شواغل بلجراد:
لماذا تنامى الاهتمام الصربي بالمنطقة العربية؟

شواغل بلجراد:

لماذا تنامى الاهتمام الصربي بالمنطقة العربية؟



شهد عام 2021 تكثيف صربيا تحركاتها الدبلوماسية الهادفة إلى تعزيز علاقات التعاون والتنسيق مع الدول العربية، والتي جاءت في صورة تنفيذ زيارات دبلوماسية رفيعة المستوى إلى جانب إيفاد وفود تجارية صربية لبحث سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بعض البلدان العربية. يأتي هذا الاهتمام المتصاعد عقب التوتر الذي شابه العلاقات بين الجانبين، خلال حقبة التسعينات التي شهدت تفكك جمهورية يوغوسلافيا السابقة ودعم بعض الدول العربية لمسلمي البوسنة خلال حرب البوسنة والهرسك (1992-1995) واعتراف عدد منها باستقلال كوسوفو عن صربيا عام 2008، وهو ما يثُير التساؤل بشأن أسباب اهتمام صربيا بتعزيز حضورها في المنطقة العربية.

مؤشرات متعددة

برز اهتمام صربيا بتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية مع البلدان العربية، خلال عام 2021، على نحو ما يتضح فيما يلي:

1- قيام المسئولين بزيارات مكثفة: قام كبار المسؤولين الصرب بزيارات إلى عدد من الدول العربية، ومنها زيارة الرئيس الصربي “الكسندر فوتشيتش” في مارس 2021 إلى دولة الإمارات، وقام أيضًا بأول زيارة لرئيس جمهورية صربي إلى البحرين في أبريل الماضي. وخلال مايو الماضي، قام وزير الخارجية الصربي ” نيكولا سيلاكوفيتش” بزيارة المغرب، وزار الرباط أيضًا رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية صربيا في يونيو الماضي، على رأس وفد برلماني، بهدف تعزيز علاقات التعاون بين البلدين وبين المؤسستين التشريعيتين. وفي أغسطس الجاري، قام وزير خارجية صربيا بجولة في المنطقة شملت كل من لبنان، مصر، والأردن، والتي كانت الزيارة الأولى على الإطلاق لوزير خارجية صربي للأردن.

2- توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم: بهدف تطوير آليات التنسيق المشترك بين صربيا والدول العربية، قامت في مارس الماضي، بتوقيع مذكرة تفاهم مع البحرين بشأن التشاور السياسي بين وزارتي خارجية البلدين. وفي مايو الماضي، تمّ التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية بين وزارة خارجية جمهورية صربيا ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بالمملكة المغربية، بالإضافة إلى برنامج التعاون في مجالات الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي والإعلام والاتصال (2021- 2024).

3- تنظيم الاجتماعات المشتركة: شهدت كل من مصر والإمارات والمغرب زيارات مكثفة من قبل ممثلين عن الحكومة والقطاع الخاص الصربي، والتي استهدفت مناقشة سبل زيادة التبادل التجاري وتشجيع السياحة والاستثمارات في البناء والتشييد والطيران والزراعة. ومؤخرًا، اتفق الجانبان المصري والصربي على عقد الدورة الأولى للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين بنهاية العام الجاري في القاهرة، على أن يحضرها رجال أعمال من الطرفين.

وقد انطلقت الحكومة الصربية في تحركاتها الدؤوبة لتعزيز الشراكة مع البلدان العربية من رؤية براجماتية، وعملت على تنحية القضايا الخلافية جانبًا، مستهدفة بذلك تحقيق مجموعة من المصالح المحددة، والتي من بينها:

الشراكات الاقتصادية

1- فتح أسواق جديدة لمنتجاتها: تسعى صربيا إلى تعزيز حركة التبادل التجاري مع البلدان العربية خاصة أن السوق الصربية تُعد مدخلاً مهماً لأكثر من مليار مستهلك، وبوابة إلى أسواق شرق أوروبا، وتستهدف أيضًا فتح أسواق جديدة لمنتجاتها الزراعية، في منطقة الخليج على وجه التحديد، وهو ما قد يُسهم في تعزيز الأمن الغذائي العربي.

