ارتدادات غزة:
لماذا تواصل إسرائيل هجماتها في سوريا ولبنان؟

ارتدادات غزة:

لماذا تواصل إسرائيل هجماتها في سوريا ولبنان؟



رغم تصاعد حدة المواجهة العسكرية في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، فإن الأولى ما زالت حريصة على مواصلة هجماتها العسكرية ليس فقط في سوريا وإنما أيضاً في لبنان. وإذا كانت هجماتها داخل سوريا لا تعبر عن توجه جديد، حيث إنها تتبنى هذه السياسة منذ اندلاع الصراع داخل الأخيرة بداية من مارس 2011، فإن هجماتها في لبنان تشير إلى استمرار احتمال اتساع نطاق المواجهة الحالية في قطاع غزة لتشمل دولاً وأطرافاً أخرى. ففي هذا السياق، قامت إسرائيل، في 19 أكتوبر الجاري، بتوجيه ضربات عسكرية في محافظة القنيطرة بجنوب سوريا، وفي كفر شوبا والعديسة بجنوب لبنان.

دوافع عديدة

يمكن تفسير أسباب حرص إسرائيل على توجيه تلك الضربات في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة المواجهة العسكرية داخل قطاع غزة، في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- إثبات القدرة على الانخراط في حرب على جبهتين: تسعى تل أبيب عبر تبني هذا التوجه إلى إثبات أن لديها القدرة على الانخراط في مواجهات عسكرية على أكثر من جبهة في وقت واحد، وهو ما صرح به أكثر من مسئول إسرائيلي في الفترة الأخيرة. ففي هذا السياق، قال كبير المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي الأميرال دانيال هاجاري، في 15 أكتوبر الجاري، إن إسرائيل مستعدة لخوض حرب على جبهتين أو أكثر.

وهنا، فإن ذلك يعكس إدراك إسرائيل بأن التطورات التي طرأت على الساحة السورية في العقد الأخير فرضت تداعيات مباشرة على أمنها ومصالحها، ولا سيما فيما يتعلق باقتراب إيران من حدودها وتزايد القدرات العسكرية للمليشيات الموالية لها، على غرار حزب الله اللبناني، الذي ارتبط أحد أسباب انخراطه في الصراع العسكري داخل سوريا إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، بحرصه على استمرار الدعم العسكري الذي تقدمه إيران، وكان سبباً في تصاعد تأثير ترسانته الصاروخية تحديداً، والتي أصبحت ورقة الضغط الأساسية التي يلوح بها باستمرار في مواجهة إسرائيل.

2- تحذير الأطراف المناوئة من توسيع نطاق الحرب: لا ينفصل استمرار هذه الهجمات عن محاولات إسرائيل توجيه رسائل تحذيرية إلى الأطراف المناوئة لها من العواقب التي يمكن أن تتمخض عن توسيع نطاق الحرب الحالية لتشمل إلى جانب قطاع غزة كلاً من سوريا وجنوب لبنان. ومن دون شك، فإن حرص إسرائيل على توجيه هذه الرسائل يرتبط بالهجمات العديدة التي شُنت ضدها عبر تلك المناطق، خلال الفترة التالية على إطلاق “كتائب القسام” – الذراع العسكرية لحركة حماس – عملية “طوفان الأقصى” داخل إسرائيل، في 7 أكتوبر الجاري. إذ اعتبرت تل أبيب أن هذه الهجمات تمثل محاولة من جانب بعض الأطراف المناوئة لها لدفعها إلى عدم اللجوء إلى خيار التدخل البري في قطاع غزة، وهو الخيار الذي ما زالت تهدد به للرد على العملية العسكرية التي شنتها حماس، وأقرت تل أبيب بأنها فشلت في منعها أو كشفها قبل تنفيذها.

