لماذا تهتم واشنطن بعقد ملتقى الحوار الاستراتيجي مع الجزائر؟ – الحائط العربي
لماذا تهتم واشنطن بعقد ملتقى الحوار الاستراتيجي مع الجزائر؟

لماذا تهتم واشنطن بعقد ملتقى الحوار الاستراتيجي مع الجزائر؟



تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز التقارب مع الجزائر، ففي 11 أكتوبر الجاري، استضافت وزارة الخارجية الأمريكية الحوار الاستراتيجي السادس بين الدولتين. ويأتي ذلك بعد أن أعلنت واشنطن دعمها للسياسة الجزائرية إزاء بعض الملفات، ولا سيما بعد إطلاق الجزائر مبادرتها لحل الأزمة في النيجر، فضلاً عن اتجاه واشنطن إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية لإيجاد حل لمشكلة الصحراء، وإقناع الجزائر والمغرب بإجراء مفاوضات حول هذا الملف.

لذلك، من المتوقع أن تفرض هذه التحركات تداعيات مختلفة على منطقتى المغرب العربي والساحل، ولا سيما فيما يتعلق بزيادة التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من روسيا وفرنسا في المنطقة، حيث تتجه موسكو بدورها نحو تكثيف تحركاتها الموازية لتعزيز العلاقات مع المغرب، وفي الوقت نفسه ستعمل واشنطن على تنسيق مواقفها وسياساتها مع الجزائر في منطقة الساحل الأفريقي وليبيا في مواجهة فرنسا. وقد تُفضي هذه التحركات الأمريكية في مجملها إلى إبرام صفقات سياسية واقتصادية مع الجزائر ربما تسهم، وفقاً لرؤية واشنطن، في تحييد الموقف الجزائري تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية.

أهداف عديدة

في 11 أكتوبر الجاري، استضافت وزارة الخارجية الأمريكية الحوار الاستراتيجي السادس بين الولايات المتحدة الأمريكية والجزائر، حيث ترأس الحوار كل من مساعدة وزير الخارجية لشئون الشرق الأدنى باربارا أ. ليف، والأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية لوناس مقرمان، وبحضور مسئولين رفيعي المستوى من البلدين، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول دوافع وتداعيات تنامي هذه التحركات الأمريكية في اتجاه تعزيز العلاقات مع الجزائر.

ويمكن القول في هذا السياق إن ثمة جملة من العوامل التي تفسر تزايد الاهتمام الأمريكي بالاستمرار في عقد حوار استراتيجي مع الجزائر، يتمثل أبرزها في:

1- تقليص حدة التوتر في العلاقات بين البلدين: شهدت العلاقات الأمريكية-الجزائرية توترات متنامية منذ عام 2022، وذلك بعد إعلان واشنطن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي المغربية في الصحراء، علاوة على اتجاه الأولى نحو دفع العلاقات المغربية-الإسرائيلية إلى مزيد من التعاون، وهو ما توازى مع إبداء اتجاهات داخل الولايات المتحدة الأمريكية تحفظات إزاء السياسة التي تتبناها الجزائر تجاه الحرب الروسية-الأوكرانية بل ودعوتها إلى فرض عقوبات عليها بسبب ذلك.

2- موازنة التحركات الروسية في منطقة المغرب العربي: عملت روسيا منذ فترة طويلة على تعزيز علاقاتها العسكرية والأمنية والاقتصادية مع الجزائر، ولا سيما من خلال بيع الأسلحة الروسية للأخيرة، فضلاً عن إجراء مناورات عسكرية مشتركة بشكل دوري، والتي غالباً ما تتزامن أو تعقب إجراء المغرب للمناورات العسكرية “مناورات الأسد الأفريقي” مع الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم تسعى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى محاصرة التحركات الروسية في الجزائر، وخصوصاً بعد أن عولت الأخيرة كثيراً على دعم موسكو لها في الانضمام إلى مجموعة “بريكس” دون جدوى.

