مرحلة جديدة:
لماذا رفعت واشنطن مستوى التصعيد ضد المليشيات العراقية؟

مرحلة جديدة:

لماذا رفعت واشنطن مستوى التصعيد ضد المليشيات العراقية؟



بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في رفع مستوى التصعيد العسكري ضد المليشيات الموالية لإيران في العراق تحديداً، حيث شنت هجمات ضد مواقع تابعة لـ”كتائب حزب الله” في منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل، في 22 نوفمبر الجاري، على نحو أدى إلى مقتل 8 من عناصر المليشيا وإصابة آخرين.

وفي الواقع، فإن ذلك يمثل بداية مرحلة جديدة في المواجهات التي تجري بين القوات الأمريكية في العراق وسوريا والمليشيات الموالية لإيران. إذ تعمدت الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الماضية، وتحديداً بعد اندلاع الحرب في قطاع غزة، ضبط حدود التصعيد مع هذه المليشيات، عبر توجيه ضربات لم تسفر عن وقوع قتلى بين عناصرها، على غرار الضربة التي وجهتها في بداية نوفمبر الجاري واستهدفت من خلالها مواقع تابعة لتلك المليشيات وللحرس الثوري الإيراني في منطقة البوكمال السورية.

دوافع عديدة

يمكن تفسير تعمد إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رفع مستوى التصعيد مع المليشيات الموالية لإيران في هذا التوقيت في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- توجيه رسالة ردع لإيران: اعتبرت الإدارة الأمريكية أن الضربات العسكرية السابقة فضلاً عن الرسائل التحذيرية التي وجهتها إلى إيران لم تسهم في إقناع الأخيرة بضرورة ممارسة ضغوط على المليشيات الموالية لها من أجل وقف الهجمات التي تستهدف من خلالها القواعد الأمريكية في كل من العراق وسوريا.

فقد كان لافتاً أن إيران ردت على تلك الرسائل بالتأكيد على أن هذه المليشيات تتخذ قراراتها باستقلالية تامة عن طهران، وأن الأخيرة لا تستطيع ممارسة ضغوط عليها في هذا الصدد، وهو ما ترى واشنطن أنه لا يتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض والمؤشرات التي تكشف أن الضربات التي تنفذها تلك المليشيات تتم بالتنسيق مع إيران، وتحديداً فيلق القدس التابع للحرس الثوري والمسئول عن إدارة العمليات الخارجية.

2- اتساع نطاق هجمات المليشيات: كان لافتاً أن المليشيات الموالية لإيران حرصت في الفترة الأخيرة على رفع مستوى الهجمات التي تنفذها ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، فوفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية، فإن عدد الهجمات التي نفذت ضد هذه القواعد في الفترة من 17 أكتوبر الفائت وحتى 21 نوفمبر الجاري تصل إلى 66 هجوماً، من بينها 32 هجوماً في العراق و34 هجوماً في سوريا.

وإذا كانت هذه الهجمات لم تسفر عن سقوط قتلى في صفوف القوات الأمريكية الموجودة في هذه القواعد، فإن ذلك لا يمثل بالضرورة توجهاً مستقراً لدى تلك المليشيات، التي ربما تتجه إلى محاولة استنزاف القوات الأمريكية وتكبيدها خسائر أكبر خلال المرحلة القادمة، على نحو كان له دور في دفع واشنطن إلى اتخاذ قرار برفع مستوى التصعيد العسكري الحالي ضد المليشيات الموالية لإيران.

3- تحييد الإعفاءات الممنوحة للعراق: جاءت تلك الضربات بعد أيام قليلة من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية عن تمديد الإعفاءات التي يسمح من خلالها للعراق بسداد مستحقات إيران من واردات الطاقة، والتي تصل إلى 10 مليار دولار وذلك لمدة 120 يوماً. وقد كان لافتاً أن هذه الخطوة توازت مع تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان وأشار من خلالها إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية وجهت رسائل عديدة إلى طهران لإقناعها بعدم العمل على توسيع نطاق الحرب الحالية لتشمل دولاً وأطرافاً أخرى.

وقد تبنت طهران هذا الموقف بالفعل حتى من قبل أن توجه واشنطن هذه الرسائل، حيث اعتبرت أن التوقيت غير مواتٍ لتوسيع نطاق الصراع مع إسرائيل في المرحلة الحالية، في ظل وجود ملفات ربما تحظى بأهمية أكبر من جانبها حالياً. ومن هنا، فإن اتجاهات عديدة ربطت بين تمديد الإعفاءات للعراق وتوفير محفزات لإيران من أجل مواصلة هذه السياسة وممارسة ضغوط على المليشيات الموالية لها بهدف التماهي معها في هذا الصدد، لا سيما فيما يتعلق بضبط حدود التصعيد مع إسرائيل، وهو ما بدا جلياً في الموقف الذي اتخذه حزب الله اللبناني تحديداً.

4- الرد على التصعيد النووي الإيراني: جاء رفع مستوى التصعيد العسكري الأمريكي ضد المليشيات الموالية لإيران في العراق تحديداً، بعد إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 15 نوفمبر الجاري، عن قيام إيران بزيادة كمية اليورانيوم المخصب التي تنتجها لتصل إلى 22 ضعف ما نص عليه الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في 14 يوليو 2015.

فقد أشارت الوكالة إلى أن كمية اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة التي أنتجتها إيران بلغت 4.486.8 كيلوجرام، في حين وصلت كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 128.3 كيلوجرام، وهو ما يكفي، حسب تقارير عديدة، لإنتاج ثلاثة قنابل نووية على الأقل، في حالة ما إذا اتخذت إيران قراراً سياسياً في هذا الصدد، وبدأت في الحصول على التقنيات الأخرى اللازمة للوصول إلى هذه المرحلة.

وهنا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى عبر تلك الضربات إلى توجيه رسالة غير مباشرة إلى إيران مفادها أن هناك حدوداً للتصعيد النووي من جانبها، وأن اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى في نهاية عام 2024 لا يعني أن واشنطن لا تمتلك من الخيارات ما يمكن من خلاله مواجهة هذا التصعيد النووي أو أى محاولة لإيران للإقدام على خطوة أخرى أكثر تأثيراً على غرار رفع مستوى التخصيب إلى أكثر من 60%.

وقد كان لافتاً أن إيران حرصت في اليوم نفسه الذي شنت فيه الهجمات الأمريكية ضد المليشيات الموالية لها على نفى اتجاهها إلى رفع مستوى عمليات التخصيب، حيث قال المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، في رسالة إلى مجلس الأمن والأمين العام انطونيو غوتيريش، أن إيران لم تقم بتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 60% قط، وفند “المزاعم” التي قال أن ممثلي ثلاث دول أوروبية قاموا بترويجها في هذا الشأن في إشارة إلى بيان أصدرته فرنسا وبريطانيا وألمانيا ينتقد عدم تعاون إيران بشكل كافٍ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

توتر مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن هذا التصعيد سوف يستمر خلال المرحلة القادمة، خاصة مع غموض المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. فرغم إبرام هدنة لمدة 4 أيام، فإن ذلك لا يوحي بأن نهاية هذه الحرب قد اقتربت، على نحو لا يمكن معه استبعاد اتجاه المليشيات الموالية لإيران إلى الرد على تلك الضربات عبر تصعيد أكبر ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا.