أجندة "تواصل":
لماذا رفض حزب الإخوان بموريتانيا “وثيقة التوافق” للانتخابات المقبلة؟

أجندة "تواصل":

لماذا رفض حزب الإخوان بموريتانيا “وثيقة التوافق” للانتخابات المقبلة؟



يُثير رفض حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، الممثل للإخوان في موريتانيا، للتوقيع على الوثيقة النهائية لمخرجات التوافق بين وزارة الداخلية و24 حزباً سياسياً مرخصاً (27 سبتمبر 2022)، حيال ترتيبات المشهد للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية العام المقبل، جملة من التساؤلات، رغم مشاركته في الجلسات التحضيرية الأولى في يوليو الماضي، ولكن يبدو أن الحزب يحاول ممارسة نوعٍ من الضغوط على الرئيس محمد ولد الغزواني، لتحقيق أجندته الخاصة، خاصة مع حساسية الانتخابات التشريعية المقبلة قبل عام من الانتخابات الرئاسية عام 2024، إضافة إلى محاولة فرض مطالب مُحددة لزيادة عدد ممثليه في المجالس المختلفة، فضلاً عن تحقيق قدر من التمايز مع المكونات السياسية بشكل يمكن توظيفه لصالح الدعاية للحزب في الانتخابات. وأخيراً، ربما لم يتمكن الحزب من تجاوز الخلافات الداخلية التي ظهرت للعلن من عام 2019، بصورةٍ تدفع لعدم الرغبة في إجراء الانتخابات في موعد مبكر من العام المقبل.

حسمت الجولة الأخيرة من المشاورات بين وزارة الداخلية في موريتانيا و24 حزباً سياسياً مرخصاً (27 سبتمبر 2022)، عدداً من القضايا الخلافية في سياق التجهيز لإجراء الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، وتم التوقيع على الوثيقة النهائية لمخرجات الحوار السياسي؛ إلا أن قائمة الأحزاب خلت من حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” المعروف بـ”تواصل”، وهو الحزب المعبر عن جماعة الإخوان في موريتانيا.

وأنهت الوثيقة النهائية لمخرجات الحوار حول الانتخابات، حالة التجاذبات السياسية التي شهدتها موريتانيا، منذ يوليو الماضي، وهو الشهر نفسه الذي بدأت فيه وزارة الداخلية اجتماعاتها مع رؤساء وقادة الأحزاب الموالية والمعارضة، بشأن التباحث للتوصل إلى تفاهمات حيال بعض القضايا المتعلقة بإجراء الانتخابات.

ورغم مشاركة حزب “تواصل” في المشاورات، ويمثل رئيس الحزب محمد محمود ولد سيدي، مع وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، المكلف من رئيس الجمهورية بالترتيب للانتخابات وهيكلة النظام الانتخابي، إلا أن موقفه الرافض وعدم التوقيع على الوثيقة يحمل علامات استفهام.

مشهد معقد

يمكن تفكيك المشهد السياسي الحالي في موريتانيا، وانعكاساته على التفاهمات الأخيرة حيال ملف الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، وتحديداً موقف حزب “تواصل” الرافض للتوافق بين وزارة الداخلية و24 حزباً سياسياً، كالتالي:

1- امتصاص الحكومة لغضب الأحزاب السياسية: منذ مطلع يوليو الماضي، بدأت الحكومة الموريتانية عقد اجتماعاتها للتحضير للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية، ولكنها خطوة أثارت رفض حزب “تواصل” وأصدر بياناً (2 يوليو 2022)، لرفض ما وصفه بـ”التحضير الأحادي” للانتخابات، ودعا الأحزاب إلى “الانتظام في جهد نضالي جماعي لفرض الحوار الشامل”. وكمحاولة من النظام الموريتاني للرد على بيان “تواصل”، وتحقيق قدر من التشاور مع الأحزاب، وجه وزير الداخلية (5 يوليو 2022)، الدعوة للأحزاب للمشاركة في اجتماعات للتشاور حول ترتيبات المشهد الانتخابي وحسم بعض القضايا المطروحة، قبل استكمال مسار الحوار والمشاورات على مدار أكثر من شهر ونصف الشهر، للوصول إلى وثيقة توافقية، كأحد مسارات التهدئة بين الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني والأحزاب المعارضة، الذي بدا حريصاً منذ وصوله للحكم في 2019 على إحداث انفراجة في التواصل بين الرئيس والأحزاب.

