استغلال الأزمات:
لماذا تهتم إيران بتطوير التعاون مع حكومة الدبيبة في ليبيا؟

استغلال الأزمات:

لماذا تهتم إيران بتطوير التعاون مع حكومة الدبيبة في ليبيا؟



تحاول إيران تحقيق أهداف عديدة عبر تطوير علاقاتها مع حكومة الدبيبة، يتمثل أبرزها في الاقتراب من منطقة جنوب المتوسط، وتوفير خيار جديد لتهريب السلاح إلى الحلفاء، وتعزيز الحضور في منطقة الساحل الأفريقي، والاقتراب من مستودعات اليورانيوم الخام في ليبيا، وتعزيز موقع حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي.

تُبدي إيران اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقات الثنائية مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، على نحو انعكس في الاتصالات الأخيرة التي أُجريت بين الطرفين، عقب الإعلان عن استئناف عمل السفارة الإيراني في طرابلس، بعد 12 عاماً من الإغلاق. وفي هذا السياق، التقى السفير الإيراني لدى ليبيا محمد رضا رؤوف شيباني بوزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، في 13 مارس الماضي، لبحث سبل تطوير العلاقات الثنائية، وتفعيل لجنة اقتصادية مشتركة، وإعادة فتح السفارة الإيرانية التي أُغلقت مع تصاعد حدة الصراع المسلح في ليبيا في عام 2011.

كما أجرى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان اتصالاً هاتفياً بالمنقوش، في 27 مارس الماضي، دعا فيها الأخيرة إلى زيارة طهران. وقد كان لافتاً أن حكومة الدبيبة كانت من أوائل الأطراف التي رحبت بالإعلان عن إبرام الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية في 10 من الشهر نفسه، حيث اعتبرته المنقوش تطوراً يخدم البلدين والمنطقة بشكل عام ويؤسس لحوار عربي – إيراني.

تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن اهتمام إيران بليبيا لم يتراجع خلال الفترة الماضية رغم أن السفارة كانت مغلقة، حيث إنها كانت تحاول تعزيز حضورها في الأخيرة عبر مؤسسات أخرى، مثل فيلق القدس. وقد كشف ذلك تصريحات لوزير الخارجية الإيراني الأسبق علي أكبر صالحي لصحيفة “خراسان”، في أول يناير 2022، قال فيها إن “فيلق القدس كان متواجداً خلال فترة الصراع الأولى عام 2011 من خلال الهلال الأحمر الإيراني الذي كان يساعد القوات المعارضة لنظام القذافي”.

أهداف عديدة

ويمكن القول إن إيران تسعى عبر تطوير علاقاتها مع حكومة الدبيبة تحديداً إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- الاقتراب من جنوب المتوسط: وهو هدف ترى إيران أنه يمكن أن يساعدها في امتلاك ورقة ضغط إضافية في مواجهة الدول الأوروبية، التي وصلت الخلافات معها إلى مستوى غير مسبوقة في الفترة الأخيرة، سواء بسبب تعثر المفاوضات النووية، أو بسبب الانتقادات الأوروبية لتعامل السلطات الإيرانية مع الاحتجاجات، أو بسبب الدعم العسكري الذي تقدمه إيران إلى روسيا لتعزيز قدرتها على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا. وهنا، فإن إيران تتماهى مع هدف أساسي تسعى روسيا وتركيا أيضاً إلى تحقيقه في ليبيا، إلى جانب الأهداف التركية والروسية الأخرى في ليبيا، وهو استغلال التمدد في ليبيا لمساومة الدول الأوروبية وإدارة الخلافات معها.

2- توفير خيار جديد لتهريب السلاح: ترى طهران أن ليبيا تمثل خياراً يمكن الاستناد إليه “مجدداً” في نقل الأسلحة إلى قطاع غزة تحديداً، وتسليمه إلى حركة حماس الفلسطينية، في ظل القيود التي تفرضها إسرائيل على عمليات تهريب الأسلحة، سواء إلى داخل الأراضي الفلسطينية أو إلى الأراضي اللبنانية عبر سوريا. وبالطبع، فإن إيران ترى أن ليبيا هي عبارة عن “مستودع أسلحة كبير” نتيجة انهيار النظام الليبي السابق برئاسة القذافي، أو بسبب انتشار المليشيات المسلحة التي تسعى إلى تعزيز نفوذها على الساحة الليبية. وقد برز في الأعوام الماضية ما يسمى “قضية خلية حماس”، التي كان يقودها ممثل الحركة في ليبيا مروان الأشقر، وكشف عنها في عام 2017، وصدر حكم بشأنها في 20 فبراير 2019، عندما قضت إحدى المحاكم الليبية بمعاقبة 4 فلسطينيين بالسجن لمدد مختلفة اتهمتهم بالتخابر لصالح حماس وتهريب أسلحة من ليبيا إلى قطاع غزة.