ويُعد قطاع الزراعة قاطرة الاقتصاد الصربي، حيث ساهم بنحو 11.9 % من الناتج المحلي الإجمالي، 21 % من إجمالي القوى العاملة عام 2016، وشكلت الزراعة والإنتاج الغذائي أهم قطاع تصدير في البلاد، وذلك بحوالي 19.4 % من إجمالي صادراتها. ومن أهم الصادرات الزراعية لصربيا كل من منتجات الحبوب، الفواكه والخضروات المصنعة، عباد الشمس وزيت الصويا، السكر المكرر، ودقيق القمح ومنتجات الحلويات.

في هذا السياق، وقعت شركة الظاهرة، إحدى الشركات الإماراتية الرائدة في مجال الاستثمار الزراعي، على اتفاقية استحواذ على أصول شركة “بي كي بي كوربوراسيجا” الزراعية الصربية والشركات التابعة لها، بقيمة 150 مليون يورو، كما تقوم بعض الشركات الزراعية الإماراتية بشراء واستصلاح آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في صربيا.

2- البحث عن مستثمرين جدد: تعمل صربيا على تشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى القطاعات الاقتصادية الحيوية فيها، خاصة قطاع الطاقة المتجددة، الذي يُمثل 20 % من إجمالي استهلاك الكهرباء في البلاد. وبالنظر إلى خططها للتوسع في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، للوصول بقدراتها إلى 40 % من إجمالي الكهرباء المنتجة في البلاد بحلول عام 2040، فتستهدف صربيا إيجاد مستثمرين جدد لمشروعاتها في مجال طاقة الرياح والطاقة الشمسية.

جدير بالذكر أن دولة الإمارات كانت رابع أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية المباشرة في صربيا، خلال الفترة من 2010 إلى 2019، بعد الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين. وتبلغ قيمة الاستثمارات الإماراتية نحو 4 مليارات دولار، وتشمل مجالات عدة كالعقارات والطاقة المتجددة والزراعة والخدمات المالية والطيران والسياحة والموانئ وتكنولوجيا المعلومات.

دبلوماسية اللقاح

3- تقديم اللقاحات المضادة لكوفيد -19: تُعد صربيا من البلدان القليلة على مستوى العالم التي حققت نجاحات ملحوظة فيما يتعلق بالتطعيم ضد كوفيد – 19؛ حيث نجحت في تلقيح 40 % من مواطنيها بشكل كامل، وقدمت ما لا يقل عن 5.754 مليون جرعة لقاح. ويأتي النجاح الذي حققته صربيا مدفوعًا بالنهج الذي اتبعته منذ تفشي الجائحة والمتمثل في السعي إلى تنويع موردي اللقاحات، وهو ما مكنها من الحصول على لقاحات من موردين مختلفين، بما في ذلك الصين وروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وعقب نجاحها في إحراز تقدم في تطعيم مواطنيها، قامت صربيا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 7 ملايين نسمة، بتوفير التطعيم لعشرات الآلاف من مواطني الدول المجاورة لها، من كرواتيا ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وألبانيا والنمسا وغيرها، الذين سافروا إليها للحصول على اللقاح، كما تبرعت بكميات من اللقاحات لمقدونيا الشمالية والجبل الأسود والبوسنة وبعض البلدان الإفريقية مثل زامبيا وموزمبيق. وخلال زيارة وزير الخارجية الصربي إلى لبنان، سلم أكثر من 20 ألف جرعة من لقاح سبوتنيك المضاد لكوفيد -19، وهو الجزء الأول من مساعدات تُقدر بنحو 40 ألف جرعة لقاح ستتبرع بها صربيا للبنان.

