خطوة تكتيكية:
لماذا جددت إيران دعوتها لـلحوار مع الجوار؟

خطوة تكتيكية:

لماذا جددت إيران دعوتها لـلحوار مع الجوار؟



بدأت إيران مجدداً في الترويج لدعوتها إلى إجراء حوار مع دول الجوار، من أجل مناقشة الخلافات العالقة حول العديد من الملفات الإقليمية. ورغم أن هذه الدعوة ليست جديدة، حيث إنها ارتبطت بوصول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى منصبه في 5 أغسطس الماضي؛ إلا أنها متجددة بفعل متغيرات إقليمية ودولية عديدة. ويمكن تفسير أسباب تجددها في هذا التوقيت تحديداً في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في قرب انتهاء المفاوضات التي تجري في فيينا حول الاتفاق النووي، وتطلع حكومة رئيسي لرفع مستوى العلاقات الاقتصادية مع دول الجوار، ومواجهة الانتقادات الداخلية التي ركزت على عواقب سياسة “التوجه شرقاً”، وتجنب رفع مستوى التصعيد مع حركة “طالبان” بسبب علاقاتها مع المكونات الاجتماعية والسياسية الأفغانية.

جددت إيران تأكيدها على أنها تمنح الأولوية لما أسمته “دبلوماسية الجوار”. فقبيل مغادرته إلى قطر للمشاركة في القمة السادسة للدول المصدِّرة للغاز، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 21 فبراير الجاري، إن زيارته إلى قطر تهدف إلى تفعيل “دبلوماسية الجوار”. وفي اليوم نفسه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عبد الله خطيب زاده إن بلاده ترحب بالحوار مع دول الجوار. فيما أدلى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان بتصريحات إيجابية حول العلاقات مع بعض دول الجوار، لا سيما السعودية، خلال حواره مع شبكة “يورونيوز” بعد ذلك بيوم واحد.

دوافع عديدة

يُمكن تفسير أسباب حرص إيران على تجديد دعوتها للحوار مع دول الجوار في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- مواجهة تبعات سياسة “التوجه شرقاً”: تعكس الانتقادات التي وجهها الأكاديمي الإيراني صادق زيبا كلام، في 19 فبراير الجاري، إلى سياسة “التوجه شرقاً” التي تتبناها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي خلال الشهور الماضية بروز اتجاه داخل إيران بات يحذر من عواقب التعويل على العلاقات مع الصين وروسيا، خاصة أن ذلك يمكن أن يقلص من هامش الخيارات المتاحة أمام إيران على الساحة الدولية، بل ويضع، وفقاً لزيبا كلام، “إيران تحت رحمة الصراع أو التوافق الروسي-الصيني مع الغرب”. واللافت في هذا السياق، هو أن هذا الاتجاه ربما يكون عابراً للاستقطابات السياسية بين محافظين أصوليين ومحافظين تقليديين وإصلاحيين، حيث أن هناك رؤى مناوئة للتعويل على العلاقات مع الصين وروسيا حتى من داخل تيار المحافظين الأصوليين المسيطر حالياً على معظم دوائر صنع القرار في إيران، خاصة أن ذلك يبتعد أن التوجهات العامة التي يتبعها النظام الإيراني في الأساس.

2- قرب انتهاء مفاوضات فيينا النووية: تقترب المفاوضات التي تجري في فيينا بين إيران ومجموعة “4+1” بمشاركة أمريكية غير مباشرة من نهايتها، حيث تشير تصريحات الوفود المشاركة فيها ومسئولي الدول المعنية بها إلى أن حدوث “تقدم كبير” يمكن أن يؤدي للوصول إلى اتفاق جديد في فيينا يساهم في تسوية أزمة الملف النووي الإيراني. وهنا، فإن إيران تسعى إلى توجيه رسالة مباشرة بأنها معنية بإِطْلاع دول الجوار على مجريات المفاوضات والمسارات المحتملة التي قد تنتهي إليها والمعطيات التي قد تفرضها أيُّ صفقة محتملة فيها، وذلك في رد على الدعوات التي سبق أن وجهتها دول عديدة بالمنطقة بضرورة المشاركة في المفاوضات باعتبار أن ما يمكن أن تنتهي إليه يؤثر على أمنها ومصالحها.

