احتواء الضغوط:
لماذا سعت إيران للانضمام إلى منظمة “شنغهاي”؟

احتواء الضغوط:

لماذا سعت إيران للانضمام إلى منظمة “شنغهاي”؟



تسعى إيران عبر الانضمام إلى منظمة “شنغهاي” إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في تجنب العمل وفق منظومة مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال “FATF”، وتقليص الرهان على مكاسب الاتفاق النووي مع الغرب، وعدم التعويل على العلاقات مع الدول الغربية، ورفع مستوى التبادل التجاري مع دول المنظمة.

صحيفة “كيهان”: بدون برجام (الاتفاق النووي) و”FATF”، إيران أصبحت عضواً رسمياً في “شنغهاي”

فقد أعلنت منظمة شنغهاي للتعاون التي عقد قادة الدول الأعضاء فيها قمة افتراضية في 4 يوليو الجاري، انضمام إيران كعضو كامل لها. وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي ألقى كلمته في القمة عبر تقنية الفيديو، إن “العضوية في المنظمة سوف توفر لإيران الشروط اللازمة لتعزيز الأمن، وضمان السيادة والتنمية الاقتصادية المستدامة”. وتُعد إيران العضو التاسع في المنظمة، وقد حصلت قبل ذلك على صفة عضو مراقب منذ عام 2005، ثم تم تفعيل طلبها الذي تقدمت به في عام 2008 للحصول على العضوية الكاملة، في القمة التي عقدها قادة المنظمة في دوشنبه في سبتمبر 2021.

دوافع عديدة

سعت إيران للانضمام إلى المنظمة كعضو دائم فيها من أجل تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تقليص الاعتماد على العلاقات مع الدول الغربية: يعكس توجه إيران نحو الانضمام للمجموعة تحولاً في السياسة الخارجية التي تبنتها إيران خلال العقد الأخير. فخلال عهد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، كان واضحاً أن إيران تعول بشكل كبير على العلاقات مع الدول الغربية، وتزايد هذا التوجه عقب الإعلان عن الوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، ثم تعليق العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران. وبعد هذه الخطوات، بدأت إيران في تحسين علاقاتها مع العديد من الدول الغربية، حيث قام روحاني بزيارة عواصم أوروبية عديدة مثل باريس وروما وفيينا، كما أبرمت إيران صفقات كبيرة مع شركات أمريكية وأوروبية مثل “بوينج” و”إيرباص”.

لكن عقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، في 8 مايو 2018، ثم اغتيال القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، في 3 يناير 2020، خلال عملية عسكرية شنتها الولايات المتحدة الأمريكية، بدا لافتاً أن الرهان على العلاقات مع الدول الغربية يتراجع إلى حد كبير، وبدا التوجه نحو تعزيز العلاقات مع “الشرق” بدلاً من “الغرب” يتخذ منحى تصاعدياً بعد وصول الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي إلى السلطة في بداية أغسطس 2021، حيث تم تفعيل الطلب الذي سبق أن تقدمت به إيران للحصول على العضوية الكاملة بعد شهر من تولي الرئيس رئيسي مقاليد منصبه.

2- عدم الالتزام باتفاقيات غسيل الأموال: ترى إيران أن الانضمام بشكل كامل للمنظمة يجنبها الموافقة على بعض الشروط التي تبنتها الدول الغربية لتسهيل عملية انضمامها للمنظومة الاقتصادية العالمية، ورفع مستوى التعاون الاقتصادي معها، ولا سيما ما يتعلق بالانضمام إلى منظمة مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال “FATF”. فرغم الجهود التي بذلتها حكومة الرئيس السابق حسن روحاني من أجل تمرير الانضمام إلى المنظمة من مجلس الشورى الإسلامي، إلا أن المؤسسات النافذة في النظام رفضت ذلك، بما فيها مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام. ويعود تحفظ هذه المؤسسات على الانضمام إلى المنظمة إلى تخوفها من أن ذلك سوف يفرض قيوداً على الدعم الذي تقدمه إيران للمليشيات المسلحة الموالية لها في بعض دول الأزمات في المنطقة، والتي يصنف بعضها كمنظمات إرهابية لدى بعض الدول الغربية. ولذلك، أدرجت المنظمة إيران على قائمتها السوداء أكثر من مرة آخرها في 23 يونيو الفائت.

من هنا، اعتبرت اتجاهات عديدة في إيران أن انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي يمثل ضربة للجهود التي بذلتها قوى عديدة في الداخل والخارج من أجل دفع إيران إلى الانضمام إلى المنظمة، وبالتالي وضع قيود على تحركاتها الخارجية، وتحديداً على محاولاتها التمدد في بعض دول الأزمات.

