إنذار مسبق:
لماذا جدد مجلس الأمن التحذير من “داعش” و”القاعدة”؟

إنذار مسبق:

لماذا جدد مجلس الأمن التحذير من “داعش” و”القاعدة”؟



لا تزال تهديدات التنظيمات الإرهابية، وتحديداً تنظيمى “داعش” و”القاعدة”، تحظى باهتمام دولي، لا سيما على مستوى مجلس الأمن، الذي يسعى إلى دفع الدول إلى مواصلة جهود مكافحة الإرهاب خلال العام المقبل، ومواجهة التحولات في مصادر التمويل، وتصاعد نشاط شبكات تهريب الأسلحة، في ظل استمرار العوامل المغذية للعنف والتطرف في مناطق مختلفة، واتساع نطاق النشاط الإرهابي في بعض الدول، وتحديداً على مستوى القارة الأفريقية، بسبب الهشاشة الأمنية ومحدودية القدرات لمواجهة الإرهاب وتأمين الحدود.

وجّه مجلس الأمن الدولي، في 15 ديسمبر الجاري، تحذيراً جديداً، بشأن تصاعد التهديدات المرتبطة بنشاط التنظيمات الإرهابية، معتبراً أن الإرهاب بات أكثر انتشاراً في مناطق مختلفة من العالم. ويأتي تحذير مجلس الأمن في بيان عقب جلسة مفتوحة حول جهود مكافحة الإرهاب، إذ دعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى منح أولوية لمكافحة تمويل الإرهاب.

تحديات عديدة

ركز مجلس الأمن في تحذيره للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، على نقاط رئيسية، تمثل تحديات قائمة تستدعى مواجهتها، ويمكن تناولها على النحو التالي:

1- تدفق الأسلحة إلى التنظيمات الإرهابية: تطرق المجلس إلى معضلة استمرار تدفق الأسلحة والمتفجرات والمعدات العسكرية إلى التنظيمات الإرهابية خلال الفترة الماضية، في ظل استمرار النشاط الإرهابي في عدة دول، وتصاعد حدة الهجمات الإرهابية، وتحديداً في الدول الأفريقية، بسبب هشاشة الوضع الأمني، وصعوبة تأمين الحدود بين الدول، التي تستغلها التنظيمات الإرهابية، وتلاقي المصالح مع عصابات الجريمة المنظمة.

2- استمرار القدرات التمويلية المتنوعة: ركز المجلس على نجاح التنظيمات الإرهابية في التكيف مع منظومة العقوبات وجهود تقصي مصادر تمويلها والمسارات التي تتبعها لتوجيهها إلى الأفرع، إذ أقر بقدرات جمع الأموال وتحويلها بعدة طرق، في ظل استغلال الأعمال التجارية المشروعة والمنظمات غير الهادفة للربح، إضافة إلى الأعمال غير المشروعة مثل الاختطاف للحصول على فدية، والإتجار بالبشر والمخدرات.

3- الاعتماد على التقنيات الحديثة: ألقى البيان الختامي لجلسة المجلس الضوء على تداعيات تزايد اعتماد التنظيمات الإرهابية على التقنيات التكنولوجية الحديثة، سواء في تعزيز فرص تنفيذ الهجمات الإرهابية مثل الاعتماد على الطائرات من دون طيار، أو من خلال تطوير القدرات لاستخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في عمليات التجنيد.

4- اتساع نطاق خطاب الكراهية: دعا المجلس الحكومات والمجتمعات على اختلافها، إلى ضرورة التصدي لسرديات التنظيمات الإرهابية وبناء سردية مضادة تعتمد على تعزيز التسامح والتعايش، والتركيز على زيادة الوعي بتهديدات التطرف والإرهاب مع اتخاذ خطوات فعالة لمواجهة تصدير روايات مشوهة، وتحريف الدين وتبرير العنف واستغلال رموز ودعايات دينية لتجنيد الأتباع وبث خطاب الكراهية.

دوافع مختلفة

يمكن تفسير تحذير مجلس الأمن من نشاط التنظيمات الإرهابية، في ضوء عدد من العوامل والمستجدات، التي يتمثل أبرزها في:

1- عدم استبعاد احتمال تزايد النشاط الإرهابي: تأتي التحذيرات خوفاً من تزايد معدلات النشاط الإرهابي خلال عام 2023، اعتماداً على بعض البيانات التي ذكرتها وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشئون السياسية فيكتوريا نولاند، أمام مجلس الأمن، إذ أشارت إلى أن “العالم واجه العام الماضي أكثر من 8000 حادث إرهابي، عبر 65 دولة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 23000 شخص”. وهنا، يمكن أن تستغل التنظيمات الإرهابية حالة الهشاشة الأمنية في بعض المناطق، وتحديداً على مستوى القارة الأفريقية، التي تواجه تحديات أمنية بعد تزايد معدلات الهجمات الإرهابية خلال العامين الماضيين، كما أن بعض الدول العربية لا تزال تواجه تحديات على مستوى استمرار نشاط متذبذب في العراق وسوريا.

وحذر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، في إفادة افتراضية أمام المجلس، من استمرار قدرة التنظيمات الإرهابية على تنفيذ هجمات رغم الخسائر المستمرة التي تعرضت لها، مثل تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، بما يشير إلى محدودية تأثير مقتل القيادات على نشاط تلك التنظيمات.

