عام 2024.
2- الأوضاع المتردية داخل الجيش الصومالي، حيث أشارت وسائل إعلام صومالية إلى أن انسحاب القوات الصومالية من هذه المناطق يعود إلى حالة الاضطراب والتمرد داخل الجيش الصومالي نتيجة عدم دفع الرواتب، علاوة على الرشاوى، والاقتتال السياسي الداخلي، وكذلك التحديات اللوجستية؛ مما يعني أن الجداول الزمنية الطموحة التي حددتها الحكومة لاستراتيجيتها العسكرية قد تم التعجيل بها، فبدلاً من إعطاء الأولوية لتعزيز المكاسب الإقليمية من خلال تأمين الطرق السريعة المحيطة وتطويقها في وجه الهجمات الانتقامية التي تشنها حركة الشباب، ركزت الحكومة بدلاً من ذلك على استعادة العديد من البلدات الكبيرة بسرعة خلال فترة قصيرة من الزمن. ونتيجة لذلك، واجهت القوات الصومالية صعوبات في السيطرة على الأراضي التي تم استعادتها مؤخراً. فعلى سبيل المثال، تمكنت حركة الشباب من استعادة بعض الأراضي التي فقدتها في الأشهر الأولى من الهجوم في هيرشابيل بمجرد أن وسعت الحكومة هجومها إلى ولاية غالمودوغ.
3- اختراق الحركة للجيش الصومالي، حيث إن التجنيد السريع لمقاتلي حركة الشباب السابقين وفر فرصة لجناح استخبارات حركة الشباب (الأمنيات) لاختراق القوات العسكرية والأمنية مع نشطائها. وتحاول حركة الشباب أيضاً تجنيد ضباط لشن هجمات ضد أهداف سياسية وأمنية. وفي منتصف فبراير الماضي، ورد أن جناح استخبارات حركة الشباب تواصل مع جندي في بلدة أفمادو في جوبالاند ووعده بمبلغ غير محدد من المال لاغتيال مسؤولين عسكريين وحكوميين رفيعي المستوى مشاركين في عملية مكافحة الارهاب. ومع ذلك، أبلغ الجندي قائد جوبالاند في أفمادو وكيسمايو بخطط حركة الشباب، مما سمح لقوات الأمن بإحباط المؤامرة.
4- تراجع مستوى الدعم الإقليمي بعد تصاعد التوترات الإثيوبية-الصومالية، حيث اعتمدت الحكومة الصومالية منذ بدء العملية العسكرية لمكافحة إرهاب حركة الشباب على الدعم الإقليمي، لا سيما أن خطط عملية “الأسد الأسود” اعتمدت على مساهمات قوات إقليمية تتراوح ما بين 20 ألفاً إلى 30 ألف جندي من الدول المجاورة (كينيا، وإثيوبيا، وجيبوتي). ومن الجدير بالذكر أن توقيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال (المعلن عنها في 1 يناير 2024) لمنح إثيوبيا تسهيلات للوصول إلى البحر الأحمر قد أثارت غضباً كبيراً في مقديشو، وهو ما حدّ من الدعم الإثيوبي في العمليات العسكرية ضد حركة الشباب.
5- تراجع الدعم المقدم من جانب المليشيات العشائرية، حيث ساعدت التحالفات العشائرية على النجاح الذي حققته الحكومة في طرد حركة الشباب من معاقلها في وسط الصومال، وخاصة خلال المرحلة الأولى من الهجوم بعدما ثارت بعض العشائر بشكل طبيعي ضد حركة الشباب، لكن الحكومة الصومالية واجهت مقاومة من جانب العشائر في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال، كانت بعض المجتمعات في هيرشابيلي وغالمودوغ مترددة في التعاون مع القوات الحكومية بسبب الخوف من انتقام حركة الشباب في حالة عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأراضي.
وفي مناطق هيران ومدق، وقعت بعض العشائر الفرعية اتفاقيات مع حركة الشباب تنص على عدم مشاركتهم في الهجوم الحكومي حفاظاً على سلامتهم. بينما أدى الاقتتال السياسي والاشتباكات بين العشائر الفرعية أيضاً إلى تقويض جهود الحكومة لحشد الدعم المحلي، والتهديد بتقسيم الاستجابات الأمنية إلى تنافسات عشائرية. في ولاية هيرشابيل، أدت الاضطرابات السياسية بين رئيس ولاية هيرشابيل علي عبد الله حسين وحاكم هيران علي جيت عثمان إلى حدوث اضطرابات في الولاية في يونيو 2023، مما أدى إلى توتر علاقة الحكومة الفيدرالية مع بعض العشائر الفرعية، وخاصة قبيلة هوادلي.
