حسابات متداخلة:
لماذا طرحت إيران مبادرة جديدة لتطوير العلاقات بين تركيا وسوريا؟

حسابات متداخلة:

لماذا طرحت إيران مبادرة جديدة لتطوير العلاقات بين تركيا وسوريا؟



تبذل إيران جهوداً حثيثة من أجل تعزيز فرص تسوية الخلافات العالقة بين تركيا وسوريا، والتي تحول حتى الآن دون تحسين العلاقات بين الطرفين. وتُعوِّل إيران في هذا السياق على متغيرين رئيسيين: أولهما، تغير توازنات القوى داخل سوريا لصالح النظام السوري الذي استطاع توسيع نطاق سيطرته على الأرض في مقابل ضعف وانقسام الفصائل المسلحة والتنظيمات الإرهابية التي شاركت في المواجهات المسلحة ضده خلال المرحلة الماضية.

وثانيهما، حدوث تحول في السياسة التركية بناءً على هذا التغير الملحوظ في موازين القوى، حيث بدأت تركيا في توجيه رسائل متتالية تفيد رغبتها في تطوير العلاقات مع سوريا، بل إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكد أكثر من مرة رغبته في عقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد.

إلا أن الخلافات العالقة بين دمشق وأنقرة حالت دون اتخاذ خطوات إجرائية في هذا الصدد. ومن هنا، طرحت إيران، في 17 سبتمبر الجاري، خطة عمل جديدة لتسوية هذه الخلافات خلال المرحلة القادمة، تتطلب اتخاذ إجراءات متبادلة من جانب الطرفين يكون من شأنها الاستجابة لما يمكن تسميته بـ”الشرط الأوّلية” التي يتبناها كل منهما.

أهداف عديدة

يمكن القول إن إيران تسعى عبر تلك الخطة إلى تحقيق أهداف عديدة ترتبط برؤيتها للمسارات المحتملة التي قد تتجه إليه عملية صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا، ولاتجاهات العلاقات مع بعض الأطراف الرئيسية المنخرطة في الأزمة السورية، ويتمثل أبرزها في:

1- تسوية الخلافات الرئيسية العالقة: ويأتي في مقدمتها الوجود العسكري التركي في شمال سوريا. إذ ترى سوريا أنه لا يمكن الانخراط في عملية سياسية جديدة لتحسين العلاقات مع تركيا من دون أن تقوم الأخيرة بسحب قواتها من المناطق التي تتواجد فيها بشمال سوريا، وهو ما ترد عليه أنقرة بأنها لا تستطيع أن تقدم على خطوة في هذا السياق من دون تأمين مصالحها وأمنها من التهديدات التي تواجهها، بسبب الأنشطة التي تقوم بها المليشيا الكردية في شمال سوريا، والتي تتهمها بأنها تتعاون مع حزب العمال الكردستاني وتسعى إلى تقويض أمنها واستقرارها.

وقد انعكست هذه الخلافات في تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال لقاءه الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في سوتشي، في 5 سبتمبر الجاري، والتي رد فيها على شرط الرئيس بشار الأسد الخاص بانسحاب القوات التركية أولاً، بقوله: “إن الرئيس السوري يراقب الخطوات المتخذة ضمن الصيغة التركية – الروسية – الإيرانية – السورية فيما يتعلق بالتطبيع، من المدرجات”.

2- توسيع نطاق سيطرة النظام: ترى إيران أن انسحاب القوات التركية، وفقاً لخطة العمل التي طرحتها، من شأنه توسيع نطاق سيطرة القوات النظامية السورية على الأرض، بما يساهم في تعزيز موقع النظام السوري في الترتيبات السياسية والأمنية التي يجري العمل على صياغتها في سوريا خلال المرحلة القادمة.