2- رغبة النظام في تحقيق أكبر قدر من التوافق: وفقاً للوثيقة المعلنة في (27 سبتمبر 2022)، فإن وزير الداخلية عقد لقاءات مع قادة ورؤساء الأحزاب، بتاريخ (12 يوليو 2022)، في حضور رؤساء وقادة 22 حزباً سياسيا، من أصل 25 حزباً مرخصاً، ودعا الوزير قادة الأحزاب للعمل على ضم الأحزاب الثلاثة الأخرى في مشاورات التحضير للانتخابات المقبلة. وبالفعل، شاركت كل الأحزاب المرخصة في الاجتماعات مع وزير الداخلية، أو اجتماعات أخرى فنية مع أمين عام وزارة الداخلية. وفي ظل الخلاف الذي ظهر في اجتماعات الوزارة مع قادة الأحزاب خلال يومي (15 – 16 سبتمبر 2022)، فيما يتعلق بنظام النسبية في الانتخابات، إذ ساد خلاف على إجراء الانتخابات بنظام النسبية تماماً، أو اعتماد نظام النسبية والأغلبية معاً؛ فإن وزير الداخلية عرض الأمر على رئيس الجمهورية، الذي تقدم بعدد من المقترحات، تم التوافق عليها من قبل 24 حزباً سياسياً. وهنا فإن الرئيس الموريتاني بدا أنه يرغب في تحقيق أكبر قدر من التوافق بين المكونات الحزبية المختلفة، سواء موالية أو معارضة، من خلال اعتماد نظام النسبية بنسبة 50% والأغلبية بنسبة 50%، إضافة إلى زيادة عدد مقاعد تمثيل العاصمة نواكشوط في الجمعية الوطنية (البرلمان)، ليصبح إجمالي عدد المقاعد 176 خلال انتخابات 2023، بعدما كانت 157 مقعداً في آخر انتخابات عام 2018.

3- القفز على موقف حزب “تواصل” من الوثيقة: اللافت في مسار مشاورات وزارة الداخلية مع رؤساء الأحزاب، ورغم رفض حزب “تواصل” مخرجات الاجتماعات التشاورية وعدم التوقيع على الوثيقة النهائية؛ فإن النظام الموريتاني ممثلاً في وزارة الداخلية، قفز على موقف حزب “تواصل”، واستمر في المسار المُحدد سلفاً مع قادة 24 حزباً سياسياً، وبالتالي فإن وزير الداخلية وظّف حالة التوافق مع مختلف الأحزاب في مواجهة أي ضغوط من قبل حزب “تواصل”، فلم ينضم للحزب في مواقفه من النظام الانتخابي والمشاورات أي من الأحزاب المعارضة الأخرى، وهي “تكتل القوى الديمقراطية، واتحاد قوى التقدم، والتحالف من أجل العدالة والديمقراطية”، وهي نفس الأحزاب التي كانت تميل إلى اتجاه التصعيد مع حزب “تواصل”، ضد ترتيبات النظام الموريتاني بشأن الانتخابات خلال اجتماعهم مع وزير الداخلية في (12 يوليو 2022).

4- مطالب مُحددة في وثيقة مضادة لـ”تواصل”: مقابل حالة التوافق التي تشهدها الساحة السياسية الموريتانية خلال أول أسبوعين من شهر سبتمبر بعد التوصل لتفاهمات مُحددة بعد تدخل الرئيس الغزواني بمقترحات لاقت قبولاً من 24 حزباً مشاركاً في جلسات المشاورات،وقبل يومين منالاجتماع الأخير الذي شهد توقيع الوثيقة النهائية؛ أصدر “تواصل” ما وصفه بـ”وثيقة” (24 سبتمبر 2022). واللافت أن الحزب أفرد ديباجة، وجّه فيها هجوماً وانتقادات للنظام الموريتاني، وقفز على ترتيبات المشهد الانتخابي، قائلاً: “الاختلالات التي طالما عانى منها بلدنا الغالي، والتحديات التي عليه أن يواجهها اليوم وغداً، والتطلعات المشروعة لشعبنا نحو استغلال أمثل لموارده وحكامة أرشد لعائداتها؛ كل ذلك يجعل من العسير إجراء انتخابات شفافة ونزيهة دون الشروع في معالجة تلك الاختلالات”. وبالنظر إلى “وثيقة” الحزب، فإن أبرز المقترحات تمثلت في زيادة عدد ممثلي نواكشوط إلى 36 نائباً، إضافة إلى اعتماد النسبية في الانتخابات التشريعية وتعزيزها في الانتخابات الجهوية والبلدية.

دوافع رئيسية

في ضوء مشهد الترتيبات للانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية المقبلة، والتي من المقرر عقدها قبل موعدها لتكون بين فبراير وأبريل 2023، بعدما كان مقرراً لها نهاية العام المقبل؛ فإن ثمة دوافع لموقف حزب “تواصل” من رفض التوقيع في الوثيقة النهائية للتحضير للانتخابات، وأبرزها:

1- امتلاك ورقة ضغط على الرئيس الموريتاني: تعكس تحركات حزب “تواصل”منذ يوليو الماضي، رغبة من قيادات الحزب ممارسة قدر من الضغوط على الرئيس الموريتاني خلال الفترة المقبلة، وهذا يتضح من خلال بيان الحزب مطلع شهر يوليو، الرافض للترتيبات الأحادية، قبل الموافقة على المشاركة في الاجتماع مع وزير الداخلية في منتصف الشهر ذاته، ثم عدم التوقيع على الوثيقة النهائية. ويمكن النظر إلى رؤية “تواصل” في ممارسة الضغوط على الرئيس، لتلبية مطالبات الحزب المتعددة في بعض الجزئيات، وتحديداً فيما يتعلق بالنسبية في النظام الانتخابي، خاصة بعد توقف الترتيب لجلسات الحوار الوطني التي أطلقها الرئيس، كما أن قيادات الحزب تُدرك أن الانتخابات المقبلة تأتي قبل عام من الانتخابات الرئاسية، التي يتوقع أن يترشح غزواني فيها لولاية ثانية. وتشير بعض التقديرات الداخلية في موريتانيا إلى أن الانتخابات التشريعية والجهوية والبلدية المقبلة، ستكون مؤشراً ومُحدداً لانتخابات الرئاسة المقبلة.

