خطر الإرهاب:
لماذا جددت إثيوبيا والصومال اتفاقية الدفاع المشترك؟

خطر الإرهاب:

لماذا جددت إثيوبيا والصومال اتفاقية الدفاع المشترك؟



يأتي الإعلان عن تجديد اتفاقية الدفاع المشترك بين الصومال وإثيوبيا بعد أيام قليلة من إعلان الأمم المتحدة موافقتها على قرار رفع الحظر على تسليح الجيش الصومالي، وهو ما يعزز من جهود الحكومة الصومالية لتحديث وتعزيز قدرات الجيش الصومالي وإعادة بنائه، في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الصومالية لتصعيد عملياتها العسكرية ضد حركة الشباب، وخاصة مع تنفيذ الاتحاد الأفريقي خطة لسحب القوات الأفريقية تدريجياً من الصومال، بينما لا تزال إثيوبيا تواجه خطر التعرض لهجمات حركة الشباب عبر الحدود مع الصومال. ومن ثم يبدو أن ثمة رغبة مشتركة من جانب الدولتين لتعزيز التعاون الأمني والعسكري، ولا سيما في مجال مكافحة الإرهاب، وتدريب الجيش الصومالي، ومنح إثيوبيا مجالاً أوسعاً للتحرك على طول الحدود الصومالية لمكافحة محاولات حركات الشباب التوغل داخل الأراضي الصومالية.

ففي 7 ديسمبر الجاري، وقع وزير الدفاع الصومالي، عبدالقادر محمد نور جامع، مع نظيره الإثيوبي، أبراهام بيلاي، على تجديد اتفاقية الدفاع المشترك الموقعة بين الدولتين في عام 2014، والتي تركز على التعاون في مجالات الدفاع والأمن ​​للحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وهو ما يثير التساؤلات حول دوافع الدولتين لتجديد الاتفاقية.

دوافع عديدة

ثمة جملة من الدوافع التي تقف خلف قرار الحكومتين الصومالية والإثيوبية بتجديد هذه الاتفاقية، ومن أبرزها:

1- تعزيز جهود الحكومة الصومالية في مكافحة إرهاب حركة الشباب، حيث يأتي تجديد اتفاقية الدفاع المشترك بين الدولتين في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة الصومالية لتوسيع عملياتها ضد حركة الشباب، وفي الوقت الذي تستمر فيه قوات الاتحاد الأفريقي في تنفيذ خطتها في السحب التدريجي لهذه القوات، فقد ذكرت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال مؤخراً أنها بدأت الاستعدادات للمرحلة الثانية من سحب الآلاف من جنودها من البلاد. وقد سلمت بعثة الاتحاد الأفريقي إحدى قواعدها الأمامية في ولاية هيرشبيلي بوسط البلاد في 17 سبتمبر الماضي إلى الجيش الصومالي، وكان 2000 جندي أفريقي انسحبوا من الصومال في نهاية يونيو الماضي في المرحلة الأولى من الانسحاب التدريجي. وهو الأمر الذي يجعل الصومال بحاجة إلى دعم دول الجوار لجهوده في مكافحة الإرهاب، ولا سيما الدعم المقدم من إثيوبيا وكينيا، ولدى إثيوبيا اهتمام خاص بدعم جهود الحكومة الصومالية في عمليات مكافحة الإرهاب، لأنه يقلص من تمدد حركة الشباب عبر الحدود الصومالية- الإثيوبية.

2- تطوير قدرات الجيش الصومالي وجهود إعادة بنائه، حيث يأتي قرار تجديد الاتفاقية في الوقت الذي تكثف فيه الصومال جهودها للحصول على الدعم الدولي لعملية إعادة بناء جيشها، حيث إن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، في 12 ديسمبر الجاري، في نيويورك في أعمال المؤتمر، الذي شاركت فيه 26 دولة إضافة إلى الاتحادين الأفريقي والأوروبي، وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، الذي ناقش خطة تطوير أمن الصومال وتنسيق الدعم الدولي في مجالي الأمن والتنمية في البلاد، طرح خارطة طريق لمدة 5 سنوات حتى عام 2027 تتناول سبل دعم وتمكين الجيش الصومالي ودعم دفع الراتب وتشكيل جيش قادر على حماية الصومال.

كما جاء تجديد هذه الاتفاقية بعد أيام قليلة من قرار الأمم المتحدة برفع الحظر المفروض على تسليح الجيش الصومالي والذي ظل يحد من جهوده لتعزيز قدراته العسكرية، ومن ثم يفتح هذا القرار أمام الحكومة الصومالية المجال لتوسيع عمليات تسليح وتدريب الجيش الصومالي. وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا قد نفذت برنامجاً عسكرياً لتدريب الجيش الصومالي، وبالتالي ستوسع هذه الاتفاقية من فرص استمرار الجيش الإثيوبي في تقديم برامج عسكرية للتدريب على مكافحة الإرهاب، وربما تشمل مجالات أخرى تتعلق بحماية المدنيين من الكوارث الطبيعية وغير ذلك.