2- تخوفات من تراجع جهود مكافحة الإرهاب: تأتي دعوة المجلس للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلى ضرورة استمرار مواصلة جهود مكافحة الإرهاب والخطاب العنيف ووسائل الدعاية والترويج، خوفاً من تراخي بعض الدول التي ربما لا تشهد نشاطاً إرهابياً أو تراجعت فيها معدلات العنف والهجمات، وهي محاولة لدفع الدول إلى مواصلة الضغط وملاحقة التنظيمات الإرهابية، خاصة مع إثبات بعض التنظيمات، مثل “داعش”، قدرة على التكيف مع الأوضاع الميدانية الجديدة في العراق وسوريا منذ تراجع السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي بداية من عام 2017، فلا يزال التنظيم يمتلك قدرات لمواصلة الهجمات الإرهابية.

3- اتجاه لتفعيل خطوات مؤجلة خلال 2023: يأتي بيان المجلس بعد جلسة استماع للإحاطة السنوية للجان مكافحة الإرهاب خلال شهر نوفمبر الماضي، حيث أشار إلى تأجيل بعض الأنشطة خلال عام 2021، بفعل تأثيرات تفشي جائحة كورونا. وقد أفاد خوان رامون دي لا فوينتي راميريز رئيس لجنة مجلس الأمن المنشأة عملاً بالقرار 1540 (2004)، بأن “اللجنة أجلت في عام 2021 عدداً من الأنشطة المخطط لها بسبب الوباء، فقد واصلت مع ذلك عملية استعراضها الشامل من خلال مشاورات مفتوحة مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمنظمات غير الحكومية والأوساط الأكاديمية”. وتشير تقييمات جلسة الاستماع السنوية إلى تأثر جهود مكافحة الإرهاب، خلال العامين الماضيين، بما يستدعي تحركاً لتفعيل الخطوات المؤجلة على مستوى تعزيز التكامل بين الدول والمنظمات الدولية خلال العام المقبل.

4- ضرورة مواجهة طرق التمويل الجديدة: يُعد تجفيف مصادر التمويل للتنظيمات الإرهابية أحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الدولي، في ضوء تنوع الآليات التي تستخدمها التنظيمات لتوفير مصادر تمويلية، سواء على مستوى توظيف البيئة المحلية مثل فرض الإتاوات والخطف والتعاون مع عصابات الجريمة المنظمة، أو من خلال الاتجاه إلى التوسع في عمليات الاحتيال واستخدام طرق تمويل جديدة تعتمد على تطبيقات المواعدة، والألعاب الإليكترونية، مثل ما كشفته صحيفة “ذا تايمز” في نوفمبر الماضي.

5- تداخل الإرهاب مع العنف بدوافع عرقية: تطرق اجتماع المجلس إلى أنالتطرف العنيف بدوافع عنصرية أو عرقية قد زاد بأكثر من 320٪ في السنوات الأخيرة”، بما يشير إلى التخوفات من تزايد التداخل بين الإرهاب والعنف بدوافع عرقية، خاصة مع اتجاه بعض التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية، إلى توظيف القضايا المحلية في استقطاب عناصر جديدة، وصبغ العنف المحلي بطابع “جهادي” من خلال نشر الفكر المتطرف. وفي ظل استمرار الأزمات العرقية وتحديداً على مستوى القارة الأفريقية، وتصاعد المواجهات بين مجموعات انفصالية متمردة وبعضها البعض، إضافة إلى توجيه العنف ضد الدول، فإن هذا المناخ يمثل بيئة مناسبة لتمدد التنظيمات الإرهابية.

6- التحذير من تدفق الأسلحة بعد الأزمة الأوكرانية: في ظل استمرار عمل شبكات تهريب الأسلحةفي مختلف مناطق التوترات والعنف، وتفكيك بعضها، فإن التحذير من تدفق الأسلحة يكتسب أهمية كبيرة. فعلى سبيل المثال، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية “فرض عقوبات على شبكة تهريب الأسلحة لصالح تنظيم داعش تعمل بين اليمن والصومال” خلال شهر نوفمبر الماضي، وذكر بيان وزارة الخارجية الأمريكية أن “أعضاء الشبكة يشاركون في أنشطة غير قانونية أخرى، بما في ذلك القرصنة والجرائم البيئية، مما يشير إلى اندماجهم مع الشبكات غير المشروعة العاملة في المنطقة”.

وضاعف من تخوفات تدفق الأسلحة خلال الفترة المقبلة، اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية واستمرار المواجهات وتزايد احتمالات استغلال بعض عصابات الجريمة المنظمة لتدفق الأسلحة على الساحة الأوكرانية وتوجيه هذه الأسلحة إلى مناطق الصراعات المسلحة وانتشار التنظيمات الإرهابية، وتحديداً على مستوى القارة الأفريقية. هذه التخوفات أشار إليها الرئيس النيجيري محمد بخاري مطلع شهر ديسمبر الجاري، حيث قال: “إن الحرب بين روسيا وأوكرانيا تسمح بتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى منطقة بحيرة تشاد، مما يعزز قوة التنظيمات الإرهابية، ويجري تحويل مسار الأسلحة المخصصة لحرب أوكرانيا إلى غرب أفريقيا، وينتهي بها الأمر في أيدي الجماعات الإرهابية”.

عوامل محفزة

أخيراً، رغم أن تحذيرات مجلس الأمن ولجان مكافحة الإرهاب، تصدر بصورة اعتيادية في إطار الجهود المتواصلة لدعم مكافحة الإرهاب والتطرف والظواهر المرتبطة بهما، إلا أن البيان الأخير يأتي في سياق إنذار مسبق باحتمالات تزايد التهديدات المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية، وتحديداً تنظيمي “داعش” و”القاعدة”، في ضوء استمرار العوامل المحفزة للنشاط الإرهابي، وقدرة التنظيمات على التكيف الميداني، فضلاً عن الاتجاه إلى البحث عن مصادر تمويل وتجنيد بديلة.