2- الرغبة في زيادة عدد مقاعد الحزب: يُعد حزب “تواصل” أكبر حزب معارض يحصد عدد مقاعد في الانتخابات التشريعية الماضية عام 2018، بواقع 14 مقعداً، ضمن كتلة مقاعد الأحزاب المعارضة المُقدرة بـ40 مقعداً. وبالنظر إلى طلبين رئيسيين للحزب في جلسات التحضير للنظام الانتخابي مع وزير الداخلية، وهما تطبيق النسبية وزيادة عدد مقاعد نواكشوط؛ فإن الحزب يرغب بشكل أساسي في زيادة عدد مقاعده في الانتخابات المقبلة، اعتماداً على أن نواكشوط تُعد أحد المعاقل الرئيسية للحزب والتيار الإسلاموي بشكل عام، وفقاً لتقارير محلية، وبالتالي فإن زيادة عدد المقاعد الممثلة للعاصمة، قد تُمكن الحزب من زيادة عدد المقاعد. وفيما يتعلق بـ”النسبية”، فإنها تضمن تمثيلاً أوسع للحزب أيضاً، مقارنة بـ”الأغلبية” التي تشترط الحصول على (5% + 1)، سواء في الانتخابات التشريعية أو الجهوية أو البلدية. وبشكل عام فإن ضغوط “تواصل” إضافة لعدد من الأحزاب، أفضت إلى المزج بين النظامين في الانتخابات التشريعية، وهو ما قد يكون مناسباً للحزب.

3- التمايز عن المكونات السياسية المختلفة: يعكس موقف حزب “تواصل” من الوثيقة التوافقية حول الانتخابات المقبلة، رغبة في التمايز عن المكونات السياسية المختلفة، سواء “الموالية أو المعارضة”؛ إذ إن جميعها (24 حزباً) وافقوا على مقترح الرئيس الموريتاني حيال بعض القضايا الخلافية. ومن خلال تصدير هذه المسألة وارتفاع حدة الهجوم على الرئيس والنظام السياسي وترتيبات المشهد الانتخابي، وفقاً لما جاء في “الوثيقة المضادة” للحزب؛ فإن ذلك قد يوفر قدراً من التقارب مع المكونات الشعبية، على اعتبار أن الحزب لم يوافق على الترتيبات الحكومية بشأن الانتخابات. ومع اقتراب موعد الانتخابات قد يستغل الحزب ومرشحوه هذا الأمر في الترويج والدعاية للحزب، لمحاولة اكتساب أرضية أكبر، وزيادة عدد ممثليه في المجالس المختلفة التشريعية والجهوية والبلدية.

4- عدم تجاوز الخلافات الداخلية في الحزب: يبقى أن رغبة الحزب في محاولة عرقلة مسار التوافق السياسي حيال ملف الانتخابات المقبلة، قد ترتبط بمساعي عدم تسريع الجدول الزمني للانتخابات، وعدم إجرائها في وقت مبكر عن الموعد المحدد، في ضوء عدم تجاوز الحزب للخلافات الداخلية التي ظهرت بشكل واضح منذ عام 2019، عقب وصول رئيس الحزب الحالي محمد ولد سيدي، خلفاً لمحمد جميل منصور، أحد أبرز قيادات جماعة الإخوان في موريتانيا، وأحد مؤسسي الحزب؛ إذ انشق عددٌ من قيادات وكوادر الحزب على خلفية رفض الاعتراف بشرعية “سيدي”، واتجه الأخير إلى إقصاء الكوادر المحسوبة على “منصور”. ويبدو أن الأزمة الداخلية لم تراوح مكانها، إذ إن منصور دائماً ما يوجّه انتقادات لقيادات الحزب، وطريقة إدارتهم للحزب، على خلفية مواقفهم غير الواضحة من التعامل مع الرئيس الموريتاني، والتناقض في بعض المواقف. وربما يخشى الحزب من خوض الانتخابات في ظل حالة عدم الاستعداد، بما يؤدي إلى خسارة كتلته في البرلمان.

استبعاد المقاطعة

رغم رفض حزب “تواصل” ترتيبات المشهد الانتخابي بعد التوافق بين وزير الداخلية و24 حزباً سياسياً، والإصرار على مجموعة من المطالب المُحددة، فمن غير المتوقع اتجاه الحزب إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، مع احتمالية استمرار نبرات الهجوم على النظام السياسي القائم بقيادة محمد ولد الغزواني، وربما تتزايد من اقتراب موعد الانتخابات.