3- منع إيران من استغلال المواجهات العسكرية: تراقب إسرائيل بدقة التحركات العسكرية التي تقوم بها إيران داخل سوريا، وربما لا تستبعد في الوقت الحالي أن تحاول إيران استغلال انشغالها بإدارة العمليات العسكرية داخل قطاع غزة، من أجل تكريس وجودها العسكري داخل سوريا وبالقرب من حدودها، فضلاً عن تمرير مزيد من الدعم العسكري لحلفائها الإقليميين في لبنان. وهنا، فإن الرسالة التي تحاول تل أبيب توجيهها عبر مواصلة ضرباتها العسكرية في سوريا هي أنها لن تسمح لإيران بتعزيز هذا التواجد أو بمواصلة تقديم هذا الدعم.

لكنّ اتجاهات عديدة في تل أبيب ترى أن الخيارات المتاحة أمامها لا تبدو متعددة، حيث إن إيران تمكنت بالفعل من تعزيز وجودها داخل سوريا، رغم أن كثيراً من القوى المعنية بالترتيبات الأمنية والسياسية التي يجري العمل على صياغتها داخل الأخيرة تبدي تحفظات عديدة إزاء ذلك، بما فيها القوى التي تماهت سياستها مع إيران في دعم النظام السوري خلال مرحلة الصراع العسكري، وفي مقدمتها روسيا.

4- الرد على رفع الحظر الأممي عن الأنشطة الصاروخية الإيرانية: توازت الهجمات العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل داخل سوريا ولبنان مع رفع الحظر الأممي عن الأنشطة المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، في 18 أكتوبر الجاري، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي تضمن ما يسمى بـ”بند الغروب” الذي يقضي برفع بعض القيود المفروضة على الأنشطة النووية والعسكرية الإيرانية تدريجياً منذ اعتماد خطة العمل المشتركة (الاتفاق النووي) في 18 أكتوبر 2015، بعد الوصول إلى هذا الاتفاق بنحو ثلاثة أشهر، وتحديداً في 14 يوليو من العام نفسه.

وهنا، فإن إسرائيل تسعى عبر تلك الهجمات العسكرية إلى تأكيد أنها سوف تواصل العمليات العسكرية والأمنية التي تقوم بتنفيذها لمواجهة الحضور الإقليمي الإيراني القريب من حدودها وعرقلة تطوير البرنامجين النووي والصاروخي. وبالطبع، فإن ما يزيد من أهمية هذا الهدف بالنسبة لإسرائيل هو أن إيران تمكنت رغم العقوبات الأمريكية التي تتعرض لها منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، من تطوير برنامجها النووي بشكل بات يثير قلقاً واضحاً لدى الدول الغربية التي لم تعد تستبعد أن تحاول إيران الوصول إلى المرحلة التي تمتلك فيها القدرة على امتلاك القنبلة النووية.

كما أن إيران تواصل تطوير برنامجها الصاروخي الذي يمثل إحدى أوراق الضغط التي تمتلكها في مواجهة الأطراف الإقليمية والدولية المناوئة لها، ولا سيما إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وربما تتجه إلى استغلال رفع الحظر الأممي عن الأنشطة المرتبطة بهذا البرنامج، في 18 أكتوبر الجاري، من أجل اتخاذ مزيد من الخطوات التنفيذية في هذا الصدد.

تصعيد مستمر

في ضوء ذلك، يمكن القول إن تصاعد حدة التوتر بين إسرائيل وإيران سوف يكون عنواناً رئيسياً للتفاعلات التي تجري بين الطرفين خلال المرحلة القادمة، خاصة في حالة ما إذا اتخذت الأولى قراراً بالتدخل برياً في قطاع غزة، على نحو قد يساهم في توسيع نطاق المواجهة الحالية لتشمل سوريا وجنوب لبنان، في ضوء تحفز بعض المليشيات للرد على ذلك، وهو ما سوف يُدخل هذا التوتر في مرحلة جديدة لا يمكن فيها استبعاد اتجاه الطرفين إلى تبني آليات جديدة لإدارته.