مصالح موسكو:
لماذا تهتم روسيا بتطوير العلاقات مع تونس؟

مصالح موسكو:

لماذا تهتم روسيا بتطوير العلاقات مع تونس؟



خلال زيارته إلى تونس في 21 ديسمبر الجاري، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن استعداد بلاده التام لتعزيز علاقاتها الوثيقة مع تونس في مجالات متنوعة، منها قطاع الحبوب، والطاقة، والصحة، والتعليم العالي، والتبادل الثقافي، والتكنولوجيا الحديثة، والفضاء؛ وهو الإعلان الذي جاء كاشفاً عن سعي البلدين لتعميق التعاون المشترك.

 ولا ينفصل ذلك عن محاولات روسيا تعزيز حضورها في منطقة المغرب العربي، وسط مناورات استراتيجية لتقييد التحركات الغربية، خاصةً أن تونس تحظى بأهمية محورية في مساعي موسكو لتأمين نفوذها البارز في ليبيا، بالإضافة إلى دول الساحل والصحراء بعد انسحاب فرنسا وتراجع الصورة الذهنية للولايات المتحدة وشركائها الغربيين.

سياقات مغايرة

جاءت زيارة وزير الخارية الروسي سيرجي لافروف إلى تونس في ضوء سياقات محلية وإقليمية مغايرة، يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- انعقاد المنتدى العربيالروسي: سبق زيارة لافروف إلى تونس انعقاد منتدى التعاون العربي-الروسي في مدينة مراكش المغربية في 19 ديسمبر الجاري، والذي استهدف تعزيز التعاون وتوسيع نطاق التفاهمات بين روسيا والعالم العربي في القضايا الإقليمية والدولية، فضلاً عن تطوير فرص التعاون الاقتصادي والثقافي بين الجانبين.

وإذا كان المنتدى يبدو اعتيادياً، لكن انعقاده في مراكش لا ينفي أنه يكتسب أهمية استثنائية في ضوء محاولة موسكو التأكيد على استمرار دورها في منطقة المغرب العربي، ولعل ما أكد هذا المعنى إجراء الجيش الروسي مناورات مشتركة مع الجزائر، في 5 ديسمبر الجاري، فضلاً عن زيارة لافروف لتونس عشية انتهاء المنتدى.

2- استمرار الحرب الإسرائيلية في غزة: تأتي زيارة وزير الخارجية الروسي إلى تونس بالتزامن مع تصاعد الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة منذ عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي. وتتقارب سياسات تونس وموسكو تجاه التطورات الميدانية في غزة، على نحو كان له دور في اتجاه البلدين نحو تنسيق مواقفهما في المؤسسات الدولية في إطار جهود تستهدف الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

3- تصاعد التوتر بين تونس وأوروبا: شهدت الأسابيع الأخيرة توتراً ملحوظاً في العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي، على نحو بدا جلياً في إعلان الرئيس قيس سعيّد، في 3 أكتوبر الماضي، رفضه ما أسماه “صدقة” من الاتحاد الأوروبي، حيث أعادت الحكومة التونسية، في خطوة غير مسبوقة، دعماً مالياً بقيمة 60 مليون يورو كانت بروكسل قد دفعته في إطار برنامج منفصل عن مذكرة التفاهم المتعلقة بمكافحة الهجرة غير النظامية.

كما تزايدت الخلافات بين تونس والبرلمان الأوروبي على خلفية انتقاد الأخير، في 12 يوليو الماضي، ما أسماه “نهج الاتحاد الأوروبي القصير النظر تجاه تونس”، حيث دعا مشرّعون أوروبيون مؤسسات الاتحاد الأوروبي إلى إجراءات أقوى بشأن “تراجع الديمقراطية” في تونس.

4- اهتمام مشترك بتطوير العلاقات الثنائية: كان لافتاً أن تونس وروسيا اتخذتا خطوات عديدة لتطوير العلاقات الثنائية في الفترة الماضية، فقد سبق زيارة لافروف الأخيرة لتونس، زيارة وزير الخارجية التونسي نبيل عمار لموسكو، في 25 سبتمبر الماضي، في إطار تطوير العلاقات الثنائية، خاصة في ظل زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي وصل خلال الشهور الماضية من عام 2023 إلى مليار ونصف مليار دولار.

