جهود مستمرّة:
لماذا تهتمّ روسيا بقطاع النفط العراقي؟

جهود مستمرّة:

لماذا تهتمّ روسيا بقطاع النفط العراقي؟



حرصت روسيا على تطوير علاقاتها الثنائية مع العراق، خاصة في قطاع النفط، خلال السنوات الخمس الأخيرة، وقَطَعَ التعاون بين البلدين شوطاً معتبراً في هذا الملف بعدما سيطرت روسيا على قطاع النفط في إقليم كردستان شمال البلاد خلال عام 2017. وتبذل موسكو في هذا التوقيت جهوداً مضاعفة للحصول على موقع في حقل “عكاز” النفطي، الذي يحتوي على حوالي 5.6 تريليونات قدم مكعب من الاحتياطيات المؤكدة.

وفي ظلّ منافسة كبيرة تواجهها روسيا من جانب الصين التي تستحوذ على قسم من المشاريع النفطية في العراق، فإنها سعت إلى توظيف علاقاتها مع إيران بجانب تعزيز ضغوطها على الحكومة العراقية للفوز بعطاء هذا الحقل النفطي.

تطور ملحوظ

شهدت العلاقات العراقية-الروسية تطوراً ملموساً خلال السنوات الأخيرة، على نحو يعكسه التعاون بين البلدين في مشاريع الطاقة، وتزايد حضور الشركات الروسية في قطاع النفط العراقي. ويأتي ذلك في ظل رغبة بغداد في تنويع شراكاتها الاقتصادية، وتقليص الاعتماد المفرط على الشركات الغربية في عمليات التنقيب عن مكامن الطاقة، في حين أن موسكو تستهدف تعزيز انخراطها الاستراتيجي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى هذا النحو، شهد التعاون في القطاع النفطي تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث سعت شركات النفط الروسية إلى ملء الفراغ الذي تعرض له قطاع النفط العراقي في أعقاب انسحاب العديد من الشركات النفطية الغربية من العراق، وفي الصدارة منها “إكسون موبيل”. واستحوذت الشركات الروسية مثل “زاروبيج نفط”، و”غاز بروم”، على العديد من الأصول النفطية بالعراق في السنوات الماضية.

اعتبارات مختلفة

يُمكن تفسير الاهتمام الروسي اللافت بتوسيع نطاق التعاون مع العراق في قطاع النفط تحديداً انطلاقاً من اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- تقليص تداعيات العقوبات الغربية: تصاعدت حدة العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط الروسي بسبب التدخل العسكري في أوكرانيا بداية من 24 فبراير 2022. وفي هذا الإطار، يبدو أن ثمة قناعة روسية بأن توفير بدائل أو آليات اقتصادية قادرة على مساعدتها على تقليص تداعيات العقوبات الغربية، يكمن في توسيع نطاق الاستثمارات في الدول التي تمتلك احتياطات نفطية هائلة، وفي الصدارة منها العراق. ولذلك، ترى روسيا أنها يمكن أن تنجح في احتواء العقوبات المفروضة عليها من خلال رفع مستوى استثماراتها في بغداد، ولا سيما في قطاع الطاقة.

2- رفع مستوى التعاون الاقتصادي: تحاول الحكومة الروسية الاستفادة من بعض الفرص الاقتصادية المتاحة عبر التعاون مع بغداد، خاصة في مجال الطاقة. ولعل أبرز مظاهر سعي الطرفين لتعزيز التعاون بينهما في هذا المجال، تأكيد رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني عشية زيارته لموسكو، في 10 أكتوبر 2023، على أن بلاده تُولِي أهمية خاصة لتعزيز التعاون المشترك مع موسكو في ملفات متنوعة، وفي مقدمتها ملف الطاقة، وتطوير قطاع الصناعات النفطية، وكذلك مناقشة تواجد الشركات النفطية الروسية في العراق.

كما أنّ الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين أكد خلال لقائه مع السوداني على أن قطاع الطاقة يعد أحد المحاور الرئيسية للتعاون الروسي-العراقي، وأن الدولتين تعملان على تعزيز التعاون في مجال الطاقة في إطار مجموعة “أوبك+” من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية.

3- تحييد نفوذ المنافسين الدوليين: لا ينفصل اهتمام موسكو بتعزيز تواجد شركاتها في قطاع النفط العراقي عن رغبتها في تحييد حضور منافسيها وخصومها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

فعلى الرغم من المساعي الروسية والصينية لتطوير العلاقات وتعزيز التعاون في قضايا إقليمية ودولية مختلفة، خاصة في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن الكرملين يبدي شكوكاً عديدة في اتجاه الصين للهيمنة على أجزاء معتبرة من مفاصل النفط العراقي، حيث تقوم “مؤسسة البترول الصينية” (NPCC) و”بتروتشاينا” حالياً بتشغيل عدد من حقول النفط الرئيسية في العراق، وهو ما يثير قلق موسكو على فرص توسعها مستقبلاً في قطاع النفط العراقي.

في المقابل، تشهد الفترة الماضية تجاذباً واسعاً بين موسكو وواشنطن والعواصم الغربية بسبب الأزمة الأوكرانية التي تصاعدت حدتها مؤخراً بشكل لافت، ويبدو في هذا الإطار أن أحد الدوافع الرئيسية لموسكو لتعزيز التعاون النفطي مع العراق يتعلق بسعيها إلى مزاحمة واشنطن التي تقود التحالف المناهض لها في ساحة هامة مثل العراق.

 لذلك تنظر موسكو إلى حضورها في قطاع النفط العراقي، باعتباره ورقة ضاغطة على المصالح الأمريكية والغربية في العراق، وتسعى إلى توظيف حالة الاستياء العراقي من الشركات الأمريكية العاملة في قطاع النفط العراقي لتوسيع نطاق دورها على حساب تحييد حضور الشركات الأمريكية أو تقليص وجودها.

4- توسيع نطاق الدور السياسي: تعي موسكو أن توسيع نطاق حضورها في قطاع النفط العراقي الذي يمثل أهم الموارد التي تعتمد عليها ميزانية البلاد، يمنحها فرصاً أكبر للتحول إلى رقم مهم في التفاعلات التي تجري على الساحة السياسية العراقية، فضلاً عن أن تواجد شركاتها في منطقة كردستان يمكن أن يمنحها القدرة على ممارسة دور الوسيط بين السلطة المركزية في بغداد وحكومة كردستان، وهو ما قد يوفر لها نفوذاً لدى كلا الجانبين.

أولوية خاصة

ختاماً، يمكن القول إن الاهتمام الروسي بقطاع النفط العراقي بقدر ما يمثل أولوية بالنسبة لروسيا، فإنه في المقابل يوفر مكاسب متنوعة للعراق التي تحتاج إلى الاستثمارات الروسية لمساعدتها في سد فجوة البنية التحتية، وعمليات إعادة الإعمار، بالإضافة إلى رغبة العراق في التوقيت الحالي في موازنة علاقاتها مع الحلفاء، وتنويع شراكاتها مع القوى الخارجية.

بيد أن ثمة تحديات تواجه الحضور الروسي في قطاع النفط العراقي، في الصدارة منها استمرار حالة السيولة الأمنية في العراق، وهو ما يثير القلق بشأن الضمانات الكافية لحماية الاستثمارات الروسية داخل الأخيرة، بالإضافة إلى العقوبات الغربية المفروضة على شركات النفط الروسية، بسبب استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية التي لم تظهر في الأفق مؤشرات تكشف عن إمكانية الوصول إلى نهاية قريبة لها.