3- رفع مستوى التعاون مع دول المنطقة: يبدو أن إيران تسعى إلى الاستعداد مسبقاً لاحتمال رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، سواء في مجال الصادرات النفطية أو في مجال التعاملات المصرفية، حيث استغلت مشاركتها في قمة الدول المصدِّرة للغاز من أجل توقيع 14 اتفاقية تفاهم مع قطر، وتأكيد استعدادها لتوسيع نطاق العلاقات الثنائية مع بعض الدول الإفريقية والعربية مثل غينيا الاستوائية وموزمبيق والجزائر، إلى جانب التركيز على ما أطلقت عليه “أمن الطاقة” وخاصة “أمن طاقة الغاز”. وفي هذا السياق، أكد الرئيس رئيسي على ضرورة تكريس فكرة أن يكون الغاز الطاقة البديلة لسائر أنواع الطاقات، ودعوة العالم والمنظمات الدولية لاتخاذ قرار بهذا الشأن، ومنع أية دولة من إصدار قرارات عقابية ضد الدول المصدرة للغاز.

وكان لافتاً أن وزير الطاقة الإيراني علي أكبر محرابيان حرص على إجراء مباحثات مع نظيره الجزائري محمد عرقاب، على هامش قمة الدول المصدِّرة للغاز، حيث أكد استعداد إيران للتعاون في جميع المجالات ولا سيما الطاقة الكهربائية مع الجزائر، مشيراً إلى أهمية انعقاد اجتماع اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين في الفترة القادمة.

4- تجنب التصعيد مع حركة “طالبان”: ما زالت إيران حريصة على عدم التصعيد مع حركة “طالبان” التي سيطرت على الحكم في كابول في منتصف أغسطس الماضي، رغم الخلافات العديدة القائمة فيما بينهما، وعلى رأسها إصرار الحركة على إقصاء المكونات المجتمعية والقوى السياسية الأخرى من السلطة، وهو ما ترى إيران أنه يمكن أن يكرر النسخة الأولى لحكم الحركة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي التي شهدت توتراً شديداً في العلاقات كاد أن يصل إلى مرحلة نشوب مواجهة عسكرية مباشرة. ومن هنا، فإنها تحرص باستمرار على إجراء حوار مع الحركة من أجل تجنب تصعيد حدة الخلافات وعدم تكرار ما حدث في مرحلة ما قبل الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001.

5- تقليص حدة التوتر مع أذربيجان: بدأت إيران في توجيه إشارات إيجابية إلى أذربيجان تفيد برغبتها في تقليص حدة التوتر التي تصاعدت حدتها بين الطرفين خلال أكتوبر الماضي، بعد الاتهامات التي وجهتها الأولى إلى الثانية بالعمل على تعزيز الوجود الإسرائيلي بالقرب من حدودها. وفي هذا السياق، عقد وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني لقاءً مع نظيره الأذربيجاني ذاكر حسنوف في طهران في 26 يناير الفائت، حيث كان لافتاً أن الأخير ركز على الترحيب بالموقف الإيراني من الأزمة الأخيرة التي اندلعت مع أرمينيا حول إقليم ناجورني قره باغ، مشيداً بـ”موقف المرشد الأعلى للجمهورية المؤيد لوحدة أراضي أذربيجان”، في إشارة إلى توصل الطرفين إلى تسوية لأحد الخلافات المحورية العالقة بينهما، بسبب التأييد الإيراني السابق لأرمينيا في هذا الملف. وربما يكون ذلك مقدمة لفتح مزيد من قنوات التواصل بين طهران وباكو، في سياق مساعي الأولى لتقليص حدة التصعيد مع دول الجوار.

استباق الصفقة

لا يبدو أن مثل هذه الإشارات تعكس استعداداً إيرانياً لإجراء تغيير رئيسي في اتجاهات سياستها الخارجية، ولا سيما تلك التي تتسبب في توسيع نطاق الخلافات مع دول الجوار. ففي النهاية، لا يمكن استبعاد أن تكون تلك السياسة مرتبطة بتوجهات حكومة إبراهيم رئيسي نفسها، التي بدأت اتجاهات داخلية مناوئة لها في الظهور خلال الفترة الأخيرة. فضلاً عن أنها تمثل محاولة من جانب إيران للاستعداد مسبقاً للمعطيات الإقليمية الجديدة التي يمكن أن تفرضها أي صفقة محتملة قد يتم التوصل إليها في مفاوضات فيينا خلال المرحلة المقبلة.