كما أن ثمة جهوداً تونسية ممتدة للحصول على القمح الروسي بأسعار مخفضة من موسكو، وتعويض النقص الحاد الذي تعانيه من الحبوب منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية. ويؤشر اهتمام تونس بالانفتاح على موسكو إلى رغبتها في إعادة صياغة اتجاهات علاقاتها الإقليمية، نحو مزيد من التقارب مع محور الشرق. ويشار إلى أن تونس تتخذ من المسألة الأوكرانية نقطة انطلاق لتعزيز مكانتها الدولية، من خلال محاولة ممارسة دور متوازن في جهود تسوية الأزمة.

5- تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي: يتزامن التطور الملحوظ في العلاقات الروسية-التونسية، مع تعثر المفاوضات التي أجرتها تونس مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض أوّلي بنحو مليار ونصف مليار دولار، غير أن الموقف الرسمي التونسي رفض الشروط التي وضعها الصندوق، وأهمها رفع الدعم وزيادة سعر المحروقات وتجميد الرواتب بسبب المخاوف من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى اندلاع احتجاجات شعبية.

دلالات مختلفة

منذ أكثر من عقد، تركز روسيا على تطوير حضورها في منطقة المغرب العربي، لذلك كان لزيارة سيرجي لافروف إلى تونس العديد من الدلالات، والتي يمكن بيانها على النحو التالي:

1- تحييد النفوذ الغربي في المغرب العربي: تبذل موسكو جهوداً متزايدة لدعم مكانتها في منطقة المغرب العربي، حيث يتزايد حضورها دبلوماسياً وعسكرياً في ليبيا وموريتانيا والجزائر. ولذلك جاءت زيارة لافروف لتونس في إطار محاولات بلاده توسيع دائرة النفوذ في المنطقة. كما تمثل تونس أولوية استراتيجية لموسكو التي تبدي مخاوف من تداعيات الجهود الأوروبية المتزايدة لاستقطاب دعم تونس، وهو ما ظهر في زيارات المسئولين الأوروبيين لتونس خلال الأشهر الأخيرة من عام 2023.

2- تأكيد الاهتمام الروسي بتونس: جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي إلى تونس لتؤكد الاهتمام الروسي بتطوير العلاقات مع هذه الدولة المهمة في سياق الصراع على النفوذ مع الولايات المتحدة وأوروبا في شمال أفريقيا. وفي هذا الصدد، يبدو أن زيارة لافروف جاءت في لحظة فاصلة، حيث تجتاز فيه علاقات تونس مع شركائها الغربيين مرحلة صعبة بسبب انتقاد الدول الغربية ما أطلقت عليه “تراجع مسار الانتقال الديمقراطي” في تونس، فضلاً عن تعثر جانب معتبر من برامج الشراكة بين تونس والدول الأوروبية.

3- تصاعد الوجود الروسي في المنطقة: تأتي زيارة وزير الخارجية الروسي إلى تونس بالتزامن مع التطور اللافت في علاقات بعض دول المغرب العربي وروسيا، إذ نجحت الأخيرة في ترسيخ وجودها على الساحة الليبية، بالإضافة إلى تحقيق نجاحات واسعة في المجال الأمني والعسكري مع الجزائر وموريتانيا. وتمثل تونس أولوية للاستراتيجية الروسية التي تسعى من خلالها موسكو إلى ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الغربي من منطقة الساحل والصحراء، عبر استثمار تراجع الحضور الفرنسي في غرب أفريقيا، جنباً إلى جنب مع تراجع الصورة النمطية للدول الغربية في المنطقة.

4- استقطاب الدعم للمقاربة الروسية في أوكرانيا: تسعى روسيا إلى ضمان تأييد دول المنطقة لرؤيتها تجاه تطورات الأزمة الأوكرانية، والتي تتضمن التأكيد على حق روسيا في الدفاع عن نفسها أمام محاولات الدول الغربية تقليص نفوذها. ويشار إلى أن تونس التزمت الحياد تجاه الأزمة الأوكرانية، وأكدت على أن الوسائل السلمية تبقى السبيل الوحيد والأمثل لوضع حد للتصعيد. كما أن تونس برغم تصويتها لمصلحة الانسحاب الروسي من أوكرانيا، إلا أنها رفضت العقوبات الغربية التي استهدفت قطاعات حيوية في الاقتصاد الروسي، وخاصة الحبوب.

ختاماً، يمكن القول إن زيارة لافروف إلى تونس تمثل مؤشراً جديداً يكشف مدى الاهتمام الروسي بتطوير علاقاتها مع دول المغرب العربي، فضلاً عن دول الجوار، وهو ما لا ينفصل عن تصاعد حدة الصراع مع الدول الغربية بسبب الانعكاسات التي فرضتها الحرب الروسية-الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022 وما زالت مستمرة حتى الآن.