توافق السياسات:
لماذا تهتم إيران بتعزيز العلاقات مع الجزائر؟

توافق السياسات:

لماذا تهتم إيران بتعزيز العلاقات مع الجزائر؟



يمكن تفسير أسباب اهتمام إيران بتطوير العلاقات مع الجزائر في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في تماهي المواقف الجزائرية من بعض الملفات مع السياسة الإيرانية، وحرص الجزائر على الاحتفاظ بعلاقاتها مع النظام السوري، والاقتراب من دول الصراعات، وممارسة ضغوط أقوى على المغرب، وتعزيز الدور في ملف الطاقة.

موقع “عصر ايران”: رئيس الجمهورية يزور الجزائر بعد 14 عاماً

تبدي إيران اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقات مع الجزائر، على نحو انعكس في استعداد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الجزائر، في 2 مارس الجاري، بعد يوم واحد من إجراء انتخابات مجلس خبراء القيادة (التي ينافس فيها رئيسي) بالتزامن مع انتخابات مجلس الشورى الإسلامي، وفي ظل التصعيد الحالي الذي تشهده المنطقة على خلفية الحرب التي تشنها إسرائيل في قطاع غزة وما فرضته من ارتدادات على جبهات إقليمية مختلفة بداية من لبنان مروراً بالعراق وسوريا وانتهاءً باليمن.

وقد تم تقسيم الزيارة إلى شقين: الأول، حضور الاجتماع السابع لقادة منتدى الدول المصدرة للغاز، حيث سيلقي رئيسي كلمة في الاجتماع. والثاني، القيام بزيارة رسمية إلى الجزائر في اليوم التالي للزيارة.

دوافع عديدة

تعد زيارة رئيسي إلى الجزائر الرابعة لرئيس إيراني، والأولى منذ 14 عاماً، حيث كانت آخر زيارة للرئيس الأسبق محمد خاتمي إلى الجزائر في 3 أكتوبر 2004 خلال عهد الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة. ويمكن تفسير حرص إيران على تعزيز العلاقات الثنائية مع الجزائر في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- توافق اتجاهات السياسة الجزائرية مع الحسابات الإيرانية: وقد بدا ذلك جلياً في تطورات عديدة. فقد عزفت الجزائر عن المشاركة في عملية “عاصفة الحزم” التي قادتها المملكة العربية السعودية لاستعادة الشرعية الدستورية في اليمن في عام 2015. كما رفضت الانخراط في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب الذي أعلنت عنه السعودية أيضاً في ديسمبر 2015.

ورغم أن هذه المواقف الجزائرية لا تتصل مباشرة باتجاهات علاقاتها مع إيران، حيث بررت الجزائر ذلك بأن الدستور يمنع خروج القوات الجزائرية للمشاركة في عمليات خارجية؛ إلا أنها في النهاية توافقت مع الحسابات الإيرانية، لا سيما أن إيران اعتبرت أن الطرف المعني سواء بعملية “عاصفة الحزم” في ضوء علاقاتها مع مليشيا الحوثيين في اليمن، أو بالتحالف الإسلامي الذي اعتبرت أنه موجه ضدها في الأساس نتيجة النفوذ الإقليمي الذي تحظى به في دول الأزمات، على غرار العراق وسوريا ولبنان واليمن.

2- ثبات الموقف الجزائري من النظام السوري: حظي الموقف الذي تبنته الجزائر تجاه نظام الرئيس السوري بشار الأسد، منذ اندلاع الأزمة التي تحولت إلى صراع مسلح بداية من مارس 2011، باهتمام خاص من جانب إيران، التي كانت إحدى القوى التي سعت إلى الانخراط في الصراع لصالح الحفاظ على بقاء النظام السوري في الحكم. فعلى عكس العديد من الدول العربية التي إما أنها دعمت قوى المعارضة والفصائل المسلحة والإرهابية ضد النظام السوري، على غرار قطر، أو أنها اتخذت إجراءات بتقليص مستوى التمثيل الدبلوماسي مع سوريا؛ فإن الجزائر حافظت على علاقاتها مع دمشق، وبدأت في توجيه رسائل عارضت من خلالها الضغوط التي يتعرض لها النظام السوري من أجل إسقاطه.

وكانت الجزائر من ضمن الدول التي تحفظت على تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في نوفمبر 2011. كما كانت من أوائل الدول التي دعت إلى عودة سوريا إلى الجامعة، باعتبارها عضواً مؤسساً للجامعة ولا يمكن حرمانها من حقوقها، حسب تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 4 مايو 2023. وقد بدت قوة العلاقات بين الدولتين في قرار الجزائر بإرسال فريق طبي للمساعدة في عمليات الإنقاذ التي بدأت بعد وقوع الزلزال في 6 فبراير 2023، وفي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الجزائر في 16 أبريل 2023، والتي كانت -في قسم منها- رداً على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الجزائري (السابق) رمطان لعمامرة إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد في 24 يوليو 2022.

