سياقات محفّزة:
لماذا صعدت حركة تحرير الجنوب من عملياتها العسكرية ضد الجيش الجزائري؟

سياقات محفّزة:

لماذا صعدت حركة تحرير الجنوب من عملياتها العسكرية ضد الجيش الجزائري؟



أعلنت الحكومة الجزائرية مقتل ثلاثة من جنودها في هجوم استهدف نقطة للجيش، 20 مارس 2022، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي، بينما أعلنت حركة تحرير جنوب الجزائر مسؤوليتها عن تنفيذ “عملية عسكرية” ضد موقع للجيش الجزائري، وقالت الحركة إنها ستكثف عملياتها العسكرية ضد النظام الجزائري، وهو ما يثير تساؤلات حول عوامل تصعيد الحركة لعملياتها في هذا التوقيت.

حركة انفصالية

برزت حركة تحرير الجزائر كحركة انفصالية جديدة ينتمي منتسبوها لقبائل الطوارق، حيث تضع تحرير الصحراء الجزائرية كهدف رئيسي لها، على أمل إقامة دولة الطوارق. وتمتد جماعة الطوارق في مساحة شاسعة من الصحراء الإفريقية تمتد من موريتانيا غرباً إلى تشاد شرقاً، وتشمل الجزائر وليبيا والنيجر وبوركينافاسو ومالي. وفي صحراء الجزائر يعرفون بـ”الرجال الزرق”، نسبة للباسهم الأزرق الذي يميزهم عن باقي القبائل الأمازيغية. وينتشر الطوارق بالجزائر في: ورقلة أدبداب أيناميناس، اليظي، غانت، تمنغست، ادرار، رقان، برج باجي مختار، تيمياوين، تنظواتن، أينقزام. ويقدر عددهم بين ثلاثة وأربعة ملايين نسمة.

وقد أكدت الحركة أن هدفها هو الاستمرار في التصعيد العسكري حتى “التحرير التام للأراضي الصحراوية في الجنوب الجزائري”، وأوضحت أنها “ولدت من إرادة أبناء وبنات هذه المنطقة (جنوب الجزائر)”، و”ستواصل معركتها حتى تحقيق أهدافها المشروعة”، مشيرة إلى أن “الجنوب الجزائري هو البقرة الحلوب للشمال وأوروبا، فيما تعد مناطقه هي الأكثر فقراً في إفريقيا، بل وفي العالم أجمع”.

عوامل مترابطة

ثمة جملة من العوامل التي دفعت الحركة إلى تصعيد عملياتها ضد الجيش الجزائري، خلال الفترة الماضية، ومن أهمها:

1- استغلال توقيت دعم مرتزقة البوليساريو وتأمين الحدود مع المغرب، حيث إن بروز حركة انفصالية جديدة يضع النظام الجزائري أمام مأزق يصعب الخروج منه، ولا سيما تبرير رفضه للمطالب الانفصالية بالداخل في الوقت التي يدعم فيه سياسياً مرتزقة البوليساريو الحالمين بالانفصال عن المغرب. ناهيك عن التكتيك الذي تعتمده الحركة في تشتيت انتباه الجيش الجزائري، المنصبّ على تأمين الحدود، والذي يستعد حالياً لأي مواجهة عسكرية محتملة مع المغرب، خاصة في ظل التغيرات التي طبعت التوازنات بالمنطقة، وبالتالي فإن دخوله في حروب استنزاف مع مجموعة انفصالية من شأنه أن يربك حسابات صانع القرار الجزائري. كما أن هذا التصعيد يأتي في توقيت يتّسم بالحساسية، خاصة أن منطقة الساحل الإفريقي تشهد إعادة ترتيب أوراقها، وتتزامن مع تغيير التوازنات الدولية في المنطقة.

2- توظيف مشاعر الاستياء لدى سكان جنوب الجزائر، فمن المعلوم أن منطقة جنوب الجزائر منطقة شاسعة تمتد إلى ما وراء جبال الأطلس والهضاب المرتفعة المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط، والتي تحتل 85 في المائة من الجزائر، وتشمل تقريباً كل احتياطيات النفط والغاز في البلاد ولكن أقل من 9 في المائة من سكانها، كما يشهد الجنوب تغيرات عميقة، مدفوعة بما يقرب من 2 في المائة من النمو السكاني السنوي على المستوى الوطني، والتوسع الحضري السريع (69 في المائة من السكان كانوا ريفيين عند الاستقلال، و70 في المائة يعيشون الآن في المدن)، وتزايد التوقعات الناتجة عن التعليم وعصر الإنترنت. وقد ظلت المنطقة لفترة طويلة في مأمن من الاحتجاجات الجماهيرية وحركات التمرد المسلحة التي اندلعت بشكل متقطع في الشمال منذ ثمانينيات القرن الماضي. ولكن تحت تأثير الانتفاضات العربية والمظالم المحلية، كانت السياسة في الجنوب مثيرة للانقسام بشكل متزايد منذ عام 2013، وحلت المنطقة محل الشمال بؤرة الخلاف. وشهدت المنطقة احتجاجات متكررة نددت بالإقصاء والتهميش والحرمان والتجاهل من طرف النظام الجزائري.