3- رفع الحرج القانوني عن إثيوبيا بالتعدي على سيادة الدولة الصومالية، حيث تتعرض الحدود بين الدولتين لمحاولات متكررة من جانب حركة الشباب لاختراق هذه الحدود، وغالباً ما تضطر القوات الإثيوبية لملاحقة العناصر الإرهابية والهاربة من المواجهات والاشتباكات داخل الأراضي الصومالية، وهذا يضع الحكومة الإثيوبية في حرج ومساءلة قانونية بالتعدي على سيادة الدولة الصومالية، ومن ثم فإن هذه الاتفاقية تضمن نوعاً من التنسيق الأمني بين الحكومتين يسمح للقوات الإثيوبية بمرونة في التحرك على طول الحدود، وتضع إطاراً قانونياً ينظم التعاون الأمني بين الجانبين.

تداعيات محتملة

من المتوقع أن ينعكس توقيع الدولتين على اتفاقية الدفاع المشترك على العلاقات الثنائية على النحو التالي:

1- تعزيز الحضور الإثيوبي في الصومال، حيث تعمل إثيوبيا على تعزيز وجودها الدبلوماسي والعسكري لحماية مصالحها في الصومال، إذ يرى مراقبون أن إثيوبيا تسعى إلى الحفاظ على استمرارية حالة الانقسام الداخلي في البلاد، للحيلولة دون وجود حكومة مركزية قوية لها السيطرة على كامل الشعب والإقليم، حتى تضمن الحفاظ على سيطرتها على إقليم “أوجادين”. علاوةً على تطلع إثيوبيا إلى إنشاء أسطول بحري تستضيفه الصومال، ولا سيما بعد إعلان إثيوبيا عن نيتها بشأن إعادة تأسيس قوتها البحرية بمساعدة فرنسية في عام 2019 من جانب ثالث.

2- الاتفاق على تشكيل قوات مشتركة لمراقبة الحدود الإثيوبية-الصومالية، حيث تحرص الأجهزة الأمنية والقوات الإثيوبية على رصد نشاط حركة الشباب، ولا تزال ترصد محاولات مستمرة من جانب الحركة لاختراق الحدود بين البلدين، وهو الأمر الذي يدفع القوات الإثيوبية إلى تكثيف وجودها العسكري في المناطق الحدودية لمراقبة الحدود، وضمان عدم اختراقها من جانب الحركة. لذلك من المتوقع تنفيذ عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب عبر الحدود بين الدولتين.

3- التصعيد العملياتي لحركة الشباب ضد القوات الإثيوبية، إذ لا تزال إثيوبيا من أهم الدول المستهدفة من جانب حركة الشباب الصومالية. ففي أكتوبر الماضي، أعلنت الحكومة الإثيوبية أن قواتها أحبطت هجمات خططت حركة الشباب لتنفيذها في الصومال. وأكدت الحكومة الإثيوبية أنها ضبطت أسلحة مختلفة، بالإضافة إلى ستة براميل مليئة بالمتفجرات، و3000 طلقة كانت حركة الشباب تريد استخدامها لإلحاق الضرر بسكان المنطقة الصومالية.

وتجدر الإشارة إلى أنّ حركة الشباب كانت لها منذ العام الماضي محاولات للتسلل إلى المنطقة الصومالية في إثيوبيا لتنفيذ هجمات فيها، ما جعل الحكومة الإثيوبية تقوم بتعزيز أمن الحدود لمنع هجمات الحركة. ولذلك من المحتمل أن تتجه الحركة إلى تصعيد نشاطها العملياتي داخل إثيوبيا، ولا سيما عبر خلايا الحركة التي تنشط داخل إثيوبيا، وربما تتجه الحركة إلى استهداف المصالح والبعثات الدبلوماسية الإثيوبية في الخارج.

سياسة حذرة

وفي المجمل، ثمة اهتمام واضح من جانب الحكومة الإثيوبية بتعزيز التعاون العسكري والأمني مع الصومال، ولا سيما احتواء التهديدات الإقليمية لحركة الشباب، وحماية المصالح الإثيوبية في البلاد. بيد أنه من المتوقع أن يؤدي تعزيز التعاون بين الدولتين إلى مزيدٍ من التصعيد من جانب حركة الشباب، خاصة داخل الأراضي الإثيوبية. وبرغم أن الصومال بحاجة إلى تعزيز التعاون مع إثيوبيا لمواجهة خطر إرهاب حركة الشباب مع اتجاه القوات الأفريقية إلى الانسحاب تدريجياً من الأراضي الصومالية، لكن يبدو أن ثمة مخاوف صومالية من الخطاب الذي تروج له بعض الجماعات داخل مقديشيو بشأن التطلعات الإثيوبية والطموحات البحرية الإثيوبية، وهو ما يجعل الصومال حريصاً على اتّباع سياسة حذرة ومترددة تجاه التعاون مع إثيوبيا.