انعكاسات محتملة
يُتوقع أن يكون لهذا الهجوم الأخير تداعيات على خطط حركة الشباب والجهود الصومالية والدولية لمكافحة الإرهاب في الصومال، على النحو التالي:
1- عودة حركة الشباب من خلال استراتيجية “الكر والفر”، حيثعززت حركة الشباب قدرتها على نشر تكتيكات حرب العصابات بعد وقت قصير من انسحابها من الأراضي التي تسيطر عليها. وغالباً ما ينطوي ذلك في البداية على سحب قواتها في عمق الأراضي التي تسيطر عليها، ثم بعد بضعة أيام تبدأ في عزل البلدات والقرى التي تحررها القوات الحكومية من خلال شن هجمات كر وفر على الطرق السريعة المحيطة. وفي بعض الأحيان تهاجم بشكل مباشر الحاميات داخل الأراضي المحررة. في الوقت الذي لا تزال فيه الحكومة تواجه تحدي تنفيذ خطة بناء جيش كامل، وقطاع أمني فيدرالي بحلول نهاية عام 2024. ومن شأن وجود جيش وطني لا يزال في طور التطوير، وقوات حكومية ذات قدرات متفاوتة، أن يحد من قدرة الحكومة الصومالية على السيطرة على الأراضي التي طردت حركة الشباب منها.
2- التمديد للقوات الأفريقية في الصومال، حيث أوضح مبعوث الاتحاد الأفريقي إلى الصومال أن ثمة مهمة جديدة ستدعم الجيش الوطني الصومالي من حيث بناء القدرات، وحماية الجمهور في المناطق المأهولة بالسكان، وحماية البنية التحتية الاستراتيجية في مقديشو والعواصم الأخرى للولايات الفيدرالية. وفي الوقت الحاضر، لم تقم الحكومة الفيدرالية الصومالية بإعداد ما يكفي من قوات الأمن الفيدرالية لتنفيذ عملياتها. ومع ذلك، يظل تمويل قوات “أتميس” يمثل تحدياً رئيسياً، فبحلول نهاية عام 2022، كانت البعثة تواجه بالفعل عجزاً إجمالياً في التمويل قدره 25.8 مليون يورو. وفي بيان أصدره مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي نُشر في أبريل 2023، أعرب المجلس عن “قلقه العميق إزاء عدم كفاية التمويل المطلوب”.
3- تصعيد الولايات المتحدة ضرباتها العسكرية ضد حركة الشباب، حيثتواصل إدارة بايدن الاحتفاظ بمئات من القوات (ما لا يزيد على 450 جندياً) في الصومال لدعم الجيش الصومالي. كما عززت الولايات المتحدة حملة الحكومة الصومالية ضد حركة الشباب من خلال تقديم المساعدة العسكرية (بما في ذلك الأسلحة والذخائر وما إلى ذلك) وتنفيذ غارات جوية لمساعدة قوات داناب في استعادة الأراضي من حركة الشباب. وفي فبراير 2024، وقعت الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مع الصومال لبناء خمس قواعد عسكرية للواء الداناب التابع للجيش الوطني الصومالي. ومع استمرار الهجوم الصومالي، يبدو من المرجح أن تستمر سياسة الولايات المتحدة تجاه الصومال في التركيز على احتواء التهديد الذي تشكله حركة الشباب من خلال تقديم الدعم العسكري الذي لعب دوراً مهماً في مساعدة القوات الفيدرالية الصومالية على مواجهة حركة الشباب.
مواءمة أهداف
وختاماً، يمكن القول إنه يبدو أن الحكومة الصومالية بحاجة إلى مواءمة أهدافها مع جداول زمنية أكثر واقعية، إذ كانت تصريحات الرئيس الصومالي حول هزيمة حركة الشباب في غضون أشهر وبناء القدرة الأمنية الفيدرالية الصومالية بالكامل بحلول ديسمبر 2024 غير واقعية، وتخاطر باستنزاف الموارد البشرية والمادية المحدودة للجيش الوطني نتيجة لاستراتيجية عسكرية متسرعة. وعلى المدى القريب، ينبغي لاستراتيجية الحكومة أن تنظر في إعطاء الأولوية لتعزيز قبضة قواتها الأمنية على الأراضي التي استعادتها، بدلاً من محاولة توسيع عملياتها جنوباً إلى معاقل حركة الشباب. كما يتعين على الحكومة الصومالية أن تثبت قدرتها على إدارة المناطق المستردة مؤخراً قبل أن تحاول تحرير المزيد منها. ويجب أن يكون التركيز على تعزيز المكاسب مصحوباً بجهود تهدف إلى تسوية النزاعات السياسية الطويلة الأمد والمنافسات العشائرية التي تعيق التعاون الهادف في الحرب ضد حركة الشباب.