3- تقليص أهمية الاتفاق النووي: رغم أن إيران تحاول في الفترة الحالية الوصول إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تساعد في إبرام صفقة جديدة تعزز بمقتضاها استمرار العمل بالاتفاق النووي، الذي يتعرض لأزمة حادة منذ انسحاب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه، وذلك من خلال المباحثات التي أجريت بين الطرفين في مسقط ونيويورك؛ فإن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أنها لا تعول كثيراً على هذا الاتفاق.

ففي رؤية إيران، فإنه حتى في حالة الوصول إلى اتفاق جديد مع القوى الدولية، فإن ذلك لا يعني انتهاء الخلافات مع الدول الغربية تحديداً، التي سوف تسعى -في الرؤية الإيرانية- إلى مواصلة فرض ضغوط عليها لإجراء تغيير في سياستها إزاء بعض الملفات الأخرى، مثل برنامج الصواريخ الباليستية، والحضور الإقليمي في دول الأزمات.

وهنا، يمكن القول إن ثقة إيران في المكاسب التي يمكن الحصول عليها عبر تعزيز العلاقات مع الدول الغربية تراجعت إلى حد كبير، ليس فقط بسبب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وإنما أيضاً بسبب إصرار إيران على التمسك بمقاربة متشددة تقوم على أن الدول الغربية حاولت استغلال أزمة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها إيران منذ منتصف سبتمبر الماضي وامتدت لأكثر من خمسة أشهر، من أجل تقويض دعائم النظام الحاكم ونشر الفوضى وعدم الاستقرار في إيران.

4- تعزيز التنسيق إزاء الملفات الإقليمية: تعتبر إيران منظمة “شنغهاي” بمثابة “نافذة مهمة” يمكن من خلالها توسيع نطاق التنسيق مع الدول الأعضاء فيها حول التطورات التي تشهدها العديد من الملفات الإقليمية التي تحظى باهتمام مشترك من جانبها، ولا سيما الملف الأفغاني. ووفقاً للرؤية الإيرانية، فإن أحد أسباب الانسحاب الأمريكي الفوضوي من أفغانستان كان يتمثل في إلقاء أعباء الأزمة في أفغانستان وتداعياتها على عاتق دول الجوار، ولا سيما إيران والصين وروسيا، في ظل الخلافات العالقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الدول، سواء بسبب الاتفاق النووي المتعثر مع إيران، فضلاً عن البرنامج الصاروخي والدور الإقليمي، أو بسبب الملف التايواني مع الصين، أو بسبب الملف الأوكراني مع روسيا.

تحذيرات داخلية

حرصت حكومة الرئيس رئيسي على الترويج للمكاسب الاقتصادية والاستراتيجية العديدة التي سوف تحصل عليها إيران بعد انضمامها إلى المنظمة، ولا سيما فيما يتعلق برفع مستوى التبادل التجاري مع دول المنظمة، والذي وصل خلال العام الإيراني الأخير (21 مارس 2022 – 20 مارس 2023) إلى نحو 38.8 مليار دولار، إلا أن ذلك لم يمنع اتجاهات داخلية عديدة من إطلاق تحذيرات من عواقب التعويل على هذا التوجه وحده باعتبار أنه الآلية الأساسية لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد منذ سنوات ولم تنجح السياسات الحكومية في احتواء تداعياتها.

وفي رؤية هذه الاتجاهات، فإنه من غير المنطقي أن تعول إيران على سياسة “التوجه شرقاً” التي تحدث خللاً في التوازن الاستراتيجي للدولة، وتمنح الدول الأخرى – حتى لو كانت تؤسس علاقات قوية مع إيران– مثل الصين وروسيا من أجل ممارسة ضغوط عليها في بعض الملفات.

فضلاً عن ذلك، تلك الدعوة التي برزت في قمة المنظمة لإجراء المعاملات التجارية بالعملات الوطنية، في إشارة إلى استبعاد الدولار كعملة دولية من تلك المعاملات، في سياق إدارة الخلافات مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ففي هذا السياق، كتب محسن هاشمي رفسنجاني مقالاً في صحيفة “اعتماد” حذر فيه من أن الاعتماد على إبرام اتفاقيات لإجراء المعاملات التجارية بالعملات المحلية من الممكن أن يفرض تداعيات سلبية عديدة على الاقتصاد الإيراني، في مقدمتها استيراد منتجات رديئة بأسعار عالية.

جدل متواصل

في ضوء ذلك، يمكن القول إن الجدل داخل إيران سوف يتواصل حول المكاسب التي يمكن أن تعود على إيران من الانضمام لعضوية منظمة شنغهاي، ولا سيما في ظل سعي كل الأطراف إلى تسييس الخطوة، في ظل التوازنات السياسية الحالية التي تنتظر استحقاقاً مهماً يتمثل في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي التي سوف تُجرَى في فبراير من العام القادم.