المكانة الدولية

4- استضافة قمة عدم الانحيار: رغم سعيها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن صربيا تعمل على تنويع شراكاتها الدولية وتعزيز علاقات التنسيق والتعاون مع مختلف البلدان. ومن المقرر أن تستضيف في أكتوبر المقبل، قمة دول عدم الانحياز والتي ستعقد احتفالًا بالذكرى الستين للمؤتمر الأول لتأسيس الحركة عام 1961، وقد كانت جولة وزير الخارجية الصربي الأخيرة في المنطقة مناسبة جيدة لتوجيه الدعوة لقادة لبنان ومصر والأردن لحضور فاعليات هذه القمة.
وتُعد استضافة صربيا للقمة بمثابة إعادة تأكيد على دورها المحوري في إنشاء حركة عدم الانحياز، وتذكير بتعاونها المشترك مع مصر في تأسيسها، خاصة أن الحركة هي نتاج جهد مشترك من قبل الرئيس المصري “جمال عبد الناصر” والرئيس اليوغوسلافي “تيتو”، بالإضافة لرئيس الوزراء الهندي “جواهر لال نهرو”.

5- تأكيد وحدة صربيا: برغم اعتراف بعض الدول العربية باستقلال كوسوفو عن صربيا، فإنها لم تتوانى عن التأكيد على ضرورة احترام سيادتها الوطنية والحفاظ على وحدة أراضيها، خلال زيارات مسؤوليها للمنطقة العربية. في هذا السياق، اتفق وزيرا خارجية صربيا والمغرب على ضرورة التمسك بمبادئ احترام وحدة الدول وسيادتها على ترابها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وذلك خلال زيارة الأول للرباط في مايو الماضي، حيث أكد على وحدة الأراضي المغربية.

وأثنى وزير خارجية صربيا على الجهود التي تبذلها المغرب للتوصل إلى حل سياسي ودائم لقضية الصحراء، معلنًا تأييد بلاده مبادرة “الحكم الذاتي” المغربية لحل القضية. ومن جانبه، أكد الوزير المغربي، على موقف بلاده الرافض الاعتراف باستقلال كوسوفو، التي لا تزال صربيا تدعي إنها جزء منها، ودعم المغرب لوحدة الجمهورية الصربية.

الصناعات الدفاعية

6- زيادة صادراتها من الأسلحة: قطاع التسلح هو من أهم قطاعات التصدير في صربيا، التي لديها إمكانيات مهمة فيما يتعلق بتصنيع الأسلحة. وقد كشف تقرير نشرته وكالة “رويترز” في يوليو 2018 عن تصدر صربيا لدول منطقة البلقان فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية، والتي بلغت قيمتها 406.6مليون يورو عام 2016. في هذا الإطار، تعمل صربيا على زيادة صادراتها من الأسلحة وتطوير علاقاتها العسكرية مع البلدان العربية، وقد وقعت في مايو الماضي، اتفاقًا مع المغرب بشأن التعاون في مجال الدفاع، وذلك بهدف تشجيع تبادل المعارف والخبرات وتعزيز العلاقات العسكرية الثنائية.

وقام “نيبوشا ستيفانوفيتش” نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الصربي بزيارة مصر في يوليو الماضي، حيث شهد التوقيع على بروتوكول تعاون في المجال العسكرى بين البلدين. ومن المقرر أن تشارك صربيا في الدورة القادمة لمعرض الصناعات الدفاعية والعسكرية “أيديكس 2021″، والتي ستعقد فعالياته في القاهرة في ديسمبر القادم. جدير بالذكر أن صربيا عقدت صفقات لبيع الأسلحة مع بعض الدول العربية، وهناك تعاون مشترك في مجال التدريب العسكري وتبادل المعلومات وتقنيات الاتصال والدفاع الإلكتروني.

مصالح متشابكة

من جملة ما سبق يمكن القول أن الاهتمام الصربي بتعزيز حضورها في المنطقة العربية من المُرجح أن يستمر في المستقبل، في ظل ما يقدمه التعاون مع بعض الدول العربية من فرص مهمة لصربيا لتعزيز مكانتها الدولية ودعم جهودها الرامية لتحقيق التنمية الاقتصادية.