الوسيط الجديد:
لماذا تهتم العراق بانعكاسات المفاوضات النووية على المنطقة؟

الوسيط الجديد:

لماذا تهتم العراق بانعكاسات المفاوضات النووية على المنطقة؟



تكتسب المفاوضات التي تجري في فيينا بين إيران ومجموعة “4+1” وتشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية بشكل غير مباشر، اهتماماً خاصاً من جانب العراق لاعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في وصول الارتدادات المحتملة لهذه المفاوضات إلى الداخل العراقي، واحتمال تصاعد تأثير العقوبات الأمريكية التي تتعرض لها إيران على الاقتصاد العراقي، وسعى بغداد إلى ممارسة دور رئيسي على الساحة الإقليمية، في ظل أدوار الوساطة التي تقوم بها بين العديد من القوى الرئيسية، ودعم السياسة التي يتبناها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي القائمة على ضرورة تعزيز جهود الاستقرار في الإقليم كمدخل لمواجهة التحديات الداخلية.

دوافع رئيسية

يبدو أن العراق تسعى إلى المشاركة في الجهود المبذولة للوصول إلى صفقة جديدة تعزز من احتمالات استمرار العمل بالاتفاق النووي، الذي يتعرض لاختبار صعب في الوقت الحالي نتيجة غموض المسارات المحتملة التي يمكن أن تنتهي إليها المفاوضات التي تجري في فيينا وتستأنف جولتها الثامنة في 27 ديسمبر الجاري. وفي هذا السياق، دعا وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، الذي قام بزيارة طهران، في 23 ديسمبر الجاري، إلى إجرار حوار مباشر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، مشيراً إلى أن المفاوضات غير المباشرة قد لا تساعد في الوصول إلى النتائج المطلوبة، حيث قال أن “هناك مشكلة في آلية المفاوضات. المفاوضات مع الجانب الأمريكي هى مفاوضات غير مباشرة ومن خلال المندوب الأوروبي”، مضيفاً أن “الحاجة تدعو إلى تواصل مباشر بين الطرفين، ونحن نسعى من أجل هذا”.

ورغم أن العراق سبق أن مارست دوراً في الوساطة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بل إنها استضافت في 23 مايو 2012، أحد الاجتماعات التي عقدت بين إيران ومجموعة “5+1” والتي مهدت فيما بعد للوصول إلى الاتفاق النووي بعد نحو ثلاثة أعوام، إلا أن الجهود الجديدة التي تبذلها العراق في هذا التوقيت تكتسب زخماً خاصاً، لاسيما في ظل التطورات الطارئة على الساحتين الداخلية والإقليمية في المرحلة الحالية. وبمعنى آخر، فإن ثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير اهتمام العراق حالياً بالانخراط في الجهود التي تبذل للوصول إلى صفقة نووية في مفاوضات فيينا، يتمثل أبرزها في:

1- التداعيات الداخلية لفشل المفاوضات: تبدي الحكومة العراقية قلقاً بالغاً من احتمال فشل المفاوضات بين إيران والقوى الدولية، لما لذلك من ارتدادات سوف تصل سريعاً إلى الداخل العراقي. وهنا، فإن أحد السيناريوهات التي تطرح يتعلق باحتمال اتجاه إيران إلى منح الضوء الأخضر لحلفاءها من المليشيات المسلحة لرفع مستوى استهداف المصالح الأمريكية، كجزأ من إدارة الصراع مع واشنطن ورفع كُلفة فشل المفاوضات واستمرار فرض العقوبات الأمريكية. وقد كان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين واضحاً في الإشارة إلى هذا الترابط بين ما يحدث على الساحة الداخلية والمسارات المحتملة للمفاوضات النووية، عندما قال أن “العلاقات الأمريكية الإيرانية بالنسبة إلى العراق ليست موضوعاً خارجياً بل هى أيضاً موضوع داخلي”، مشيراً إلى أن “التوتر أو الانفراج فيها ينعكس مباشرة على العراق”.

2- التأثيرات المحتملة للعقوبات الأمريكية: قد يؤدي استمرار العقوبات الأمريكية على إيران، وربما رفع مستواها في حالة فشل المفاوضات، إلى التأثير بشكل كبير على إمدادات الطاقة من إيران، والتي ما زالت تُعوِّل عليها العراق في تلبية جزأ من الاحتياجات الداخلية. وقد كان لافتاً أن إدارة الرئيس جو بايدن ما زالت حريصة على عدم رفع سقف العقوبات المفروضة على إيران رغم إصرار الأخيرة على تطوير برنامجها النووي بشكل أدى إلى وصوله إلى مرحلة غير مسبوقة، انعكست في إنتاج نحو 17.7 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. وبالطبع، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى أنها ترغب في تعزيز احتمالات الوصول إلى صفقة في فيينا وعدم منح الاتجاهات المعارضة للصفقة في طهران الفرصة لعرقلة ذلك. ومن هنا، فإنها اتخذت قراراً بتمديد إعفاء إمدادات الطاقة الإيرانية للعراق من العقوبات، حسب ما كشفت صحيفة “واشنطن فري بيكون” في 3 ديسمبر الجاري. إلا أن هذا القرار قد يتغير في مرحلة لاحقة، خاصة في حالة ما إذا لم تصل مفاوضات فيينا إلى نتيجة، إذ أن فشل المفاوضات قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى عدم منح إعفاءات مجدداً على نحو سوف يؤثر على العراق بدرجة مباشرة.