وفي رؤيتها، فإن ذلك من شأنه أيضاً أن يساعد في توفير مزيد من الخيارات المتاحة أمام النظام للتعامل مع التطورات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية خلال المرحلة الماضية، وبالتالي وضع أسس جديدة لإدارة علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري على الساحة السورية، خاصة الدول الغربية التي ما زالت ترفض تحسين العلاقات مع النظام وتسعى إلى دعم بعض الأطراف المحلية التي تحاول بدورها تكريس سيطرتها على مساحة من الأراضي السورية تحت شعار “محاربة الإرهاب”.

3- ممارسة ضغوط أقوى على الأكراد: سوف يوجه تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا، وفقاً للرؤية الإيرانية، ضربة قوية للطموحات الكردية ليس فقط في شمال سوريا، ولكن أيضاً في كل من العراق وإيران وتركيا. وهنا، يبدو لافتاً في هذا السياق، أن طرح إيران خطة العمل الجديدة لتسوية الخلافات العالقة بين أنقرة ودمشق يتوازى مع التحذيرات المستمرة التي توجهها بإمكانية استخدام الخيار العسكري للتعامل مع ما تصفه بأنه تهديدات يفرضها تواجد جماعات المعارضة الكردية الإيرانية في شمال العراق، وهى التحذيرات التي دفعت الحكومة العراقية إلى اتخاذ خطوات إجرائية لنقل هذه الجماعات من المناطق التي تتواجد بها ونزع أسلحتها طبقاً للاتفاق الأمني الذي أبرمته مع إيران في 19 مارس الماضي.

وتُعوِّل إيران في هذا الصدد على أن إعادة انتشار القوات النظامية السورية في المناطق التي يمكن أن تنسحب منها القوات التركية، وفقاً لخطة العمل المقترحة، سوف يقلص من أية تهديدات قد توجهها المليشيا الكردية إلى تركيا، وهى المبرر الرئيسي الذي تستند إليه أنقرة في رفض أية دعوات توجه لها بسحب قواتها من شمال سوريا.

4- تكثيف الدعوة لإخراج القوات الأجنبية: ربما يساعد تنفيذ خطة العمل المقترحة في تهيئة المجال أمام العمل على إخراج القوات الأجنبية من الأراضي السورية، وتحديداً القوات الأمريكية. إذ ترى إيران أن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يهدف إلى عرقلة قدرتها على تكريس نفوذها على الأرض، ومواصلة تقديم الدعم لحلفائها في سوريا ولبنان عبر الممر الاستراتيجي الذي يبدأ من إيران وينتهي على البحر المتوسط.

ومن هنا، يمكن تفسير القلق الذي انتاب إيران وحلفائها من المليشيات الشيعية الموالية لها إزاء التحركات العسكرية الأمريكية في منطقة الحدود المشتركة بين العراق وسوريا، حيث اعتبرت أنها تمثل محاولة لعرقلة مساعيها لتعزيز تمددها في تلك المنطقة.

عقبات محتملة

لم تكتسب خطة العمل التي طرحتها إيران حتى الآن اهتماماً تركياً ملحوظاً، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في أن أنقرة لا تفصل بين قضية الوجود العسكري في شمال سوريا وبين قضية اللاجئين التي باتت تفرض ضغوطاً قوية عليها، ومن ثم فإنها ترى أن وجودها العسكري في تلك المناطق سوف يستمر طالما أنه لم يتم إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتر داخل الأراضي السورية، وطالما استمرت قضية اللاجئين بلا حل، رغم عودة بعضهم إلى الأراضي السورية خلال المرحلة الماضية.

فضلاً عن ذلك، فإن أنقرة ربما تخشى من أنها قد لا تستطيع التعويل بشكل تام على قدرة القوات النظامية السورية على حماية الحدود من أية هجمات محتملة قد تقدم المليشيا الكردية على شنها، لا سيما في ظل الخلافات المحتدمة بين الطرفين والتي لا يمكن تسويتها بسهولة. بل إنها ترى أن هذه الهجمات قد تتحول إلى ورقة ضغط تستخدمها دمشق في سياق إدارة علاقاتها معها خلال المرحلة القادمة.