3- التمدد إلى منطقة الساحل الأفريقي: ربما يمثل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران وحكومة الدبيبة خطوة تمهيدية تسعى من خلالها إيران إلى تعزيز حضورها في منطقة الساحل الأفريقي التي تحظى باهتمام خاص من جانب الدول الغربية، نظراً لنشاط التنظيمات الإرهابية بها. وقد يكون الانسحاب الفرنسي من تلك المنطقة، عقب الخلافات التي نشبت بين فرنسا وبعض دولها، متغيراً آخر دفع إيران إلى اتخاذ مزيد من الخطوات التي تهدف إلى تطوير العلاقات مع ليبيا، التي ستتحول، في هذه الحالة، إلى نقطة انطلاق تحاول من خلالها إيران ضمان موطئ قدم في عملية إعادة صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية في تلك المنطقة. وقد كانت مالي أول دولة أفريقية يقوم وزير الخارجية الإيراني الحالي بزيارتها منذ توليه مهام منصبه، وذلك ضمن الجولة الأفريقية التي بدأها في 26 أغسطس 2022 وشملت تنزانيا وزنجبار.

4- البحث عن مصادر اليورانيوم: يمكن أن يمثل امتلاك ليبيا لمصادر يورانيوم طبيعي متغيراً آخر ساهم في اتجاه إيران مجدداً إلى إعادة تطوير علاقاتها معها. إذ تبدو إيران مصرّة على امتلاك برنامج نووي مثير للشكوك بسبب عدم التزامها بالاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها بشأنه. ورغم أن هناك مؤشرات توحي بإمكانية تجدد المفاوضات التي تعثرت في سبتمبر الماضي بين إيران والقوى الدولية، فإن ذلك لا يعني أن إيران سوف تقدم تنازلات كبيرة في برنامجها النووي، حيث ما زالت حريصة على الاحتفاظ بمختلف مكونات هذا البرنامج، كما أنها تتوقع أنه في حالة الوصول إلى اتفاق نووي جديد فسوف ترفع القيود المفروضة على أنشطتها النووية على فترات متباينة خلال المرحلة القادمة، حتى عام 2030، وفقاً لما يسمى بـ”بند الغروب”، بما يعني أنها في هذا العام سوف تكون لديها القدرة على إدارة أنشطة نووية عالية المستوى دون قيود تتعرض لها من جانب القوى الدولية.

وقد كان لافتاً أن الجدل حول وجود كميات من اليورانيوم الخام في ليبيا تصاعد مجدداً في مارس الجاري، عقب الإعلان عن اختفاء نحو 2.5 طن من اليورانيوم الخام على شكل مُركَّز اليورانيوم “الكعكة الصفراء” من الموقع الذي حددته السلطات الليبية، قبل أن تعلن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 24 مارس الجاري، العثور على النسبة الأكبر من هذه الكمية في الموقع نفسه.

5- دعم موقف حكومة رئيسي: تحاول حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي استغلال التوقيع على الاتفاق مع السعودية من أجل تطوير العلاقات مع العديد من دول المنطقة، والتي تأثرت بشكل كبير خلال العقد الماضي لأسباب مختلفة. وقد بدا ذلك جلياً في تغطية وسائل الإعلام الإيرانية القريبة من الحكومة للاتصالات الأخيرة التي أجريت بين الطرفين، حيث اعتبرت أن ذلك يضيف إلى سجل الحكومة الحالية التي سبق أن تعرضت لانتقادات قوية في الفترة الماضية بسبب ما اعتبرته اتجاهات عديدة “إخفاقات دبلوماسية”.

تمدد مستمر

في ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران ما زالت حريصة على استغلال حالة عدم الاستقرار في بعض الدول من أجل التمدد فيها، لتحقيق أهداف استراتيجية عديدة، وربما البحث عن موطئ قدم لنشر التشيع عبر بعض المؤسسات التي تدعي أنها تمارس أنشطة خيرية مثل الهلال الأحمر الإيراني؛ حيث ترى إيران أن ذلك يتوافق مع الاستراتيجية العامة التي يتبعها نظام ولاية الفقيه، وتقوم على أن أهم وسيلة للدفاع عن إيران هي تعزيز الحضور في مناطق بعيدة عن حدودها.