رسائل مضادة:
لماذا رفعت إسرائيل مستوى التصعيد مع إيران؟

رسائل مضادة:

لماذا رفعت إسرائيل مستوى التصعيد مع إيران؟



رغم أن الهجمات التي تشنها إسرائيل داخل سوريا، وتستهدف من خلالها المواقع التابعة للنظام السوري وإيران والمليشيات الموالية لها، لا تعبر عن توجه جديد تتبناه الأولى للتعامل مع التطورات الميدانية التي تشهدها الساحة السورية، إلا أن الهجوم الذي نفذته في 2 ديسمبر الجاري واستهدف مواقع في العاصمة دمشق، اكتسب أهمية خاصة، لاعتبارات عديدة، يرتبط أهمها بأنه الهجوم الأول الذي يسفر عن سقوط عنصرين تابعين للحرس الثوري الإيراني منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، عقب العملية العسكرية التي شنتها “كتائب القسام”- الذراع العسكرية لحركة حماس- داخل غلاف غزة تحت مسمى “طوفان الأقصى”، في 7 أكتوبر الماضي.

وهنا، فإن توقيت شن هذا الهجوم له مغزى خاص، يتعلق بتطورات عديدة طرأت على ملفات أخرى تحظى باهتمام خاص من جانب إسرائيل وإيران، على غرار التهديدات التي تواصل مليشيا الحوثيين توجيهها إلى تل أبيب، وارتفاع مستوى الأنشطة النووية الإيرانية خلال الفترة الماضية، في ضوء محاولة إيران استغلال انشغال الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالحرب في غزة، أولاً لتعزيز مواقعها داخل سوريا والعراق، وثانياً لمضاعفة الضغوط التي تمارسها على الدول الغربية عبر زيادة تراكمات اليورانيوم المخصب بنسب مختلفة.

أسباب عديدة

يمكن تفسير اتجاه إسرائيل إلى رفع مستوى التصعيد مع إيران داخل سوريا خلال المرحلة الحالية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- التراجع الغربي في مواجهة طهران: جاء الهجوم الأخير الذي شنته إسرائيل داخل سوريا واستهدف مواقع تابعة للحرس الثوري، وألحق خسائر بشرية بالأخير، بعد نحو أسبوعين من إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 15 نوفمبر الفائت، عن زيادة كمية اليورانيوم المخصب لدى إيران إلى 4.486.8 كيلوجرام، ومراكمة كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% تكفي لإنتاج ثلاثة قنابل نووية على الأقل في حالة اتخاذ إيران قراراً باستكمال المتطلبات التكنولوجية اللازمة للوصول إلى هذه المرحلة.

وهنا، فإن ما أثار قلق إسرائيل لا يكمن في هذا التطور الملحوظ في الأنشطة النووية الإيرانية فحسب، وإنما يمتد إلى ما تعتبره تل أبيب تراجعاً في حدة الضغوط التي تمارسها الدول الغربية على إيران.

إذ ترفض هذه الدول حتى الآن اتخاذ خطوات تصعيدية ضد إيران، على غرار نقل الملف النووي من الوكالة الدولية إلى مجلس الأمن الدولي، لتجنب تفاقم التوتر مع طهران ودفع الأخيرة إلى الرد عبر إجراءات تصعيدية مقابلة، فضلاً عن محاولاتها عدم دفع طهران إلى الإيعاز لحلفائها في المنطقة بتوسيع نطاق الحرب الحالية، وهو ما يبدو جلياً في الاتصالات المباشرة التي تجريها فرنسا وألمانيا تحديداً مع إيران لتحقيق هذا الهدف خلال الفترة الحالية.

2- الهجمات المتتالية للمليشيا الحوثية: كان لافتاً أن إسرائيل سارعت إلى توجيه اتهامات مباشرة إلى إيران بالمسئولية عن الهجمات المتتالية التي تشنها المليشيا الحوثية، سواء عبر احتجاز سفن في البحر الأحمر، أو من خلال شن ضربات بواسطة الصواريخ والطائرات من دون طيار ضد مواقع إسرائيلية في إيلات تحديداً.