3- إشكاليات الحوار غير المباشر: ترى العراق أن الآلية التي تدار بها المفاوضات في الوقت الحالي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى فشلها، خاصة لجهة عدم إجراء مفاوضات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. إذ أن ذلك يستنزف وقتاً ليس قصيراً في ظل استمرار “نقل الرسائل” بين الوفدين الإيراني والأمريكي عبر المفاوضين الآخرين الأوروبيين والروس والصينيين، في وقت لم تعد المفاوضات تتحمل التسويف والمماطلة، نتيجة إصرار طهران على المضى قدماً في تطوير برنامجها النووي بالتوازي مع انعقاد المفاوضات، فضلاً عن أن التفاوض غير المباشر يمكن يؤدي إلى حدوث تباينات في وجهات النظر تبدو الأطراف المعنية في حاجة إلى تفاديها على الأقل في المرحلة الحالية.

4- دعم الحضور العراقي في المنطقة: رغم أن التأثيرات الداخلية للمفاوضات النووية تمثل متغيراً مهماً في تفسير التحركات العراقية في هذا الصدد، إلا أن هذه الدعوة العراقية لا تنفصل عن السياسة الخارجية التي تتبناها بغداد، وتقوم في الأساس على تعزيز العلاقات مع الدول العربية، والمساهمة في تقليص حدة التوتر بين بعض القوى الإقليمية ودعم الجهود المبذولة لترسيخ الاستقرار الإقليمي. إذ عقدت أربع جولات من الحوار السعودي- الإيراني في العراق خلال الفترة الماضية. كما استضافت بغداد “قمة التعاون والشراكة” في 28 أغسطس الماضي، حيث كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي حريصاً خلال القمة على تأكيد أن “العراق ترفض استخدام أراضيها منطلقاً للصراعات الإقليمية والدولية”، في إشارة واضحة إلى ارتباط الاستقرار في العراق بالتطورات التي تشهدها المنطقة ولاسيما على صعيد الأزمة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي.

5- تصاعد حدة التوتر في الشرق الأوسط: يتوازى مع استمرارالتعثر في مفاوضات فيينا تصاعد حدة التوتر على الساحة الإقليمية، حيث لم تعد رسائل التهديد المتبادلة قاصرة على إيران والولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل امتدت إلى إسرائيل أيضاً. ففي هذا السياق، ما زالت الأخيرة حريصة على تأكيد استعدادها للتحرك عسكرياً من أجل “تحييد” المخاطر المحتملة للبرنامج النووي الإيراني على أمنها. وكانت آخر الخطوات التي اتخذت في هذا الإطار إقرار لجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي، في 24 ديسمبر الجاري، ميزانية سرية لأجهزة الأمن بقيمة 2.4 مليار دولار للتعامل مع التحدي الإيراني. في حين أجرت إيران، خلال الفترة من 20 إلى 24 ديسمبر الجاري، مناورات “الرسول الأعظم 17” تعمدت فيها إطلاق 16 صاروخ باليستي، بمديات مختلفة، من طرازات “عماد” و”دزفول” و”ذو الفقار” و”قادر” و”سجيل” و”زلزال”. وقال رئيس الأركان محمد باقري :” هذا جزء من قوة الصواريخ الإيرانية، 16 صاروخاً أصابت الهدف ذاته. هذا جزء صغير من مئات الصواريخ القادرة على تدمير أى بلد يريد مهاجمة إيران”.

ارتدادات مباشرة

ختاماً، يمكن القول إن اهتمام العراق بدعم الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية لأزمة الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، تعود الثانية بمقتضاها إلى الاتفاق مقابل التزام الأولى بتعهداتها، يلقي الضوء مجدداً على التداعيات الإقليمية التي سوف تفرضها المسارات المحتملة للمفاوضات التي تجري في فيينا خلال المرحلة الحالية. فأياً كان المسار الذي سوف تنتهي إليه هذه المفاوضات، فإن ارتداداته سوف تصل سريعاً إلى الشرق الأوسط.