3- استثمار تراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة: تواجه فرنسا تحدي الحفاظ على نفوذها في المنطقة، وخاصة بعد تصاعد التوترات والخلافات بين باريس والجزائر حول التدخل العسكري في النيجر، وانتهاج الجزائر دبلوماسية مستقلة بدت جلية في طرح مبادرتها لحل الأزمة، في حين دعمت واشنطن المبادرة الجزائرية، ورفضت التدخل العسكري ودعم الموقف الفرنسي في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، تواجه باريس أزمة صامتة مع المغرب ظهرت بوضوح عندما رفضت الأخيرة قبول المساعدات الفرنسية المقدمة لضحايا الزلزال، في حين تحافظ واشنطن على علاقات تعاون وطيدة ومستقرة مع الرباط، وهو المرتكز الذي تعمل عليه إدارة بايدن لتوسيع نطاق نفوذها في المنطقة على حساب تراجع النفوذ الفرنسي، ليس فقط في المغرب العربي ولكن على مستوى القارة الأفريقية بشكل عام.

4- تزايد أهمية إمدادات الطاقة الجزائرية: يشير مراقبون إلى أنه قبل بدء الحرب الروسية في أوكرانيا في فبراير 2022، كانت الجزائر ثالث أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا، بعد روسيا والنرويج. ومنذ انخفاض صادرات الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية بسبب تلك الحرب، سعت العديد من الدول الأوروبية إلى تطوير علاقاتها مع الجزائر للحصول عن إمدادات غاز إضافية لتعويض النقص الروسي. وتحرص واشنطن على دعم جهود الدول الأوروبية في البحث عن بدائل للغاز الروسي، وترى أن أي زيادة في صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا تعتبر تطوراً إيجابياً في هذا السياق.

تأثيران محتملان

من المتوقع أن تفرض التحركات الأمريكية في اتجاه التقارب مع الجزائر تأثيرين رئيسيين هما:

1- تصاعد التحركات الروسية الموازية باتجاه المغرب: اتجهت روسيا بالفعل إلى تعزيز علاقاتها مع المغرب، وقد رفضت موسكو تمثيل جبهة البوليساريو في القمة الروسية-الأفريقية الثانية، في إشارة إلى التزامها الحياد تجاه ملف الصحراء، وهو الأمر الذي دفع العلاقات في اتجاه التقارب مع المغرب.

وقد أعلنت موسكو، في 11 أكتوبر الجاري، عن عقد القمة الروسية-العربية في مراكش بالمغرب، كما كشفت عن رغبتها في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الرباط، وهو ما يشير إلى سعيها لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي مع الأخيرة. وبالطبع ترتبط هذه التحركات الروسية بتصاعد التنافس الأمريكي-الروسي في المنطقة، ورغبة موسكو في موازنة التحركات الأمريكية لتعزيز علاقاتها مع الجزائر.

2- اتساع نطاق التنسيق الأمريكي-الجزائري في الساحل وليبيا: تمثل الجزائر رقماً مهماً في التفاعلات التي تجري في منطقة الساحل الأفريقي. ومن هنا، فإنها يمكن أن تمارس دوراً في تحقيق الاستقرار السياسي بالمنطقة، وهو ما قد يعزز من فرص التعاون الأمريكي-الجزائري في هذه المنطقة، حيث تولي واشنطن أهمية متزايدة بها لاعتبارات أمنية واستراتيجية عديدة.

ويحظى الموقف الجزائري بدرجة كبيرة من القبول لدى القادة السياسيين في المنطقة، وخاصة في ظل رفض الجزائر للتدخلات الخارجية بالمنطقة. ولدى واشنطن اهتمام واضح بالحفاظ على وجودها العسكري في النيجر بشكل يدعم سياساتها في الساحل وليبيا، ومن ثم يمكن أن تعمل واشنطن مع الجزائر على حماية مصالحهما السياسية والاقتصادية في الساحل وليبيا.

وفي النهاية، يمكن القول إن الجزائر سوف تسعى خلال المرحلة القادمة إلى الحفاظ على اتصالاتها وعلاقاتها مع العديدة من القوى الدولية، حتى في ظل اتساع نطاق الخلافات فيما بينها بسبب التباين في التعامل مع بعض الملفات الرئيسية، إذ أن هذه السياسة وفرت لها مزيداً من الخيارات وحرية الحركة للتعامل مع التطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية خلال المرحلة الماضية.