ورغم أن إسرائيل نفت أن تكون سفينة “جلاكسي ليدر” التي احتجزتها المليشيا، في 19 نوفمبر الفائت، تابعة لها أو لأحد مواطنيها، فإنها اعتبرت أن إقدام المليشيا الحوثية على مثل هذه الخطوات يزيد من حدة التهديدات التي تتعرض لها، في ظل انخراط المليشيات الموالية لإيران في الحرب التي تشنها ضد حركة حماس، عبر شن ضربات ضد مواقع إسرائيلية، أو تنفيذ هجمات ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا رداً على الدعم الذي تقدمه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى إسرائيل لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في غزة.

ومن هنا، ربما ارتأت تل أبيب أن توجه رسائل تصعيدية أقوى إلى إيران عبر سوريا، من أجل دفعها إلى ممارسة ضغوط على المليشيا الحوثية لوقف الهجمات التي تقوم بشنها بعد اندلاع الحرب في غزة.

3- التخوف من تداعيات التفاهمات الأمريكية-الإيرانية: تبدي إسرائيل مخاوف من التداعيات المحتملة التي يمكن أن تسفر عنها التفاهمات المستمرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. وفي رؤية تل أبيب، فإنه رغم أن اندلاع الحرب في غزة ساهم في تصعيد حدة التوتر في العلاقات بين طهران وواشنطن، بسبب الاتهامات التي توجهها الأولى إلى الثانية بالمسئولية عن تفاقم الأزمة في القطاع واستمرار إسرائيل في العملية البرية، إلا أن ذلك في مجمله لم يجمد تلك التفاهمات، حيث تبرز مؤشرات عديدة تعزز هذا الاحتمال.

إذ بدت إدارة الرئيس بايدن حريصة على عدم توجيه اتهام مباشر لإيران بالضلوع في عملية “طوفان الأقصى”. كما وجهت رسائل للأخيرة لدفعها إلى التدخل لدى وكلاءها من أجل ضبط مستوى التصعيد الحالي. فضلاً عن ذلك، فإن إيران كان لها دور، غير مباشر، في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، على نحو يبدو أنه قوبل بترحيب أمريكي، حيث جرى الإفراج عن عدد من المحتجزين التايلانديين لدى حماس بعد مفاوضات أجريت برعاية طهران بين مسئولين من الحكومة التايلاندية وحماس.  وكان لافتاً أيضاً في هذا الصدد أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تتخذ رد فعل قوياً إزاء إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التطور الملحوظ في الأنشطة النووية الإيرانية.

ويبدو أن ذلك في مجمله كان أحد أسباب اندفاع إسرائيل إلى رفع مستوى التصعيد مع إيران، ليس فقط للرد على التحركات الإقليمية والأنشطة النووية التي تقوم بها الأخيرة، ولكن أيضاً لتوجيه رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأن إسرائيل سوف تتحرك للدفاع عن مصالحها حتى لو كان ذلك سيؤثر سلباً على التفاهمات التي تجريها واشنطن مع طهران.

4- التمهيد لعمليات جديدة ضد البرنامج النووي: ربما يكون التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد إيران في سوريا مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين، والذي امتد إلى استهداف المنشآت النووية الإيرانية من الداخل، عبر العمليات الاستخباراتية التي قامت بها إسرائيل وحاولت من خلالها تقليص قدرة إيران على تطوير أنشطتها النووية، حيث ركزت في هذا الصدد على بعض المنشآت تحديداً، على غرار مفاعل ناتانز لتخصيب اليورانيوم الذي تعرض لهجومين في 2 يوليو 2020 و12 أبريل 2021. وقد يكون الهجوم الذي وقع في سوريا، في قسم منه، رسالة إلى طهران بأن انشغال تل أبيب في الحرب الحالية لن يمنعها من المضي قدماً في محاولة تحقيق أهدافها.

صراع متواصل

ربما يمكن القول إن إسرائيل تدرك أن إيران لا تريد الانخراط مباشرة في الصراع الحالي. ومن هنا، فإنها تواصل الضغط عليها عبر توجيه مثل هذه الضربات، التي قد تستمر خلال المرحلة القادمة. وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن طهران سوف تواجه خيارات صعبة، إذ أن عدم ردها على تلك الضربات قد يدفع تل أبيب إلى رفع مستواها وتوسيع نطاقها في المرحلة القادمة. في حين أن ردها عليها قد يكون كفيلاً بمواجهة المحظور الذي حرصت على تجنبه من البداية وهو الانخراط في الحرب الحالية، أو على الأقل الاضطرار إلى دفع جزء من كُلفتها.