3- ممارسة ضغوط على المغرب: يتوازى حرص إيران على تطوير العلاقات الثنائية مع الجزائر مع توتر مقابل في العلاقات مع المغرب، وذلك لأسباب مختلفة، منها تماهي الرباط في بعض الملفات مع السياسات التي تتبناها دول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما السعودية، ومنها الاتهامات التي يوجهها المغرب إلى إيران بدعم جبهة البوليساريو بالتعاون مع الجزائر.

ومع أن إيران بذلت جهوداً حثيثة من أجل احتواء الخلافات مع المغرب، إلا أنها لم تحقق نتائج إيجابية بارزة في هذا الصدد، في ظل السياسة التي تتبناها الرباط والتي تناوئ الأدوار التي تقوم بها إيران في بعض الملفات. وقد انعكست تلك السياسة المغربية في التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك، في 3 أكتوبر 2022، ووصف فيها إيران بأنها “راعي الإرهاب والانفصال في العالم”، في إشارة إلى دورها في دعم مليشيا الحوثيين في اليمن، وجبهة البوليساريو في الصحراء المغربية.

وهنا، فإن إيران تسعى إلى الاقتراب من الحدود المغربية من أجل ممارسة ضغوط أقوى على الرباط، وهو ما يُمكن من خلاله تفسير أحد أسباب حرصها على تطوير علاقاتها الثنائية مع الجزائر وموريتانيا وليبيا. ففضلاً عن الزيارة التي سيقوم بها رئيسي إلى الجزائر في 2 مارس المقبل، فإن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قام بزيارة موريتانيا في أول فبراير 2023، في حين قامت وزيرة الخارجية السابقة في حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش بزيارة طهران في 25 يوليو 2023.

4- الاقتراب من مناطق الأزمات: وهي سياسة تتبعها إيران باستمرار وتسعى من خلالها إلى تعزيز دورها ونفوذها في بعض تلك الدول، مستغلةً في هذا السياق الأزمات التي تُواجهها على المستويات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. وهنا، فإن الجزائر تحظى باهتمام خاص من جانب طهران، باعتبار أنها تقع في جوار دول لا تعاني فقط من أزمات أمنية وسياسية تتفاقم تدريجياً، وإنما تحولت أيضاً إلى ساحة للصراع والمنافسة بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها ليبيا وتشاد والنيجر ومالي.

وفضلاً عن زيارة المنقوش إلى طهران، والإعلان عن ترتيبات لاستئناف عمل السفارة الإيرانية في العاصمة الليبية طرابلس في 18 مارس 2023، فقد قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارة مالي في 26 أغسطس 2022، كما استضافت طهران رئيس وزراء النيجر علي الأمين زين، في 24 يناير 2024.

5- ممارسة دور أكبر في ملف الغاز: وهو الملف الذي بات يحظى باهتمام عالمي كبير في ظل الارتدادات التي فرضتها الحرب الروسية-الأوكرانية التي بدأت في 24 فبراير 2022 وما زالت مستمرة حتى الآن. وهنا، فإن إيران باتت تدرك الموقع الاستراتيجي للجزائر ليس فقط كمصدر أساسي للغاز إلى بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا، وإنما أيضاً كممر محتمل لنقل الغاز النيجيري إلى أوروبا، والذي ما زال يواجه تحديات عديدة في ظل المنافسة المتصاعدة مع المغرب على هذا المشروع. ومن ثمّ فإن إيران تسعى إلى رفع مستوى التعاون الثنائي في مجال الطاقة مع الجزائر لتعزيز دورها في منتدى الدول المصدرة للغاز وفي ملف الطاقة الذي بات متغيراً مهماً في إدارة العلاقات مع الدول الأوروبية.

رسائل سياسية

في ضوء ذلك، يمكن القول إن الزيارة التي سيقوم بها رئيسي إلى الجزائر سوف تسعى إلى توجيه رسائل سياسية منها تمكن إيران من تطوير علاقاتها مع دول المنطقة، رغم الضغوط التي تتعرض لها بسبب خلافاتها المتصاعدة مع الدول الغربية، وسعي الجزائر إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها على الساحتين الإقليمية والدولية، للتعامل مع ما تعتبره تحديات تواجهها في هذا الصدد، ومنها النجاحات الدبلوماسية التي حققها المغرب في استقطاب دعم إقليمي ودولي لمقاربته في ملف الصحراء.