3- تزايد مؤشرات الحراك الانفصالي في الجنوب الجزائري، إذ جاء ظهور الحركة بعد ظهور العديد من الحركات الانفصالية في جنوب الجزائر، ولا سيما ما يسمى بـ”حركة تحرير تمنراست وأدرار”، التي قاطعت الانتخابات التشريعية والمحلية بالجزائر التي أُجريت في شهري يوليو ونوفمبر 2021 بنسبة كبيرة بلغت أزيد من 99 في المائة. وقد أدرجها المجلس الأعلى للأمن الجزائري في 2021 على قوائم الإرهاب. ناهيك عن أن المنطقة تعج بالصراعات والنزاعات بين القبائل، ولا سيما الاشتباكات المتكررة بين العرب السنة وأقلية البربر الذين يتبعون الإباضية. وتعتبر مدينة عين صالح الواقعة في أقصى الجنوب مهد أهم حركة احتجاج بيئية في المغرب العربي، حيث يتجمع آلاف الأشخاص ضد التنقيب عن الغاز الصخري الذي أخفته الحكومة. ناهيك عن أن تفشي البطالة في ورقلة أثار أعمال شغب بين الشباب.

4- تأثير الحركة الانفصالية للطوارق في مالي، فبرغم اتفاق السلام الموقع بين طوارق مالي والحكومة المالية في عام 1995 برعاية الجزائر، لكن يبدو أن هذا الاتفاق لم يحسم الخلاف، ولم يحقق تطلعات طوارق الشمال في مالي. فمنذ انقلاب مايو 2021، يتطلع طوارق مالي إلى الدخول في مفاوضات جديدة مع النخبة العسكرية حول تقاسم السلطة والثروة. وبلا شك فإن طوارق الجنوب الجزائري قد تأثروا بالأحداث في مالي المجاورة، لذلك يكثفون من ضغوطهم في هذا التوقيت للتوصل إلى اتفاق مع النظام الجزائري يلبي تطلعاتهم السياسية والاقتصادية، وخاصة أن طوارق الجنوب الجزائري طالبوا مراراً وتكراراً بالحكم الذاتي، ولكن دون جدوى أو جواب من قبل النظام الجزائري. علاوة على أن المطالب السياسية تعززها الهوية والفوارق الثقافية للطوارق.

سيناريوهان محتملان

ثمة سيناريوهان محتملان للتصعيد بين الحركة والجيش الجزائري على النحو التالي:

السيناريو الأول: إعلان الجيش الجزائري عن عملية عسكرية في الجنوب، غير أن هذا الخيار سيقوي من دعوات الطوارق بالانفصال. وربما يستدرج الجيش الجزائري في حرب عصابات ممتدة في هذه المساحة الشاسعة، ليس فقط مع الحركات الطوارقية، وربما مع التنظيمات الإرهابية وجماعات الجريمة المنظمة في المنطقة، ومن شأنه إثارة غضب الطوارق في دول الجوار، حيث عملت الجزائر على القيام بدور الوساطة بين الحكومة المالية وجماعة الطوارق لتحقيق الاستقرار والسلام في شمال مالي.

السيناريو الثاني: التفاوض مع الطوارق، ويعني أن الجيش الجزائري لا يرغب في مواجهة عسكرية مع هذه الحركة في هذا التوقيت وتشتيت جهوده العسكرية على جبهتين، وخاصة في الوقت الذي يتأهب فيه لأي مواجهة عسكرية محتملة مع المغرب، كما أن التصعيد العسكري من جانب الجيش ضد طوارق الجنوب من شأنه إثارة الطوارق في دول الجوار، وهو ما تحاول الجزائر تفاديه، حتى لا يتصاعد حراك الطوارق إليها. غير أن التحدي الذي يواجه تحقيق هذا السيناريو هو سقف المطالب الذي تطالب به الحركة وهو الحكم الذاتي وموقف النظام الجزائري من هذه المطالب.

نهج هجين

وجملة القول، لا تزال الحكومة الجزائرية تنظر إلى حركة تحرير الجنوب الجزائري باعتبارها تنظيماً إرهابياً، وتدرج عملياتها ضمن العمليات الإرهابية. ولذلك يبدو أن السيناريو المرجح هو أن تتجه الحكومة الجزائرية إلى تنفيذ حملة اعتقالات إزاء قاطني تلك المنطقة، وفي الوقت نفسه البدء في فتح قنوات للحوار السياسي مع القيادات الطوارقية المعتدلة في المنطقة لاحتواء التصعيد ضد الجيش في المنطقة.